السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، اشير الى ما نشر في صفحة تحقيقات وذلك في جريدة الجزيرة في عددها رقم (10180) الصادر يوم السبت الموافق 12/5/1421ه وذلك بعنوان الجزيرة تستعرض الإطار العام لرعاية السلوك وتقويمه والحد من المشكلات السلوكية في المدارس وذلك بعد اعتماد من وزير المعارف تمهيداً لتطبيقه مع بداية العام الدراسي الجديد. في البداية اود ان اوضح الاسباب التي دفعتني للكتابة حول موضوع السلوك ولعل اهمها اهمية الموضوع نفسه الذي قد تناولت جانباً مهماً منه وذلك من خلال الاطروحة التي تقدمت بها لنيل درجة الماجستير في اصول التربية من جامعة الملك سعود، وكانت بعنوان اتجاهات طلاب المرحلة الثانوية العامة بمدينة الرياض نحو اساليب الضبط الاجتماعي السائدة في اسرهم وعلاقتها بالتماسك الاسري وقدمت لمعالي وزير المعارف اهداء نسخة من الرسالة دفعني ذلك الاهداء كون وزارة المعارف جهازاً تربوياً مسؤولاً عن تعليم وتربية مئات الآلاف من شباب هذا الوطن الغالي وكذلك ما اعرفه عن معالي الوزير من رحابة صدر وتقبل للآراء ولو خالفت رأيه, وقد وجه معاليه خطاب شكر يشكرني فيه على اهدائي له ويشيد بالنتائج التي توصلت لها الدراسة الميدانية, لقد اردت من خلال كتابة هذه السطور اعطاء بعض التصورات المهمة في السلوك تتلخص في الاسئلة التالية ما السلوك المرغوب الذي نريده؟ وما السلوك غير المرغوب الذي لا نريده؟ وكيف نصل للسلوك المرغوب ونتجنب السلوك غير المرغوب؟ ومن اين نبدأ؟ لقد كانت بعض التوصيات المضبوطة في الاطروحة توصيات تهدف الى الارتقاء بسلوك الطالب وهي موجهة الى اكثر من جهة سواء أكانت معنية بالعملية التعليمية والتربوية بطريقة مباشرة أم غير مباشرة, كالاسرة ووزارة المعارف والمؤسسات التربوية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية والرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة الشؤون الإسلامية ووزارة الإعلام. هذا وكانت التوصية التي تتصل مباشرة بالسلوك هي(العمل على تفعيل درجة السلوك ودمجها مع درجة المواظبة وتسميتها انضباط الطالب وتشتمل على عدة مجالات مثل علاقة الطالب بزملائه وهيئة المدرسة والمحافظة على مدخرات المدرسة والتحلي بالاخلاق الفاضلة والالتزام بالعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية المرغوبة بحيث تكون درجة انضباط الطالب الكلية كدرجة اي مادة اخرى ويكون لكل مجال درجة محددة من الدرجة الكلية، ويتولى القيام بها اساتذة لديهم الخبرة والمقدرة). هذا ومتى ادركنا اهمية السلوك في العملية التربوية فنستطيع الانطلاق نحو تنمية السلوك الطيب في جميع المراحل العمرية للفرد, وقد لا نعجب من اهمية الانضباط واعتباره احد الدعائم الاساسية بعد توفيق الله للوصول الى النجاح اذا نظرنا الى انجازات المسلمين الحضارية في وقت كانت اوروبا تغط في سبات مظلم عميق, وكذلك اذا نظرنا الى بلد كاليابان استطاعت كسر حلقة التخلف الصناعي حينما ادركت امرين مهمين الاول اهمية غرس الانضابط في نفوس الشباب والثاني الاهتمام بالتراث واعتبرتهما الركيزتين الاساسيتين في تنمية التربية مما حدا بالولاياتالمتحدةالامريكية ان تطلب من اليابان نقداً لنظام التربية والتعليم