يبدو أننا قريباً بصدد الاحتفال بصدور قانون مُتكامل مُختص بمكافحة جريمة التحرّش، بعد أن أمر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- العام الماضي بإعداد مشروع نظام لمُكافحة التحرّش، وهو النظام الذي أعدّته وزارة الداخلية وتمّت إحالته إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ويناقشه مجلس الشورى في جلسته القادمة للتصويت عليه. ومن ضمن أسباب اللغط حول ظاهرة التحرّش بالمرأة على مدى سنوات طويلة، الخلط في مفهوم أن التربية الدينية على الأخلاق الإسلامية وحدها كفيلة بردع المُتحرّش، وأن ضعف الوازع الديني هو السبب الرئيس، وتقويته هو العلاج الناجع للتحرّش، بل ذهب بعض الجُهلاء والمُتحذلقين والواهمين، إلى أن قانون التحرّش قد يعني تمرير الانحلال الأخلاقي، وتشجيع الفساد السلوكي، وفتح المجال لخدش الذوق العام بسلوكيات حميمة غير سوية في التجمّعات العامة، وكأننا في مُجتمع همجي أهوج لا تحكمه أخلاقيات ولا قوانين. ومن ضمن المفاهيم المضطربة في القضية، تكريس بعض المؤدلَجين لوْم الطرف الأضعف (أي المرأة)، وتحميلها وزر تعرّض «الذكور» لها، ومطالبتها بمزيد من التعفف والحشمة وحسن الخلق وضبط السلوك الشخصي، وتشبيهها -أجلّها الله- بالحلوى المكشوفة، فهي -بحسب رؤيتهم- أساس الفساد، وأصل التحرّش، وسبب انتشار الرذيلة وحثّ «الذئاب البشرية» على الانفلات، لمجرّد مُمارستها حقها الإنساني في الخروج واختلاطها بأفراد مجتمعها. أما ماعجزتُ حقاً عن استيعابه، فهو تبنّي بعض النساء الفكر نفسه، وتحميل بنات جنسهن المسؤولية عن تعرّضهن للتحرّش!. ولا يعني ما تقدّم أن المرأة ليست في منأى عن أسباب وسلوكيات التحرّش، بل من المنطقي احترامها لذاتها والتزامها بالأدب الاجتماعي والذوق العام، والتستّر والحشمة في المظهر والسلوك، بما تقتضيه الشريعة الإسلامية السمحة في مجتمع متعدد الأعراق والثقافات والعادات، ودون تضييق أو فرض آراء متشددة، ثم معاقبتها قانوناً لو ثبت تورّطها في الجريمة، مثلها في ذلك مثل أخيها الرجل. إن ضبط سلوك التحرّش بتطبيق قوانين واضحة رادعة لاتدع مجالاً للاجتهادات الشخصية، أو الآراء المنفردة، يمنع من في قلبه مَرض من استمراء الهمجية السلوكية، وإشاعة الفوضى الأخلاقية والتعدّي على الأعراض، في مُجتمع إسلامي يلتزم بمقاصد شريعة جاءت لتحفظ كرامة الإنسان، وحقه المكفول في العيْش بسماحة الشرع، وهيبة القانون العادل المسيّر لشؤون الرجل والمرأة على حدّ سواء، فالله يزَع بالسُّلطان، مالا يزَع بالقرآن.