مازالت قضية التحرش عالقة ولم يتم البت فيها، رغم ان مجلس الشورى سبق وان ناقشها لكن تم تأجيل صدور قرار حولها، غير ان حدوث حالات تحرش في الآونة الاخيرة في مجتمعنا وتوثيقها بوسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف، اعاد القضية مجددا الى السطح، ومعها تنادى الكثيرون الى ضرورة صدور تشريع خاص بالتحرش، يجرم هذا السلوك ويضع الاطر الوقائية والعقابية له. (البلاد) تطرح هذه القضية من جديد من خلال قيامنا باستطلاع آراء عدد من المستشارين والحقوقيين والاكاديميين والذين جاءت مجمل رؤاهم تؤيد ضرورة العمل الجاد على استصدار قانون خاص بالتحرش وهنا التفاصيل: يقول الكاتب عبدالله الشريف:"إن استصدار قرار يعالج مسألة التحرش ويحدد العقوبة المطلوبة ضد المتحرش في مجتمعنا، أصبح من الضروري بمكان لان هذه الظاهرة تنتشر في العالم، وخاصة في عالمنا العربي بشكل ظاهر لم يكن معهوداً من قبل. ولذلك لابد من وجود قانون او نظام يحدد عقوبات رادعة تمنع هذه الظاهرة من التوسع، واظن ان الاجتهاد في الفقه كفيل بأن يوجد عقوبات رادعة تمنع أولئك المتسيبين اخلاقياً من القيام بمثل تلك الافعال القبيحة". وختم الشريف قائلا:"واقول ان اي عرقلة لاستصدار تنظيم يحد من التحرش، سوف تؤدي الى تفاقم مثل هذه الظواهر وانتشارها اكثر في مجتمعنا". وقالت الدكتورة سهيلة زين العابدين عضو الجمعية الوطنية لحقوق الانسان:" نحن في أمس الحاجة لاستصدار نظام ضد التحرش سواء كان في المنزل أو الشارع أو السوق أو العمل، حيث صار التحرش في المنزل من المحارم الى درجة الاغتصاب، وهذا قد يحدث عنه حمل سفاح.. وتكمن اهمية هذا التنظيم الذي نطالب به الى حماية المرأة والطفل من التحرش، لأن عواقبه سيئة للغاية سواء على المجني عليها أو على أسرتها، خاصة إذا وصل إلى درجة الاغتصاب حيث تتأثر أسرتها كلها". وأضافت د.ز ين العابدين:" ومع الأسف فقد جرت العادة في مجتمعنا السعودي ان يتم تحميل المرأة نتيجة خطيئة الرجل عليها، حتى ان بعض العلماء يحمّل المرأة المسؤولية، المرأة التي لا تغطي وجهها عن اثم نظرات الرجل اليها، ولكنهم لا يحملون الرجل مسؤولية غض بصره عن التطلع اليها، الى اخر ما هنالك من تبريرات". واستطردت: "فهل نحن نبرر لأي رجل ينظر للمرأة ، وهل هذا ينطبق على الحالة فيما كانت أو وقعت خارج بلادنا (السافرة) مع انني لا اعتبر التي تكشف وجهها سافرة فهل هو في الخارج مقبول وهنا لا من الرجل؟!. واقترحت سهيلة في ختام حديثها بقولها: "إنني اطالب بوضع كاميرات مراقبة في كل الاسواق والشوارع، ومكاتب العمل، لان هناك في مواقع العمل تحدث حالات تحرش حتى من مدير العمل نفسه، ويجب وضع عقوبات وغرامات مالية وتشهير واعلان اسم المتحرش في كل وسائل التواصل والإعلام". وقال المستشار والباحث الاجتماعي الأستاذ سلمان بن محمد العُمري:"إنّ تصنيف ما يُسمّى بالابتزاز كظاهرة غير مقبول لأنه ولله الحمد لم يصل إلى حدّ الظاهرة المؤرقة في المجتمع. ولكن يمكن تسميته مشكلة أو معضلة كغيرها من المشكلات الموجودة في مجتمعنا