تعتز الأمم بتراثها وآثارها التاريخية، وتحافظ عليها وتتعهدها بالصيانة، باعتبارها تراثا إنسانيا شاهداً على تلك العصور القديمة، ومن عاش فيها من الأقدمين. وتهتم المجتمعات المتحضرة بإرث الآباء والأجداد مثلما تهتم بإنشاء حضارة حديثة وعصرية.. ولذلك تصبح توعية المجتمع بضرورة الحفاظ عليها وحمايتها من العبث والتشويه، من أولويات المهتمين بالآثار والتاريخ، خاصة إذا بات هذا العبث أشبه بالظاهرة التي يخشى منها على الموروث الحضاري للوطن وأبنائه. تراث إنساني وحول هذا الموضوع يقول الدكتور سعيد بن فايز السعيد عميد كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود: أن الاهتمام بالآثار له جانبان؛ مادي ومعنوي، والجانب المعنوي يفوق الجانب المادي. إذ أن الآثار تمثل تراث الإنسان ومحصلة تجاربه الإبداعية، وتشكل حلقة من حلقات التطور الحضاري والتغير الثقافي، وما يؤكد هذه الأهمية هو أن ضياع أي أثر أو فقده، أو تخريبه يمثل خسارة كبيرة لا تعوضها الماديات، لا للدولة صاحبة الأثر فحسب بل للبشرية جمعاء، وقد بلغت هذه القيمة المعنوية ذروتها في الاهتمام بالآثار والممتلكات الثقافية على المستوى العالمي. ويؤكد الدكتور السعيد أن ما يحدث من عبث وتشويه لهذه الممتلكات الثقافية يُعَدُّ تخريباً وإفسادا مع سبق الإصرار والترصد، وقد نتج عن ذلك التشويه القضاء نهائياً على بعض تلك الكتابات والرسومات بشكل يستحيل معالجته، لأنها نُفّذت على صخور رملية هشّة يصعب إزالة ما اعتلاها من تشويه، ما أفقدها الكثير من معانيها ودلالاتها.. لذا أقول للذين يقومون بكتابة عبارات الذكريات على بعض آثارنا: نعم الذكريات عزيزة لا مانع من كتابتها، لكن ليس على حساب التاريخ والآثار، فتلك العبارات جريمة بحق آثارنا؛ لأنها تطمس معالم تنتمي إلى البشرية كلها. السياحة والآثار ومن جهتها فقد تبنت الهيئة العامة للسياحة والآثار عدداً من الخطط والمبادرات لتطوير قطاع الآثار والمتاحف بعد ضمه للهيئة وربطه بالبعد الثقافي والحضاري وتوعية المواطنين بضرورة المحافظة عليه. وقد أوضح صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في أكثر من مناسبة أن الهيئة تواجه العديد من التحديات للمحافظة على الآثار والتراث العمراني، ولن يتم ذلك إلا بالتعاون الوثيق مع أجهزة المناطق والبلديات والمواطنين لحماية وتطوير معالمنا الأثرية والتراثية، وترسيخ الوعي لدى المواطنين بأهمية المحافظة على هذا الإرث الوطني التاريخي، واعتبار ذلك قضية وطنية. وفي مجال اهتمامها برفع الوعي بالآثار تستعد الهيئة لإطلاق حملة وطنية للتوعية بأهمية الآثار وبكونها مكسباً للمواطن ومِلكاً لدولته وليست مستباحة، والعمل على تغيير الأنماط الفكرية التي تتعلق باستباحة الآثار أو سرقتها، والتأكيد على أن سرقتها أو طمسها والعبث بها يعد جريمة في حق وطنه وتاريخه، فهذه الآثار وطنية ومِلكا للأمة وليست مِلكية فردياً. كما تعمل الهيئة مع وزارة التربية والتعليم لترسيخ الوعي لدى الطلبة بأهمية الآثار وبكونها مصدر استلهام لتاريخ الأمة والوطن، حيث يعمل برنامج التربية السياحية المدرسية «ابتسم» الذي تتعاون فيه الهيئة مع الوزارة في تعزيز هذه المفاهيم، كما أن هناك تفاهم مع وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي لتخصيص يوم للتوعية بالآثار وإبراز أهميتها وقيمتها في ربط المواطن بأرضه وتاريخه وحضارته، كما أدرجت الهيئة أنشطة التوعية بأهمية الآثار ضمن برنامجها «السياحة تثري» الموجه للمجتمعات المحلية من خلال تعريف قيادات المجتمع المحلي في ورش عمل البرنامج بأهمية الآثار ودور المجتمعات المحلية في حفظها. وبتوجيهات مباشرة ومتابعة مستمرة من الأمير سلطان بن سلمان تبذل الهيئة ممثلة في قطاع الآثار والمتاحف جهوداً لحماية الآثار من العابثين بها، وتواجه ذلك العبث من خلال مسار الحماية وتطبيق النظام الحالي للآثار فيما يتعلق بالعبث بالآثار بالإضافة إلى الحملات الإعلامية.