بعد مسيرة حافلة بالعطاء السياسي والحربي رحل فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد عن عمر يناهز ال90 عاماً إثر إصابته بهبوط في القلب، ويعد فؤاد سراج الدين واحداً من أبرز السياسيين الذين أثروا في الحياة السياسية المصرية من خلال حزب الوفد الذي كان يمثل الأغلبية قبل قيام ثورة يوليو 1952، وكان قد بدأ حياته السياسية عضواً في حزب الوفد حتى اختير سكرتيراً عاماً للحزب في نهاية الاربعينيات، وتولى الراحل عدة مناصب وزارية في الحكومات الوفدية خلال الفترة من عام 1942 الى عام 1952 منها وزير الزراعة والمالية والشؤون الاجتماعية والمواصلات والداخلية، وكان فؤاد سراج الدين هو صاحب القرار التاريخي يوم 25 يناير عام 1952 حينما أصدر تعليماته كوزير للداخلية لقوات الشرطة المصرية المحاصرة في مبنى محافظة الإسماعلية بالتصدي لقوات الاحتلال الانجليزي المدعمة بالدبابات والصمود حتى آخر طلقة وهو اليوم الذي أصبحت تحتفل به الشرطة كل عام، كما كان فؤاد سراج الدين اصغر نائب في مجلس النواب وزعيماً للأغلبية الوفدية بمجلس الشيوخ قبل الثورة وصدر ضده حكم في بدايات الثورة بالسجن 15 عاماً أمضى منها ثلاث سنوات ووضع تحت الحراسة وخاض فؤاد سراج الدين العديد من المعارك السياسية فهو الذي أكمل مسيرة الكفاح الوطني ضد الانجليز والتي تفجرت في أتون ثورة 1919م عندما تأسس حزب الوفد بتوكيل من زعيم الأمة سعد زغلول ومن بعده جاء الزعيم مصطفى النحاس الذي قاد الوفد والعمل الوطني الى ان قامت ثورة 1953م بحل الأحزاب السياسية فتوقف نشاط الوفد طيلة الفترات التالية وفي عام 1978م، عاد الوفد الى الحياة السياسية بعدما تقرر إعادة العمل بنظام تعدد الأحزاب واستطاع فؤاد سراج الدين إعادة الحزب للحياة السياسية بعد نضال قضائي حتى صدر الحكم لصالح فؤاد سراج الدين عام 1984م بأحقيته في ممارسة العمل السياسي وانهاء العزل السياسي عنه كما تمكن سراج الدين من إصدار صحيفة الوفد عام 1984م، كما خاض الحزب برئاسة فؤاد سراج الدين انتخابات مجلس الشعب في دورات 84 و87 وفي عام 1990م قرر الوفد مقاطعة الانتخابات وشارك مرة أخرى عام 1995م. بعد الرحيل رغم الرحيل المتوقع لرئيس حزب الوفد لم تمنع الأجواء الحزينة التي شهدتها أجواء الحزب من إثارة العديد من التساؤلات التي دارت حول من يخلف فؤاد ياسين سراج الدين رئيس الهيئة البرلمانية للحزب والدكتور نعمان جمعة نائب رئيس حزب الوفد حيث يرى كل منهما انه الأولى برئاسة الحزب وكانت الهيئة العليا للحزب قد قررت تنصيب د, نعمان جمعة للقيام بأعمال رئيس الحزب مؤقتاً باعتباره أقدم نواب الحزب الثلاثة وهم: نعمان، ياسين ، سراج الدين، د, محمد شتا، وذلك طبقاً للائحة المصرية المعدلة للحزب عام 1995، على أن يقوم د, نعمان جمعة بالدعوة لإجراء الانتخابات خلال 60 يوماً. وقد شهد الحزب خلال الفترة الماضية بعض التكتلات داخل مقر الحزب حيث برز تكتل د, نعمان جمعة الذي توافد بمقر الحزب بمنطقة