يعاب على الأمم الجادة والباحثة عن مكانة متميزة في ركب الحضارة، أن تنهك طاقاتها وامكاناتها في طروحات قد قتلت بحثا وذبحت نقاشا.. وهو ما أشار إليه المفكر د.عبدالكريم بكار في محاضرة ضمت جمعا من الأكاديميين والباحثين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة -مؤخراً-، حينما نبه إلى أن 80% من الأعمال الفكرية عن المرأة كانت نقاشات حول الحجاب والاختلاط والعمل وشروطه! وهنا تذكرت القاعدة الذهبية التي وضعها العالم الايطالي بريتو(1897م) والتي تؤكد دراساته أن الناس يبذلون 80% من جهودهم ومواردهم من أجل الحصول على 20% من المنجزات.. بينما ال20% مما يبذلونه هو الذي يأتي لهم بال80% من المنجزات، وهو ما يتطابق مع ما لفت د.بكار الانظار إليه. ورغم ال80% من الجهود الثقافية توجهت نحو قضايا محددة، إلا أننا للأسف لم نجد حتى اليوم الحسم تجاه الموقف والرأي الجازم لتتخذه الأمة ويطبقه الناس بارتياح. فلازالت طاحونة الطرح الإعلامي تطحن الهواء في نقاش بيزنطي يتمترس به كل طرف دفاعا عن آراء مسبقة، وهو ما أوصل تلك المناظرات في كثير من الأحيان الى دركات التراشق والسخرية والازدراء الشخصي بعيدا عن الموضوعية والرصانة. نحن بحاجة إلى تأمل مقولة الدكتور بكار من أجل مراجعة صادقة للنخب المثقفة لتلك القضايا المحدودة، والانتقال الشجاع من مرحلة استعراض العضلات الاعلامية، الى الطرح العقلاني المبني على الحجة والدليل والبرهان. ومن ذلك تحرير تلك المسائل تحريرا علميا من قبل المتخصصين من خلال عمل مؤسسي جاد لخدمة الأمة وتوفير طاقاتها نحو حقول التنمية الأخرى التي لا زالت جدباء من أي طرح ثري ورؤى عميقة. كما تتطلب المرحلة من مثقفينا – بعد تحرير تلك القضايا تحريرا علميا شرعيا موضوعيا بعيدا عن حرب الاستقطاب.. الانتقال بنا الى آفاق القضايا المجتمعية التي يعاني منها فئات شتى من المجتمع.. كالفقر والبطالة والفساد الاداري والمالي.. فكل قضية من تلك القضايا تستدعي من العقلاء حوارا مطولا جادا يصل بنا الى الخروج من دائرة التخلف والفوضى التي نعيشها؛ فضلا عن حاجتنا الى عقول مستنيرة توجه طاقاتها وتقود هذه المسيرة بكل جد واجتهاد الى خدمة برامج التنمية التي تدفع إليها قيادتنا الحكيمة بكل قوة في سباق مع المستقبل. وما لم ينتبه المثقفون الى الأولويات وضرورة تناديهم لمشروع يوحد ولا يفرق يجمع ولا يفتت.. ويوجه الانظار الى تنمية حقيقية على مستوى الفرد والجماعة والمؤسسة والمجتمع.. وإلا فإن قطار الزمن لن يرحم أحدا ولن ينتظر الكسالى.. وسنكون أضحوكة العالم في الجدل البيزنطي والتراشق اللفظي.. والضحية في النهاية هو الوطن والمجتمع والأجيال القادمة. [email protected]