في امريكا وكانت الولاياتالمتحدةالامريكية تهدف الوقوف على فك معجزة نظام التعليم في اليابان ومقارنته بنظام التعليم في امريكا. كذلك يجب ان نؤمن بان غرس الانضابط والجدية ليس مسؤولية الجهات الرسمية المسؤولة عن التربية فقط, ولذا فقد اهتم الاسلام بالتربية وحث الفرد على اختيار الزوجة الصالحة اذ ان تربية الفرد تبدأ في وقت مبكر جداً قبل ذلك الوقت الذي ينادي به كثير من رواد النظريات التربوية الحديثة. ونقف هنا لنرى ان رعاية السلوك يشترك فيه المؤسسات غير الرسمية كالاسرة والمسجد وكذلك المؤسسات الرسمية كالمدرسة والإعلام والاندية,, الخ,والواقع الذي نعيشه في مؤسساتنا التربوية هو الحكم على السلوك وليس رعايته مع ما في الحكم من عشوائية في اصداره حيث ان شهادة اصدار حسن السيرة والسلوك يتوقف تسليمها للطالب بعد الضغط على (ادخل) في الالة الطابعة حيث الحكم صادر لكل طالب يجتاز المرحلة الدراسية ويطلب ملفه للالتحاق بمرحلة دراسية اخرى وهذا احد العوامل التي تشعر الطالب بعدم اهمية السلوك ولابد ان ننتبه الى ان هناك عوامل اجتماعية وثقافية تنفر من الحكم على الطالب بعدم حسن سيرته وسلوكه وقد يؤثر على مسيرة حياته الاجتماعية ايضاً. ولكي نشعر الطالب باهمية السلوك فلا بد ان يجد الطالب هذا الاهتمام في البيئة المحيطة به سواء في المنزل او المدرسة, ولا ننسى ان الطلاب في كل مرحلة قد جاءوا من بيئات متباينة اجتماعياً وثقافياً ومن هنا لابد ان ندرك انه لابد من حدوث خلل في سلوكيات بعض الطلاب ويبقى السؤال من اين نبدأ؟ويقع على المدرسة مسؤولية كبيرة يكون في مقدمتها الايمان بان ارباب الاسر ليسوا سواءً في التعامل مع ابنائهم وذلك بطريقة تربوية سليمة فقد يوجد التقصير في الاسرة وقد يحدث العكس وهو ان الطالب يتم بناؤه بناء نفسياً واجتماعياً سليماً في المنزل وبمجرد دخوله المدرسة يواجهه بعض المتغيرات التي قد تخل بسلوكه وهدم ما اسسته الاسرة. ولهذا نستطيع القول ان رعاية السلوك عملية مشتركة يشترك فيها اكثر من جهة ولتؤدي كل جهة دورها يجب ان تكون الادوار تكاملية لا تناقض بينها وكل جهة تدعم دور الجهة الاخرى, وقد كانت التوصيات التي صيغت في الاطروحة استناداً على نتائج الدراسة الميدانية موجهة الى اكثر من جهة كوزارة المعارف والمؤسسات التربوية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية وذلك بإقامة مراكز لرعاية الاسرة يستفيد منها ارباب الاسر قبل دخول ابنائهم المراحل التعليمية ليكون الآباء والامهات على يقظة بما ينبغي عمله لمواجهة اي طارئ على سلوك الابناء في الوقت المناسب وفي ذلك تنمية الجانب الوقائي لرعاية السلوك وتنميته, وبذلك يستطيع الآباء التعامل مع بعض الظواهر الاجتماعية مثل الإنترنت والعولمة وتثقيف ابنائهم ليعرفوا كيفية الاستفادة منها وتجنب المخاطر المادية والمعنوية الناتجة عنها. كما ان مفهوم رعاية السلوك لا يمكن تحقيقه بالقسر واجبار الطالب على ان يكون ملتزماً بالسلوك الطيب الذي نريده والمتطابق مع معايير وقواعد السلوك المرغوبة في المجتمع, ولو كان هذا الطريق يوصلنا لتحقيق السلوك الذي ننشده لابنائنا لسهلت علينا المهمة وذلك بفرض العقوبات كالحرمان من مواصلة الدراسة وهكذا ولا يخفى على الفرد