أتابع أخبار الدكتور محمد البرادعي الطامح للرئاسة في الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة في عام 2011 بنفس الحماس الذي كنت أتابع فيها معركته مع واشنطن حول موقفه من قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية. وبدأت المعركة منذ غزو العراق عندما أصدرت وكالة الطاقة الذرية تقارير تنفي أن يكون هناك برنامج نووي عراقي نشط وهي الذريعة التي ساقتها الولاياتالمتحدة لغزو البلاد في مارس 2003. وقد حمل منح جائزة نوبل للبرادعي وللوكالة الدولية للطاقة النووية انتقادا مستترا لواشنطن التي اختلفت مع البرادعي بشأن العراق، وكانت ركلة للسياسة الأمريكية في العراق. وكان موقفه من البرنامج النووي الإيراني ساحة جديدة للمعركة وصل الأمر فيها إلى إتهام الدكتور محمد البرادعي بدعم سياسة «المماطلة» التي تمارسها إيران، لتمكينها من متابعة تنفيذ برنامجها النووي. لكن الدكتور البرادعي نجح، كما يقول البعض، في أن يمسك العصا من المنتصف واستطاع الاستمرار لأنه أرضى الكبار ولم يغضب الصغار، فعرف بذلك كيف يكون سياسياً ماهراً يخوض المعارك دون أن تصيبه شدتها فتوراً أو تخبئ حماسه لمواصلة المعركة لنهايتها. لكنني وجدت أن الدكتور البرادعي لم يتعلم كثيراً من تجربة عمله كمدير للوكالة الدولية للطاقة النووية، ومن المعركة التي خاضها بمهارة السياسي لا بمؤهلات العالم. ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة الجارديان انتقد البرادعي الغرب بسبب «دعمه للأنظمة القمعية».وقال البرادعي للصحيفة: « إن الحكومات الغربية تخاطر بإمكانية خلق جيل من المتشددين الإسلاميين إذا استمرت في «دعمها للأنظمة القمعية في الشرق الأوسط». كما انتقد التحليل الغربي الذي يستخلص أن البديل للأنظمة السلطوية هو أسامة بن لادن وأمثاله، وطالب الحكومات الغربية بإعادة تقييم تحليلاتها. وقال: إن مراهنة الغرب على الفرد (الحاكم) بدل الشعب ككل هي مراهنة فاشلة. وحذر البرادعي، في حديثه للصحيفة من إمكانية أن يفقد الغرب مصداقيته في الشرق الأوسط، وقال:إن الغرب تحدث كثيرا عن الانتخابات الإيرانية، ولكن أين الانتخابات في العالم العربي؟ ولماذا لا يتحدث الغرب عن هذا ؟ الكلام السابق هو بلا شك «كلام جميل .. وكلام معقول .. مقدرش أقول حاجة عنه».. لكنه كلام يمكن أن يصدر عن مُحلل سياسي أو أستاذ أكاديمي أو كاتب في صحيفة سيارة .. وليس عن سياسي مُحنك يزن كلماته بميزان الذهب. فإذا كان مقبولا منه كسياسي طامح لتبوء منصب رئيس جمهورية توجيه شتى الانتقادات إلى الداخل المصري فإن انتقاده للأنظمة العربية التي سيتعامل معها مستقبلاً (إذا ما أنتُخب رئيسا) سيحدد ملامح علاقاته المستقبلية مع هذه الأنظمة. وحديث بهذه الصراحة وهذا الوضوح لا يخدم هذه العلاقات إطلاقاً!! ويعرف حتى المبتدئون في العمل السياسي أن الكذب يُشكل جزءاً مهماً من السياسة في الديمقراطية المعاصرة. كما أن هناك شروطا يجب توافرها في من يريد العمل في السياسة وعلى رأسها اللامبالاة بالنقد والطاقة الفائقة والقدرة على الكذب بشكل مستمر. وافتقاد السياسي إلى أحد هذه المقومات يشلّ قدرته على مواصلة السير نحو أهدافه. والناخبون يتوقعون أن يكذب عليهم الساسة في ظروف معينة بل وأحيانا يتطلب الأمر ذلك. ويكذب رجال السياسة إلى درجة أنهم يصدقون أكاذيبهم، ومع الوقت يعتبرون تلك الأكاذيب منجزات يدّعون بأنهم حققوها بل ويلومون الناس على عدم الاعتراف بحجم انجازاتهم التي تنطق بها كلماتهم حتى وإن لم تعكسها أفعالهم؟! ومن تتبعي لمسيرة الدكتور محمد البرادعي الانتخابية أستطيع أن أقول أنه بعيد بمسافة شاسعة عن المواصفات التي ينبغي توافرها في السياسي المُحترف، فهو يفتقد إلى بعض شروط رجل السياسة، لذا أنا أحد المتشككين في قدرته على إكمال مسيرته لتحقيق طموحه في تنفيذ رؤيته في التغيير، بالرغم من أن الكثيرين في مصر حتى داخل الحزب الحاكم نفسه يعترفون بأن هناك حاجة إلى تغيير في المنهج والسياسات والأشخاص، وبأن مصر لا يمكن أن تستمر وهي بلد كبير ومحوري في المنطقة بنفس السياسات لمدة ثلاثة عقود من دون تغيير. ولكن يبقى في النهاية التأكيد على أن الانتخابات المصرية هي شأن مصري خالص .. فأهل مصر هم بلا شك «أدرى بشعابها»؟!. [email protected]