منذ نصف قرن من الزمن استيقظ الناس على خطاب دعي باسم نهر الدم المتدفق، وذلك في مدينة برمنجهام ذات الأعراق المتعددة التي قدمت إلى بريطانيا بعد حقبة الاستعمار، وشاركت في بناء بريطانيا في مختلف الاتجاهات. وكان المتحدث هو أينوك باور، وزير الظل في حكومة إدوارد هيث Edward Heath؛ حيث كان العمال بزعامة ويلسون في سدة الحكم، بينما كان المحافظون بقيادة هيث في المعارضة. كان «باور» يملك مهارات متعددة، منها إجادته للغات عديدة، وقدرته على الحديث في مجلس العموم ارتجالاً وبطلاقة، كما كان مايكل فوت Michael Foot في حزب العمال يملك المهارات نفسها، وكانت بين الاثنين مودة محفوظة، على الرغم من الاختلاف السياسي بينهما. ولم يكن أمام إدوارد هيث زعيم حزب المحافظين، الذي كان محسوبًا على يمين الوسط، إلا أن يقدم مصلحة حزبه على أية اعتبار آخر، فأصدر أمره بإقالة «باور» من حكومة الظل، حتى لا تستغل الأحزاب الأخرى هذه السقطة السياسية. يعتبر المحللون السياسيون أن وزارة الداخلية البريطانية بمثابة المنفى، وإن كانت تعتبر إحدى الوزارات التي تؤهل النائب أو العضو في الحزب للزعامة، مثلها في ذلك مثل الخارجية والمالية، وعندما شكّل ديفيد كاميرون David Cameron حكومته الأولى، ما قبل الانتخابات السابقة، اختار تيريزا ماي Theresa May، رئيسة الوزراء الحالية، لوزارة الداخلية، ويبدو أنها تحت تأثير بعض العوامل الداخلية والخارجية اتخذت موقفًا متشددًا في موضوع الهجرة، الأمر الذي تكشّف بشكل جلي في ظل فضيحة ترحيل المهاجرين السود من جزر الكاريبي المعروفين باسم «ويندراش» عن الأراضي البريطانية، دون أدنى اعتبار لطول إقامتهم في المملكة المتحدة التي امتدت إلى عقود من الزمن، مما حدا بتيريزا ماي إلى تعيين ساجد جاويد Sajid Javid ، نجل مهاجر باكستاني، خلفًا لوزيرة داخليتها أمبر راد Amber Rudd، التي استقالت من منصبها على إثر هذه الفضيحة. في ظل هذه الفضيحة يزداد الضغط داخل حزب المحافظين ربما إلى البحث عن بديل لتيريزا ماي، وهو أمر يبدو فيه شيء من الصعوبة، لأن بريطانيا تواجه مشكلات عديدة في ما يتصل بموضوع انفصالها عن الاتحاد الأوروبي، المعروف اختصارًا ب»بروكست Brexit «، في ظل رحيل عدد من القامات السياسية المعروفة سابقًا في حزب المحافظين، مما يبدو أن جريمي كوربن Jeremy Corbyn زعيم العمال الحالي سوف يحظى بمقاعد أكثر لحزبه إذا جرت انتخابات في أي وقت، لكن دون أن يبلغ دوان ستريت Down Street وذلك لانتماء كوربن لليسار المتشدد، المكروه والمنبوذ من قطاع كبير في المجتمع البريطاني.