الدقي في محاولة لتجميع الصفوف وحشد القيادات حولهم. في الوقت نفسه علمت الجزيرة أن ياسين سراج الدين قرر عدم خوض انتخابات مجلس الشعب القادمة والتي تجري في شهر اكتوبر القادم وسوف يتفرغ لرئاسة حزب الوفد. على جانب آخر يبرز تيار يقوده فؤاد بدراوي حفيد فؤاد سراج الدين والذي يشغل الأمين العام المساعد لحزب الوفد ويحاول بدراوي حشد الصفوف خلفه للوصول على مقعد الرئاسة غير ان المراقبين يرون ان الدفع الأكبر حتى الآن هو خلف د, نعمان جمعة الذي يعد أنشط المرشحين واصغر نواب رئيس حزب الوفد سناً ويدفع خلف هذا التيار جبهة محمود أباظة زعيم الشباب الوفديين كما يؤيده فريق كبير من الصحفيين العاملين بصحيفة الوفد باعتبار ان الصحيفة هي الرئة التي يتنفس بها الحزب ولها ثقلها في الشارع السياسي. ومن ناحية العلاقة مع الحكومة فإن المؤشرات تفيد بأن المنافسة سوف تكون قاصرة على ياسين سراج الدين صاحب الحوار المفتوح مع الحكومة وذو المواقف التوافقية التي سبق ان أشادت بها الحكومة مرات عديدة، وبيّن د, نعمان جمعة الذي حظى في الفترة الأخيرة بترحيب بعد فترة من التوتر شهدتها السنوات السابقة على إثر المواقف المتشددة التي كان يتخذها إلا انه وبالتحديد منذ عامين نجح د, نعمان جمعة في إعادة صياغة علاقاته مع النظام ونزع فتيل التوتر وذلك بدفاعه عن الدكتور يوسف والى نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة والأمين العام للحزب الوطني الحاكم في قضيته الشهيرة مع صحيفة الشعب وحزب العمل، وقد كانت هذه القضية بمثابة تحول كبير نحو تأهيل د, نعمان جمعة في دائرة الاهتمام الحكومي به. من ناحية أخرى أحدث رحيل فؤاد سراج الدين المتوقع مفاجأة اربكت الحزب في استعداداته للدخول في انتخابات مجلس الشعب القادمة حيث يعاني الحزب من قلة عدد المرشحين التي تغطي جميع الدوائر الانتخابية الأمر الذي يراه المراقبون ان الرحيل جاء في توقيت سيئ ومضطرب بالنسبة للحزب. كما فتح الرحيل المتوقع لرئيس الحزب باب النقاش واسعاً أمام وراثة المناصب داخل الأحزاب المصرية وافتقادها للجيل الثاني من القيادات حيث تصل أعمار أغلب رؤساء الأحزاب الى ما فوق السبعين عاماً مثل خالد محي الدين رئيس حزب التجمع، وضياء الدين داود رئيس الحزب الناصري، وابراهيم شكري رئيس حزب العمل المنحل وذلك دون تأهيل قيادات من الصف الثاني لتولي المناصب دون ارتباك وخوف. ويرى المراقبون ان تجربة حزب الأحرار والتي تمثل هاجساً كبيراً لدى قطاع عريض من أعضاء حزب الوفد لن تتكرر بعد رحيل فؤاد سراج الدين وذلك لأسباب داخلية تتركز في عدم استعداد الحكومة للمغامرة بتفتيت حزب الوفد صاحب الشعبية الكبيرة في ظل الأوضاع التي تمر بها الحياة السياسية ومن غير المتصور ان تضاف إليها أزمة أخرى في حزب الوفد وعلى المستوى الخارجي يرى المراقبون أنه من المستبعد ان يتم تفتيت حزب الوفد في ظل التوتر الحالي ما بين الولاياتالمتحدة ومصر والاتهامات التي تطول التضييق على الحريات.