السعودي كبرت أو صغرت مخاطرها ومآسيها" مشيراً إلى أن الابتزاز المتعارف عليه عند عامة الناس هو ابتزاز الفتيات فقط، وهذا مخالف للواقع فهناك ابتزاز مالي، ابتزاز وظيفي، ابتزاز نفعي وابتزاز إعلامي إلخ. وأضاف:" ولا شك أن ما أظهرته وسائل الإعلام وأبرزته هو " ابتزاز الفتيات " وحملت الجزء الأكبر على الشباب متناسية تفلّت بعض الفتيات وجرّهن للشباب في المصيدة، ونحن لا نبرّئ الشباب وانفلات بعضهم أخلاقياً وسلوكياً. وأمام تصاعد وتيرة الشد والجذب في الحديث عن " الابتزاز " المتعلّق بالفتيات خاصة بعد دخول وسائل الاتصال الاجتماعي. أرى أنه من الأهمية بمكان عمل دراسات علمية اجتماعية من قبل جامعاتنا مع من يثبت تورطهم في عمليات الابتزاز، وأخذ شرائح متنوعة من الشباب والفتيات لدراسة المشكلة وليس ( الظاهرة ) دراسة من كافة جوانبها." وأوضح الأستاذ سلمان العُمري أن أحد القضاة في منطقة حائل أجرى أول دراسة قضائية على مستوى المملكة لظاهرة انتشار ابتزاز الفتيات، وركز فيها على الضوابط الرئيسة للحد من انتشارها ووضع الأحكام القضائية المناسبة والموحدة على مستوى المحاكم القضائية التي تردها مثل هذه القضايا. ولا نعرف مصير تلك الدراسة، ويمكن ربطها بالدراسات الجديدة التي ستعمل لدراسة حجم المشكلة من كافة جوانبها !! وأضاف المستشار والباحث الاجتماعي الأستاذ سلمان العُمري أن جرائم الابتزاز من الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف. والمحاكم الشرعية كفيلة بإيقاع العقوبات على كل من يسيء وقطع دابر الشر من ابتزاز وغيره سواء كان عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو غيره، وعقوبتها السجن والجلد والتشهير، والابتزاز مشكلة غذتها التكنولوجيا والتراجع الأخلاقي، وهي مرتبطة بالمال والرغبة الجنسية. ونوّه العُمري بإطلاق الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتخصيص مركز متخصص لقضايا الابتزاز والسحر والجرائم الالكترونية عبر رقم موحد (1909) للتواصل مع المجتمع من مختلف مناطق المملكة، وذلك من خلال مركز اتصال يقوم باستقبال البلاغات، وتقديم الخدمات وتمريرها إلى مختلف فروع الرئاسة عن طريق برامج تقنية عالية تضبط مسار العمل، وتسهم في تدوير البلاغات ومتابعتها من قبل مسؤولي الرئاسة. "وأنني إذ أحيّي الهيئات على جهودها في هذا المجال وإنقاذها لمئات الفتيات ممن تعرّضن للابتزاز من الذئاب البشرية، وهنا لابد من التعاون مع هذا الجهاز الحيوي المهم". وحذّر الأستاذ سلمان العُمري الفتيات والأسر من وضع صورهم وأسرهم في أجهزة الاتصال الحديثة مما يسمّى برسائل الوسائط، أو الواتس أب، أو السناب شات وغيرها، والتقاط الصور المتنوعة، وكما يؤكّد الخبراء المختصّون في التقنية أن الصور والأفلام باقية في تلك الأجهزة حتى لو حذفت من الجهاز وعند بيعها يتم استغلالها من قبل ذوي ضعيفي الإيمان وأهل الشر ومن هنا يبدأ الابتزاز، أو عند تقديم الأجهزة إلى محلات الاتصالات للصيانة فيمكن الاستغلال والعبث بمحتويات الهواتف والابتزاز المالي والعرض وغيره. فالحذر الحذر من ذلك، وأنه لحريٌّ بالأسر التنبّه لمثل هذه الأمور، وتنبيه أبنائهم وتكثيف التوعية والإرشاد من الجهات ذات العلاقة، ووضع رسائل توعوية بشكل متواصل عن المخاطر. وقال الدكتور زيد الفضيل الكاتب والناقد المعروف:" انا مثلك اتساءل.. لماذا لا يصدر تنظيم محدد يعاقب المتحرشين؟ لكن في واقع الامر نحن بحاجة بداية لاصدار تشريع يتعلق بمكافحة الطائفية والعنصرية، اضافة الى استصدار نظام عاجل لمنع وتجريم التحرش، حتى يكون ذلك رادعاً لمن لا تردعه قيمه واخلاقه ودينه". واضاف د. الفضيل بقوله: "في الحديث الشريف "ان الله يزغ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.." وهذا تأكيد من النبي صلى الله عليه وسلم على اهمية اصدار هذه التشاريع التنظيمية والقوانين باعتبار ان السلطان في الحديث هو قانون المجتمع". وقال الاستاذ خلف عبدالله السليمان رئيس المنتدى الإعلامي بجدة:" دولتنا دولة مدنية حديثة تتطلع الى الكثير من النجاحات وصدور القوانين وتفعيلها وايجاد الآليات لتطبيقها ضرورة لكيان الدولة واسعاد الشعب.. وصدور قانون التحرش سيردع الكثير من الشباب المتهور والمنفلت". واضاف:" وسيكون علامة فارقة في دولتنا، التي تعمل بنصوص التشريع الاسلامي، وقد يكون الرادع موجودا في عدة نصوص ولكنها لم تردع اصحاب السب والشتم والنصب والاحتيال لكن مع صدور قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية ومع صدور قانون التحرش الذي يجب ان يكون شاملاً على اهمية الحشمة في اللباس، فلا يعقل ان يصدر قانون التحرش ثم تلبس بعض النساء في بلادنا لباساً غير محتشم، لان صدور القانون لا يعني الانفلات من شريعتنا الاسلامية". وقال الاستاذ عبدالله الصائغ معلم متقاعد:" اعتقد ان سن تنظيم خاص بمكافحة التحرش هو من الامور التي يطالب بها المجتمع ولعلنا قد لاحظنا في الفترة الاخيرة ما تناقلته عدد من وسائل الاعلام ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، من وقائع حدثت وتصادمات حصلت بسبب التحرش بين شباب وفتيات وهذا يجعلنا نفكر بشكل جدي في استصدار قانون خاص بالتحرش، ثم يتم اعلان واشهار هذا التنظيم ليعرفه الجميع، ومن ثم يبدأ تطبيقه بشكل فعلي، مع ضرورة ان تصل رسالته الى كل اطياف المجتمع وخاصة الشباب عبر المساجد والمدارس والجامعات والاعلام والمنتديات، ليعرف الجميع ان ثمة تنظيم جديد سيطبق على كل متجاوز". واضاف الصائغ:" في تقديري ان وضوح القوانين والانظمة وصراحتها امر مهم، فهناك امثلة كثيرة في المجتمع رأينا انه عندما تم اعلانها صار الناس اكثر تجاوباً وانضباطاً معها، ومن ذلك الوقوف عند الاشارة المرورية الضوئية في حال وجود كاميرات ساهر، لأن المتجاوز سينال عقابه فوراً. هنا نفس الشيء عندما يعلم الجميع ان ثمة قانوناً يعاقب المتحرش فورا، فاننا سنرى آثاره الايجابية الفورية واضحة في كل مكان سواء في التعاملات بين الرجل والمرأة في الشارع أو العمل أو الاسواق أو حتى في البيوت.. ولذلك صار استصدار قانون خاص بمعالجة حالات التحرش من الأمور المهمة".