أيها الشيخ أبو عبد الرحمن الظاهري سلمت براجمه من الأوخاز كنا نتمنى وأنت تقارع من السبعين جيشاً عرمرماً أن تكون أكثر وقاراً وتقديراً لمن سبقك في ميادين العلم والأدب والثقافة، وخاصة من أعلامها الكبار أمثال عباس محمود العقاد، الذي له من التلاميذ أكثر من ثلاثة أجيال وأنت تقف على مشارف السبعين من العمر وليس لك تلميذ واحد. لقد صُعقت، وأنا أقرا ما نشر لك في جريدة عكاظ يوم الخميس 14 جمادى الأولى 1428ه زاعماً أن إسماعيل مظهر يقول عن العقاد ينبزه في روز اليوسف: لقد سمحت لقلمك ولسانك بنقل وكتابة هذه البذاءة دون أن تعقب عليها، بل نقلتها فرحاً مبتهجاً مسروراً، لأن شخصاً قال مثل هذا الكلام البذيء عن نابغة العربية وأديبها الأول عباس العقاد. أيها الشيخ أنت تدعي النسبة إلى أهل العلم والفقه ولست أديباً فقط، فكيف تجري مثل هذه النقول على لسانك وقلمك؟ هل تريد أن تثأر لشيخك ابن حزم من العقاد لأن له رأياً لا يسرك في نشأة المذهب الظاهري وفي ابن حزم بالذات إذ يتهمه (بالنصب) أما إسماعيل مظهر فهو صاحب مجلة المصور، وليس روز اليوسف كما توهمت، وهو من خصوم العقاد، وقد سخر مجلته لكل من يحارب العقاد وسيرته وعقيدته لا تحمدان. يقول في كتابه في الأدب والحياة ص(75) ما ننقله حرفياً (وعندي أن الوحي والتنزيل، لم يقم عليهما إلى الآن دليل يصح أن يطمئن إليه العقل) انتهى. هذه عقيدة الذي يقول إن العقاد صعلوك غانية وهو الرأي الذي تملحت وتلذذت بروايته للقراء. ومن شر آفات العقول أن يكثر النقل ويقل العقل؟ وشر من الجهل أن يكثر العلم وتضعف القريحة؟ سُئل نجيب محفوظ بعد نيله جائزة نوبل من في رأيك يستحق جائزة نوبل غيرك. فأجاب: العقاد يستحق جائزة نوبل من قبل أربعين سنة. ولكن نسي السيد محفوظ أن جائزة نوبل لا يمكن أن تعطى لمن يؤلف عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن صحابته عشرات الكتب، أعني العبقريات وغيرها. جائزة نوبل لا يمكن أن تمنح لمؤلف كتاب (الإنسان في القرآن) وكتاب المرأة في القرآن، وكتاب التفكير فريضة إسلامية، وكتاب الفلسفة القرآنية...الخ. إن هذه المواضيع لا ترق للمحكمين وأصحاب جائزة نوبل الشرفاء، إنهم يبحثون عن الشيء الذي لا يجدونه إلا في (أولاد حارتنا) وأراك تحمل بعُنف على (الدهماء والغوغائية وأشباه العربجية ومن ليس عندهم العشق للكتاب في الجملة ومن لم يكن خلقهم خلق القرآن) عجباً فهل من أخلاق القرآن أن تروي هذا البيت من الشعر القذر منسوباً إلى شخص اسمه إسماعيل مظهر لا نعرف عنه أنه كتب شعراً قط في الطعن في شخصية رجل رحل عن دنيانا منذ ما يزيد عن أربعين عاماً وله من المؤلفات ما يزيد عن سبعين كتاباً أكثرها في الدفاع عن الإسلام ضد هجمات الملاحدة، والشيوعيين، والوجوديين الخ؟ مفكراً كبيراً كان بعيد النظر تنبأ بسقوط الشيوعية وانهيارها قبل ما يزيد عن نصف قرن، في كتابه (مذهب ذوي العاهات) إن الدهماء والغوغائية الذين لا يعجبونك يوجد لدى بعضهم احترام لأهل العلم والثقافة كما شاهدناه في واقع الحال، ومنهم من يتحرز ويخجل أن يخط بقلمه أو يروى مثل هذا الكلام البذيء القذر الذي تلذذت بروايته وكأن الذي قاله من كبار الزهاد والأتقياء وليس شخصاً مدخول العقيدة كما أثبتنا. وتقول العقاد ليس عالماً؟ أجل ليس عالماً أو أديباً أو فيلسوفاً ما دام أنه قال كلاماً لا يعجبك عن المذهب الظاهري، وعن شخصية ابن حزم ويا من تمنح الألقاب، وتعطي الشهادات هذا عالم وهذا مثقف فقط وهذا ترتاح إليه النفس، وهذا ليس عالماً. هل في مقدرة شيخ الأزهر المعاصر للعقاد أن يؤلف لنا كتاباً مثل كتاب (عقائد المفكرين في القرن العشرين)؟ للعقاد أو كتاب (الحسين أبو الشهداء)؟ الجواب معروف سلفاً. ومن خلال متابعة المواجهات التي أجراها الأستاذ ساري الزهراني مع الشيخ الحزمي ابن عقيل الظاهري فإذا الشيخ الفقيه يردد هذا البيت القذر للمرة الثانية، فرحاً، مسروراً مبتهجاً لأن شخصاً ما قال مثل هذا الشعر القذر في نابغة العربية العقاد رحمه الله، إذن فالشيخ الفقيه العالم يجد متعة في ترديد هذا البيت الذي يتذكره ولا ينساه رغم أنه في سن السبعين مرحلة النسيان والذبول، المرحلة التي قالت عنها العرب بأنها دقاقة العنق ومعترك المنايا، ولهذا الأمر دلالته النفسية ولكني لا أجد نفسي غابطاً لذاكرة الشيخ ابن عقيل التي تحتفظ في سراديبها العميقة بهذا البيت البذيء الذي يقفز من الذاكرة كلما سُئل الشيخ عن رأيه في أديب العربية الأول عباس العقاد، وأعتقد انه سيقفز للمرة الثالثة والرابعة لو وجد من يسأله عن العقاد، وعلى المحررين أن يجتهدوا في ذلك، فان علامات الزهايمر الأدبي والفكري لا تخفى مهما اجتهد صاحبها في إخفائها، ويقول الشيخ العالم الفقيه تلميذ ابن حزم النجيب الذي لم يأخذ منه سوى الجرأة على العظماء من الرجال (إن العقاد أخذ اكبر من حجمه) لعله يرى انه قدم من الانجاز الفكري ما لم يستطع تقديمه العقاد، فليبرز لنا من مؤلفاته كتابا يضارع كتاب العقاد (عقائد المفكرين في القرن العشرين) بل من مؤلفات طه حسين والزيات اللذين أشاد بهما لحلاوة أسلوبهما وطلاوته، وترقيصهما للجمل والعبارات؟ أما أنا فأقول لو أن الشيخ عُمِّر مائة عام في صحة وعافية لما كان في مقدوره أن يؤلف بمثل كتاب العقاد عن أبي الشهداء (الحسين بن علي) عليه رضوان الله وسلامه.