اتصلت للسؤال عن أحد الأصدقاء، فرد عليّ وهو يجهش بالبكاء وأفزعني، فسألته: ماذا حل بك؟ قال: أمر آلمني.. فقلت: ما الأمر الذي أبكاك؟ فقال: ذهبت قبل قليل لاستقبال أخي عند محطة القطار، وحينما نزل ترك بيني ويينه مسافة مترين وهو يحدثني من بعيد، كم هو مؤلم أن تقابل شخصًا عزيزًا عليك: أبوك، أمك، ابنك، ولا تستطيع تقبيله، أو حتى مصافحته، فنظرت إلى هذه القوة الإلهية، ولقدرة الخالق عز وجل، وبكيت أنا وأخي، حيث كل منا بعيد عن الآخر.. وغيرنا قد يرى أمه وأباه ولا يستطيع أن يقبلهما أو حتى الذهاب إليهما، لطفك يا الله بنا، فلا ندري أي الذنوب اقترفناها فحرمنا من الدخول لبيتك، وحرمنا من أحبتنا. لذا، أوجه رسالة لي ولغيري يجب أن نقف وقفة نراجع فيها أنفسنا، ولا نبحث في أسباب هذه الجرثومة أيًا كان مسببها، ولا نتهاون فنقول هي صنيعة كذا وكذا.. نحن مسلمون ونعلم يقينًا أنه لا شيء يسير في هذا الكون إلا باذن الله، ولا حياة ولا ممات ولا مولود إلا بإذنه، فنحن مؤمنون بقضاء الله وقدره، خيره وشره، وندرك أن لله حكمة في ذلك لا يعلمها إلا هو.. وقد بين لنا في كتابه الغاية من وجودنا وأنه ما خلقنا عبثًا وهو الذي قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}. يجب أن نحاسب أنفسنا بصدق وأمانة لأننا غدًا سنقف بين يدي الكريم، وكنت قد سمعت من أحد الدعاة قولا يقشعر له الجسد وهو يتدبر في آية خلق الإنسان: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}. ثم بعد كل هذا التكوين: {ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ}. نحتاج أن نفتح له أغاليق القلوب، ونحن نتعامل مع القرآن في هذه الفترة التي نمر بها مع هذا الوباء تُعَلمنا كم كنا في نعمة ولم نرعها، وأسأل الله أن يحفظ العالم من هذا، إنه السميع المجيب.