كتب الأستاذ أحمد فتيحي مقالاً قبل ربع قرن بعنوان: (جدة المستقبل)، توقَّع فيه تطور مصانعها ومستشفياتها وفنادقها وأسواقها التجارية، وتوقع أن يكون النصيب الأكبر للمناطق السياحية والمشاريع المؤثرة في هذا القطاع. لم يخطئ أبا الوليد في توقعاته باستثناء المستشفيات الحكومية التي لم تُواكب أعداد السكان المتزايد في جدة. وتشهد هذه المدينة العريقة اهتمامات بالغة من كافة المسؤولين وأصحاب القرار ضمن الحِراك التنموي والاقتصادي الذي تشهده البلاد. السيل العظيم الذي داهم جدة وحصد بعض الأرواح ويعده العقلاء ضمن الكوارث الطبيعية، إلا أنه ترك جروحاً بالغة في نفوس العاملين في كافة القطاعات، ونزع الثقة في بعضهم، مما جعل حركتهم بطيئة يكتنفها الحذر الشديد، مما ألقى هذا الأمر بظلاله على التنمية، ومع كل هذه الأسباب وغيرها فلا يمكن تحميل مسؤوليات عقود من الزمن على المسؤولين الحاليين، ومع ذلك فإن الانتفاضة الإدارية التي تشهدها أمانة محافظة جدة ممثلة في معالي أمينها ورجاله قد رسمت الابتسامة وزرعت الأمل من خلال ما تم تنفيذه من بناء وتعمير، وتشهد جدة اليوم استكمال مطار الملك عبدالعزيز الدولي وقطار الحرمين وجامعة جدة والمستشفى التخصصي ومشروعات الصرف الصحي، وهناك مشروع عملاق للمؤسسة العامة للتقاعد وهناك بوابة جدة الإلكترونية يرعاها أمين جدة لتسهيل التصاريح وتبادل المعلومات الإلكترونية. من جهة أخرى تشهد جدة استكمال المرحلتين الرابعة والخامسة لكورنيش جدة الشمالي الذي يمتد من ميدان النورس جنوباً إلى شارع جبير بن الحارث بطول 4,2 كم بإطلالة مباشرة على البحر ورصيف بحري للصيد وسقالة بطول 75 متراً وشواطئ رملية للسباحة، إضافة إلى 14 نافورة مياه ودورات للمياه ومواقف للسيارات وكلها لها لمسات جمالية جاذبة لشواطئ العروس، إضافة إلى ممرات المشاة والمجسمات الجمالية التي نفّذها نخبة من السيدات ومساحات خضراء ومظلات ومدرجات ومقاعد من الجرانيت الملون وأعمدة إنارة وكشافات وكلها مراقبة بالكاميرات التلفزيونية المغلقة، كما يتضمن المشروع رصيفاً للصيد البحري للهواة وموقف للتاكسي البحري. من يتجوَّل في جدة يلمس ما تحقَّق من تحرير للحركة المرورية من خلال إنجاز 25 كوبري ونفقاً، ومن يتأمل ميدان القناديل يلمس روح الإبداع والدقة في التنفيذ، وقد شهد العام الماضي إعادة رصف وإضاءة وسفلتة وتشجير طريق الملك عبدالعزيز دون أن يُؤثِّر على الحركة المرورية فيه. ولقد شمل التطوير صناعية النزهة ووضع له نظام جديد للبناء يتدرج من 3 - 12 دور ليكون مدخلاً حضارياً وواجهة لمدينة جدة ليتكامل مع مشروع المطار الجديد. لقد أمضيتُ وزملائي خمس ساعات في عطلة الأسبوع لنتعرَّف عمَّا يتم إنجازه في جدة وكانت المحطة الأخيرة في شركة مترو جدة، وهذا ما سنُلقي عليه الضوء في المستقبل، إنها جدة أم الرخاء والشدة، كما يصفها البعض، إنها بوابة الحرمين.