ستتعجب عزيزي القارئ حين تعلم أن الصدفة تعتبر من أهم مصادر الاختراعات العلمية منذ الأزل.. وستزيد نسبة تعجبك واستغرابك حين تقرأ في السطور القادمة من المقال أن أعظم الاختراعات في تاريخ البشرية جاءت على شكل صدفة أو أخطاء غير مقصودة، في نوبة نسيان أو إهمال، أو سوء تقدير. والجدير بالذكر أن الصدفة العبقرية كما يسميها العلماء قد تحدث مع أي شخص عادي وتمر مرور الكرام، ولكن الأمر مختلف تماماً حين تحدث تلك المصادفة مع أشخاص مميزين، حيث تلعب الملاحظة العلمية والذكاء الفطري وسرعة البديهة دوراً بطولياً قد يحول الخطأ إلى حلول تسهل حياة البشر. فمن يصدق أن أعظم الاختراعات التي غيرت وجه العالم ومسار البشرية وسطور التاريخ جاءت على شكل أخطاء عبقرية شهيرة مثل الصدفة التي جعلت (أرشميدس) يصرخ ويجري في الشارع بثياب الحمام قائلاً: (أوريكا، أوريكا) أي وجدتها وجدتها، حين اكتشف قانون الطفو، الذي يعرف بقانون أرشميدس حين كان في حمام عام ولاحظ أن منسوب المياه ارتفع حين انغمس في الماء. كما أن التفاحة الشهيرة التي سقطت فوق رأس نيوتن بمحض الصدفة جعلته يفكر ويتساءل: لماذا سقطت إلى أسفل ولم تسقط إلى أعلى؟!.. هذا التساؤل الذي قاده إلى اكتشاف قانون الجاذبية. نيوتن لم يكن الوحيد الذي سقطت فوق رأسه تفاحة لكنه الوحيد الذي سأل لماذا؟.. كما أن الصدفة قادت البشر إلى اكتشاف الذهب الأسود (البترول) في رحلة بحث عن الملح في الولاياتالمتحدةالأمريكية تحت سطح الأرض آنذاك وجد العمال سائلاً أسود اللون لزجاً يخرج من آبار الملح ويسبب إزعاجاً ومضايقات للعمال أثناء عملهم، ولم تعرف أهمية النفط إلا عندما استطاع الصيدلي (صمويل كير) بعملية تكرير له في المعمل، حيث استطاع أن يحصل على قطفة نقية وجد أنها يمكن أن تستخدم في الإضاءة بدلاً من استخدام الشموع. كما أن الصدفة البحتة قادت فليمنج إلى اختراع (البنسلين) عندما دخلت الأتربة التي تحمل فطراً يحدث عفناً من نافذة مفتوحة وسقطت في صحن زجاجي، كان فليمنج يستخدمه في إجراء إحدى التجارب ونظر (فليمنج) في الصحن فوجد أن العفن الفطري يدمر الجراثيم والبكتيريا، فتوصل إلى اختراع البنسلين واستحق جائزة نوبل عام 1945م. والمكتشف الفذ كريستوف كولومبوس ضل طريقه إلى المحيط الهادي فاكتشف أمريكا وتوفي دون أن يعرف أنه وصل إليها!. وغيرها الكثير والكثير من الاختراعات والاكتشافات في مختلف المجالات والميادين التي جاءت وليدة الصدفة مثل: التلسكوب والميكرويف والبصمة الوراثية والآيس كريم و الدينامايت وكاميرا الجوال وأعواد الثقاب والضمادات اللاصقة وكوكب أورانوس وغيرها. وعلى مستوى علاقاتنا الإنسانية تلعب الصدفة دوراً مهمة في تعريفنا على أكثر الأشخاص أهمية وروعاً وتأثيراً في حياتنا. وكم من صدفة جمعتنا مع من فرقتنا عنهم المسافات والسنين. وكم من صدفة كانت قاسية فصدمتنا بأعز الناس على قلوبنا. وكم من صدقة جعلت حياتنا تستحق أن تعاش بل وتروى، فهي حقاً كما قال العرب ببلاغتهم الساحرة.. خير من ألف ميعاد. نبض الضمير: (الصدفة تخلق الموقف، والعبقري يستغله).