كثيرًا ما نسمع في أوساط المجتمعات حينما يتحدث الناس عن بعضهم البعض، نجد أن فلانًا غيَّر سيارته، وفلانًا غيَّر مساره الوظيفي، وذاك غيَّر أثاث منزله...إلخ. هل التغيير يُعدُّ ظاهرة صحية أم ترفًا اجتماعيًا؟ قد تختلف الإجابة حسب بيئة الشخص ومحتواه الثقافي ونظرته للحياة، لكن ربَّما نتفق جميعًا على أن التغيير هو انتقال من مرحلة إلى مرحلة جديدة، ومن طور إلى آخر. البيضة لن تفقس بداخلها الفرخة إلا عندما تحاول الخروج بكل ما أوتيت من قوة، والفراشة تمكث مدة في شرنقتها بانتظار نضج أجنحتها لكي يتسنى لها التحليق بين الزهور. هذه أمثلة على أن المخلوقات بأسرها يجب أن تمرَّ في مراحل عدة يستوجب عليها أن تتغير وأن تتكيف مع عمرها الجديد ومكانها الذي تقيم فيه، كذلك هي طبيعة الإِنسان أنه يمر بعدة مراحل في حياته، حيث ذكر المولى عزّ وجلّ في سورة المؤمنون: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسان مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خلقًا آخر فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ). هذه المراحل لا يملك الإِنسان فيها خيارًا فيما لو أراد الرفض أو القبول بالمرور على تلك المراحل، لكن عندما يصل إلى سن النضج يبدأ بالتكليف وبالتغيير الحقيقي لذاته. يقول بعض الفلاسفة: «نحن لا نتغير عندما نكبر؛ ولكن نحن نكتشف أنفسنا أكثر فأكثر وقالوا أيضًا: «ليس التغيير جيدًا أو سيئًا. هو مجرد نمط من أنماط الحياة، فلا شيء يدوم دون تغيير أعتقد بأن الأمر بات جليًا الآن، التغيير ضروري لكي نحقق ما لم يتحقق في السابق. من المستحيل أن نفعل نفس الأسباب وأن نكون على علاقة مع نفس الأشخاص ونقوم بنفس الجهود لنتوقع نتيجة مختلفة! قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ). فالظالِمَ لا يرجو التوبة والغفران ما لم يندم ويستغفر، الذي ينام ليله ونهاره لا يظن بأنه سيصحو في صباح يوم ما ويجد نفسه في قصر منيف. قد يقف رجلان أمام البحر في بدايات ظهور خيوط الشمس الذهبية، وعندما نسألهما عن ذلك المنظر، كل منهما سيعطي إجابة مختلفة، ربَّما يقول أحدهما بأن البحر غدار! ويقول الآخر بأنه يأسر القلب. لماذا؟ لأنَّ الأول أرخى أذنه لغيره ويرى في الدنيا أنها لعنة! والآخر نظرته إيجابية ويرى في الدنيا أمل وأفراح تتوالى، لا شك أنها دار فناء وابتلاء لكن نظرة الإِنسان لها تجعله يعيش إما في سرور وإما في تعاسة. لا تجعل الناس تختار لك وتقرر عنك، أنت من سيعيشها فكن صاحب القرار وتحمل تبعاته. وإذا ضجرت من أناس بادرهم بالنصح فإن لم يطيعوا استبدلهم! وإذا شعرت بضيق فانظر في أمرك وقرر أن تتقرب إلى المولى سبحانه، لا تتوقع أن تحصل على ما تريد إلا عندما تقرر ذلك وتغير ما بداخلك من أفكار وقناعات، بعد العمل المضني ومشيئة الله ستحصل على ما تريد مهما طالت المدة. وتذكر دائمًا: «لا أحد يستطيع أن يغيرني، أنا الوحيد القادر على ذلك».