المردود العكسي لهذه الإجراءات. إذاً المطلوب هو رعاية السلوك ولكي نستطيع تحقيق ولو قدراً مناسباً منه فيجب ان تكون لدينا القدرة التي نستطيع من خلالها تكوين الاتجاه الموجب لدى الطلاب نحو الضوابط السلوكية وان تكون الضوابط محببة لدى الطلاب والعمل على ايجاد المناخ الملائم لكي يتشرب الفرد الانماط السلوكية المرغوبة, وان نبتعد بقدر الامكان عن الشحن النفسي للقائمين على رعاية السلوك سواء في المدارس او مكاتب الاشراف التربوي ونستعجل ما نريد تحقيقه وهذا ينطبق على الطلاب, نظراً لكون الشحن النفسي قد يأتي بنتائج معاكسة, وعلى سبيل المثال الفرق الرياضية قد تتعرض لخسارة رغم مستواها الجيد لكن الشحن النفسي هو العامل لخسارة الفريق. وهنا ارى الابتعاد عن بعض العبارات التي وردت في عدد الجزيرة وذلك في عرض الاطار العام لرعاية السلوك مثل عبارة التصدي للسلوكيات السلبية بين الطلاب بشكل صارم, وكذلك العبارة التي تقول ان الاطار يستهدف قصر القبول في كليات المعلمين على الطلاب المميزين سلوكياً وعلمياً, ويتبادر للذهن السؤال الآتي اذا قصرنا القبول في كليات المعلمين على الطلاب المميزين فمن الذي سيلتحق بكلية الشريعة والطب والهندسة هل هم الطلاب غير المميزين؟ ثم ان بعض الطلاب سواء المتميزين ام غير المتميزين لا يجدون اصلاً قبولاً في الجامعات الا اذا اسعفته الواسطة وهل الواسطة سلوك مميز ام لا؟, واشير الى ان احدى الدراسات التي قام بها عضوا هيئة تدريس في كلية اعداد المعلمين في الرياض عن العوامل المؤدية للغش بين بعض طلاب الكلية من وجهة نظر الطلاب والمدرسين واثبتت نتائج الدراسة ان هناك (29) تسعة وعشرين طريقة للغش تمارس في الكلية علماً أن بعض الطلاب معلمون مفرغون للدراسة في الكلية وباستعراض الاطار العام لرعاية السلوك وتطبيقه هل نقوم بفصل هؤلاء المدرسين من العمل. وهل نقول للطالب الذي يدرس في المرحلة المتوسطة الذي لا يتحلى بسلوكيات حسنة انه صدر حكم عليك بعدم قبولك في كلية اعداد المعلمين بعد تخرجك من المرحلة الثانوية. بعد هذا يجب ان نتعامل مع مفهوم رعاية السلوك بكل واقعية وحذر في نفس الوقت وان تتصف الرعاية بالشمولية, وان تهتم ببناء المقررات المدرسية وان يكون هذا البناء فعالاً يجمع بين التعليم والتربية بطريقة متوازنة وربط جميع المقررات الدراسية في جميع المراحل التعليمية بديننا الحنيف, والا يكون هدفنا من عملية التقييم معتمداً على التعليم البنكي الذي يستهدف صب المعلومات المكثفة في ذهن الطالب واستردادها متى اردنا ذلك, وان نغرس في نفس الطالب حب البحث عن المعرفة واعطاؤه المفاتيح المهمة للحصول عليها فالمعرفة متجددة فالذي نعلمه اليوم قد يتغير بالغد فنحن نعيش في عصر ثورة المعلومات. وموضوع رعاية السلوك موضوع لا يمكن تغطية ابعاده في هذه العجالة واخيراً يجب ان تكون مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم المصدر الاساسي في كل قرار تربوي فكيف تعامل صلى الله عليه وسلم مع الاعرابي الذي بال في المسجد وحديث المسيء في صلاته وقصة ماعز رضي الله عنه, والله من وراء القصد. خالد بن عبدالرحمن السالم الرئاسة العامة لتعليم البنات عضو الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية