يتغير مفهوم السلوك عند الإنسان بتغير البيئة التي يعيش فيها فهو يتأثر ويؤثر فيها وفق قانون الفعل ورد الفعل بحيث تتشكل سلوكيات الإنسان لتتلاءم مع البيئة التي يعيش فيها والسلوك هو الظاهرة التي يهتم علماء التربية والسلوك بدراستها لأنه ليس شيئاً ثابتاً ولكنه متغير، وهو لا يحدث في فراغ وإنما في بيئة ما فالسلوك يؤثر في البيئة ويتأثر بها. ويعتقد أن البيئة هي السبب الرئيسي وراء السلوك الإنساني وعندما نتحدث عن البيئة فنحن نشير إلى مجموعة الظروف الحقيقية التي يعيش فيها الفرد وتؤثر فيه ويؤثر فيها فعلاقة الإنسان مع البيئة علاقة متبادلة باتجاهين لا باتجاه واحد. ويفسر السلوك على أنه كل فعل يقوم به الإنسان من لفظ أو عمل.. لكن هناك من له تفسيرات للسلوك خارج إطار هذا المفهوم أي الإطار العلمي التربوي لتعديل السلوك أو حتى تحسينه ويتم تطبيقها عملياً في نطاق البيئة التعليمية من قبل التربويين والإداريين بالمدارس وهؤلاء يمكن تصنيفهم على أنهم خبراء في السلوك ولكن من نوع آخر وهو (تعقيد السلوك) وليس تحسينه. ونحن نعلم بشأن لائحة السلوك التي وضعت من أجل ضبط سلوك بعض الطلاب والطالبات الذين يتجاوزونها فكل مخالفة من الطالب والطالبة تدخل ضمن سوء السلوك بداية من ربطات الشعر الملونة إلى نوعية الأحذية إلى التحكم بتصفيفة الشعر وغيرها فكل هذا يندرج تحت مفهوم السلوك متناسين أن السلوكيات التي تسبب إشكاليات كبيرة يقوم بها الطالب بأنه يقف وراءها اضطرابات سلوكية أو شخصية أو نفسية تختلف من مرحلة عمرية إلى أخرى. وقبل أن أتحدث عن واجباتنا تجاه هؤلاء الطلاب والطالبات الذين تسن لهم اللوائح والقوانين قبل توفير أبسط الأمور لهم ألا وهو (التبصر بمشكلاتهم ودراستها دراسة مستوفية ووضع الحلول لها من خلال البرامج المناسبة) فالذين يصلون إلى إحدى درجات السلوك المنصوص عليها في اللائحة تكون أقل درجة فيها مشكلات نمائية تتبع المرحلة التي يكون فيها الطالب وهي أمور طبيعية ولا يصعب معالجتها، أما المشكلات التي تصل إلى الدرجات الأكثر صعوبة فهي التي يجب التوقف عندها وعدم معالجتها عن طريق الاجتهاد أو الخبرات الشخصية أو عن طريق المشرفين الاجتماعيين فقط. فهي مشكلات تحتاج إلى أكثر من شخص مختص يعملون كفريق عمل بالمشاركة مع الأسرة. لذا سوف أركز في الموضوع على نقطتين: أولاً: التجاوزات التي تحدث من قبل البعض وعرض بعض المواقف. الثانية: المرئيات حول الموضوع. 1- النقطة الأولى: التجاوزات في التطبيق: وهو تدخل وجهة النظر الشخصية من قبل المسئولين في الهيئة الإدارية أو التعليمية في التربية وما يجب أن يعاقب به الطالب أو الطالبة في موقف ما، وما لا يجب فكل (يفتي) حسب رؤيته التربوية وحسب تربيته المهم ألا يكون هذا الطالب ابنهم أو ابنتهم فمثلاً: المعلمة تضرب الطالبة الصغيرة ذات الست سنوات بحجة تأديبها وبالمقابل تذهب إلى مدرسة ابنتها (مزبدة) وغاضبة عندما تكلم المعلمة ابنتها بصوت عال. وبما أن المبدأ الأساسي في تعديل السلوك أو التأثير عليه هو المبادرة في الثواب والتقليل من العقاب، فلنستعرض بعض من التجاوزات لبعض التربويات والإداريات والذي يكون المبدأ لديهم معكوساً وهو الإكثار من العقاب والتقليل من الثواب: مثال: عندما تستوقف مساعدة المدرسة طالبة ثانوي يومياً من أجل نظارتها الطبية ذات الإطار الأحمر ويطلب منها تغيير نظارتها وتهددها بنقلها حتى تضيق الطالبة ذرعاً من الوضع وتطالب من أسرتها النقل من مدرستها بسبب هذه المسئولة التي تستعمل أسلوب التطفيش بحجة ضبط السلوك، وتخفق هذه المسئولة بعدم منطقية طلبها بالنسبة لعقلية الطالبة حيث لا ترى الطالبة سبباً وجيهاً لأن تغير نظرتها ولا تستطيع أن تربط ذلك بسوء سلوكها علماً بأن نظارتها تم اختيارها بموافقة عائلتها. ومثال آخر: كذلك إحدى معلمات الدين في إحدى المدارس الابتدائية والتي تعتبر مرحلة بناء لسلوكيات الطالبة ففي حصة الدين كانت الطالبة تزين كتاب الفقه ببعض (الملصقات) لصور كرتونية، فعندما رأت المعلمة هذه الملصقات أخذت تهدد الطالبة وأن هذا لا يجوز وحرام وأخذت هذه الملصقات ووضعت على جبينها واحدة وباقي الملصقات على مريول الطالبة وطلبت منها عدم نزعها لتخرج بها إلى زميلاتها ليرى الجميع العمل الشنيع الذي اقترفته الطالبة. ومثال آخر: إحدى طالبات الثانوية فوجئت في أيام الامتحانات بمديرة المدرسة ترفض دخولها للفصل لأداء الامتحان لأن شعرها مفكوك ومجعد فأخذت الطالبة ووضعت رأسها بالمغسلة وطلبت منها أن تغسل شعرها بالماء فنفذت الطالبة ذلك علماً بأنه لم يبق إلا دقائق على الامتحان ولم تتكرم هذه المديرة بإعطاء الطالب فوطة لتجفيف شعرها ودخلت الامتحان وهي ترشح من الماء تحت نظرات زميلاتها المشفقة عليها من البرد. مثال آخر: مديرة مدرسة ابتدائية سمعت فوضى من أحد الفصول فتناست مهمتها الأصلية في متابعة ضبط النظام في الصفوف بين الحصص وقامت بضرب جميع طالبات الفصل المزعج منهن والهادئ على حد سواء، وأعطت الطالبات درساً في الثواب والعقاب لا ينسى وبأنه لا يوجد هناك ثواب بل عقاب فقط. 2 النقطة الثانية: الرؤية الخاصة حول الموضوع: لماذا تسن القوانين للطالب ولا توضع القوانين التي يجب أن تكون من صالحه وتقدم له الحماية من ما يقع عليه من سلوكيات المعلمين ومن قصور في معالجة مشكلة السلوكيات منها والشخصية والنفسية؟ فما هي حقوق الطالب على من يقومون بسن اللوائح له؟ لذا وحسب رؤيتي للموضع هناك عدة أمور يجب أن نمعن النظر فيها وسأوضحها في عدة نقاط: ٭ يجب ألا نجعل أمورنا قائمة على الاجتهادات فقط دون خطط مستقبلية وسياسة تربوية واضحة تضمن حقوق أبنائنا بالتمتع بالنمو دون مشكلات جراء تعرضهم لمواقف تربوية سلبية داخل واحدة من أهم بيئات التفاعل ألا وهي المدرسة. ٭ يجب ألا تكون التربية من واقع التجارب أو من منطلق الأمومة أو الأبوة فقط لأنه قد ينجح في ذلك البعض ويخفق البعض الآخر لأنه مازال هناك من التربويين والإداريين من يتبع الأسلوب التقليدي أو الكلاسيكي في التربية، وهو قمع الطالب والطلبة حتى لا يفسد غيره وحتى لا يتورط مدير أو مدرية المدرسة وتكون مدارسهم خالية من المشاكل دون النظر إلى أساس المشكلة لدى الطالب ودون مراعاة للمرحلة العمرية ومتطلباتها. - غرس مفهوم حق (التربية للجميع) لدى القائمين على إدارة المدارس والمربين والمربيات وأن كل طالب له الحق في التربية خاصة الذين لديهم مشكلات نفسية أو اضطرابات سلوكية مثل من لديهم اضطراب فرط الحركة حيث يجب أن يتمتعوا بحماية نتيجة تصرفاتهم وسلوكياتهم التي قد تكون غير واضحة أسبابها للبعض وهذا الحق في الحماية والتربية يجب أن يكون في أي ظرف للمدرسة مهما كانت متواضعة فالكوادر البشرية في المدرسة، هي العماد الأول وذلك في بذل قصارى الجهد في مساعدة من لديهم مشكلات في رسم الخطط وبرامج التدخل المبكر التي تساعدهم على تخطي مشكلاتهم التي تعيقهم من التفاعل والتكيف مع حولهم من زملاء ومعلمين. ٭ التركيز والاهتمام بمستوى كفاية المعلم في التعامل مع الطلاب وذلك باجتياز برامج تدريبية مكثفة قبل مزاولة مهنة التعليم. ٭ وضع ضوابط المعلمين والإداريين تحت من تجاوزاتهم وتكون حازمة أيضاً وعدم اطلاق العنان لممارساتهم بحجة مصلحة الطالب أو الطالبة وتعليمهم وتأديبهم. ٭ تكوين مجلس تأديبي داخل المدرسة (بنين - وبنات) مكون من المشرفة الإدارية والتربوية ومديرة المدرسة وإحدى الكفاءات من المساعدات لتدارس المخالفات من المعلمات أو الإداريات التي لم ينجح فيها التنبيه الشفوي أو الكتابي مثل حالات الضرب من قبل المعلمة أو المعلم المستمرة وينطبق ذلك على الهيئة الإدارية ورأس الهرم المدير أو المديرة وذلك في حالات التجاوز المستمر مثل الضرب الجماعي للطلاب دون أسباب سوى فوضى الصف أو الكلام غير اللائق (مثل يا غبي وغيره) ومراعاة الخصائص العمرية لكل مرحلة، ويكون التأديب على قدر كبير من التربية للمعلم أو الإداري ذلك بعمل أنشطة إضافية على عمله للطلبة أو عمل دراسة معينة تفيده أولا وغيره من المعلمين أو اعطائه أنشطة اضافية على عمله للطلبة أو عمل دراسة معينة تفيده أولا وغيره من المعلمين أو اعطائه دورات مكثفة للتعامل مع الطلاب وغيرها من التأديب الإيجابي الذي يصلحه ويقوم من سلوكه هو أيضاً. ٭ تبقى لدينا إشكالية تربية الهيئة الإدارية أولاً والمعلم والمعلمة ثانياً وتأهيلهم تربوياً من خلال الدورات المستمرة خلال خدمتهم وذلك على يد اختصاصيين في التربية وتعديل السلوك لتعلم الطرق الحديثة وذلك من خلال عرض مواقف من الواقع وكيفية التعامل معهم والتي تؤهلهم للتعامل مع سلوكيات الطالب والطالبة على أساس علمي تربوي حتى لا يتم التصادم بينهم وبين الطلاب مما يجعلهم يتسربون من المدرسة أو يترك ذلك أثراً سلبياً يبقى في مخزونهم الذهني كطريقة للتربية. ٭ بما أن المسئولين بالمدرسة من الهيئة الإدارية أو التعليمية هم أولى بتقويم وتحسين سلوكهم لأن هذا السلوك بالتالي ينعكس على مجموعة كبيرة. لذا فنحن نحتاج إلى فهم كيفية تطبيق اللوائح والتعامل الراقي والمحترم مع أبنائنا الطلاب والطالبات بمستوى يحفظ كرامتهم ولا يجعل زمام الأمور تفلت من القائمين عليهم وعدم خلط الحابل بالنابل واللجوء إلى العقاب على كل صغيرة وكبيرة فكيف ننتهك حقهم بالصبر عليهم ومعالجة سلوكياتهم بشكل سليم وحتى لا نحولهم في النهاية إلى عسكريين فقط مهمتهم هي تنفيذ الأوامر دون إدراك ما لهم وعليهم، إلا من خلال ما تمت قراءته في لائحة السلوك التي تطبق عليهم دون منطقية. ٭ يجب دراسة لائحة السلوك وإعادة صياغتها من حيث الحقوق والواجبات وليس من منطلق الواجبات فقط وأخذ مرئيات مديري المدارس قبل اعتمادها وحبذا لو يتم تغير اسم اللائحة من (لائحة السلوك) إلى (لائحة النظام) لأن هناك سلوكيات تحدث أثناء الموقف التعليمي لم تتطرق لها اللائحة. ٭ تأسيس مركز في جميع مكاتب الإشراف التربوي على فريق عمل متكامل من الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين المؤهلين تأهيلاً عالياً وعدم الاكتفاء بتحويل الطلاب إلى الوحدة الصحية التي غالباً ما يكون فيها متخصص واحد تصل إليه المعلومات عن طريق التقارير والمراسلات بين المرشد الطلابي وبينه ويكون دور هذا الفريق ليس كإرشاد اجتماعي فقط ولكن وضع برامج للطالبات والطلاب الذين لديهم مشاكل سلوكية أو اضطرابات في الشخصية أو مشكلات نفسيه ومشاكل في التحصيل الدراسي أو بطء التعلم أو شذوذ وغيرها، حيث تكون هناك سهولة في متابعة الطلاب في البيئة المدرسية ومتابعتهم من قبل هذا القسم ومدى تقدمهم وتحسن سلوكياتهم والعمل كفريق متكامل مع المعلمين وإدارة المدرسة وأولياء الأمور. ٭ يكون من مهام هذا القسم عمل دورات مستمرة للاخصائيين والاخصائيات الاجتماعيين في المدارس تنشيطاً لدورهم المهم في متابعة ودراسة الأحوال الاجتماعية للطلاب والطالبات. ٭ عدم الاكتفاء بوضع مرشد طلابي في المدارس حيث المتابعة تحتاج إلى مجهود كبير في جمع بيانات وغيرها ووضع اخصائي أو مرشد نفسي حتى يتسنى لهم تكوين فريق مع إدارة المدرسة يتم فيها دراسة الحالات من الناحية الاجتماعية والسلوكية والنفسية والتواصل مع المركز في عرض المشاكل الصعبة لوضع برامج لها يتم تطبيقها ومتابعتها داخل البيئة التعليمية. ٭ التعاون مع لجان القبول والتسجيل وذلك بعمل تقييم الطلاب أو الطالبات الذين ينتقلون من مدرسة إلى مدرسة بسبب سلوكياتهم وقد تكون هذه السلوكيات هي ردود فعل ناتجة عن موقف ما أسيئ فيها التعامل مع الطالب أو تم التطاول عليه لفظياً فيتم تحويلها إلى القسم المتخصص للوقوف على الإشكالية ودراستها بدلاً من التنقل من مدرسة إلى أخرى. الخلاصة: نحن نعيش ونتربى في بيئة دينية ومع ذلك يفرط البعض في قاعدة أساسية من قواعد التعامل وهي (الدين المعاملة) علماً بأن السنة تلخص القول والفعل في (المعاملة) والكلمة الطيبة صدقة. فأين نحن من القدوة للطالب؟ ونحن نضع له القانون وفي نفس الوقت نخرقه أمامه ونجعلها تراكمات تؤثر على نفسيته فتحدث عندها المخالفات ثم نطبق بعدها عليه اللائحة وقد يقول البعض إن هذه التجاوزات سلوكيات فردية من قبل بعض التربويات أو التربويين ولكنها مازالت تحدث وبشكل يومي لأنه لا يوجد لائحة ضوابط لها ولصعوبة ضبطها وحصرها لأنها تحدث كموقف أثناء العملية التعليمية فما يدور داخل الفصول لا يخرج منها إلا في حالات الشكوى من الأسرة بحجة أنهم يخافون أن يضع المدير أو المديرة هذا الطالب أو الطالبة في بالهم فيسبب له المتاعب. إذاً نحن نضع ضوابط مسبقة لسلوكيات الطالب والطالبة ولكن لا نعمل على ضبط السلوك للهيئة الإدارية والتعليمية التي هي عصب التربية والتعليم.