اضطر فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد المصري - أكبر أحزاب المعارضة الليبرالية وصاحب أكبر غالبية معارضة في مجلس الشعب 6 مقاعد، الى الخروج من العزلة التي فرضها عليه الأطباء منذ اكثر من 45 يوما، وغادر قصره في حي "غاردن سيتي" الى مقر الحزب في حي الدقي، ليرد على ما يقال عن متاعب صحية تمنعه من قيادة الحزب بشكل ملائم. وعقد سراج الدين اجتماعا مع قيادات الوفد، والتقطت له صورة معها، وعمدت جريدة الحزب اليومية الى نشرها اليوم دليلاً على ان الباشا يدير الدفة، ولا صحة لما يتردد عن ان عمره الذي جاوز 86 عاما قد فرض اندلاع الصراع على خلافته. لكن الصورة لم تغير حقيقة الحال الصحية للباشا، اذ سرعان ما عاد بعد الاجتماع الى بيته، والتزم تعليمات الاطباء التي تفرض عليه ألا يغرق في مشاكل العمل اليومي، وألا يتأخر عن موعد نومه المبكر، وألا يقابل زواراً كثيرين، وان يخفض عدد السيجار الذي يدخنه. وكان الباشا تعرض لآلام حين اصيب بمتاعب في قدمه اثر انزلاقه على سلم قصره، ما دفع الى الساحة من جديد بالسؤال المؤجل عن خليفة الباشا في رئاسة الوفد، لا سيما ان ثمة صراعاً جاداً بين قيادات الحزب على الخليفة المحتل. ويخشى كثيرون ان يسفر غياب سراج الدين عن تفتيت الحزب الاقوى في مواجهة الحزب الوطني الحاكم، أو ان يؤدي على الأقل الى ظهور أكثر من "وفد". تزامن ذلك مع مؤشرات أخرى تؤكد ان الحزب يعاني من عدم وجود تجانس بين اعضائه على رغم وجود سراج الدين. وتلك المؤشرات هي: 1- تأجيل الجمعية العمومية للحزب التي كان مقرراً عقدها في 5 أيار مايو الجاري، بسبب مشاكل تنظيمية. وقال مصدر وفدي لپ"الوسط" ان الجمعية ستعقد بعد حزيران يونيو المقبل، وانها ستكون مكلفة دراسة تقرير العمل السياسي للحزب خلال العامين الماضيين، وتقويم أداء الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتقرير موقف الحزب من الانتخابات المحلية المقبلة وانتخاب اعضاء الهيئة العليا للوفد. وأكد المصدر لپ"الوسط" أن خلافة الباشا لن تكون مطروحة على جدول اعمال الجمعية العمومية، التي تضم 1200 عضو. لكنه توقع اختفاء عدد من اسماء الهيئة العليا الحالية، وظهور قيادات جديدة، وقال ان التغيير الذي ستعززه انتخابات الجمعية العمومية سيعبر عن خيار الوفديين للمستقبل. هناك خلاف واضح بين جناحين داخل المجموعة البرلمانية للحزب، فقد اضطر العضوان فؤاد بدراوي حفيد رئيس الحزب وأيمن نور الى اعلان عدم تأييدهما لبيان الحكومة الذي أيده ياسين سراج الدين زعيم المجموعة البرلمانية للوفد. يعكس ذلك تبايناً عائلياً في المواقف بين ياسين - الشقيق الاصغر لفؤاد سراج الدين - وبين حفيد شقيقه. ويعكس ايضا تبايناً سياسياً، اذ ان العضو نور هو أيضاً سكرتير عام لجنة الوفد في القاهرة التي يتولى ياسين سراج الدين رئاستها. ظهور مجموعة أطلقت على نفسها "احرار الوفد"، وعبرت عن مواقفها في منشورات تعارض الجبهات التي تتصارع على خلافة الباشا، وتضم عدداً كبيراً من شباب الحزب، معظمهم محامون، وقاموا في الايام الاخيرة بزيارة عدد من المحافظات تمهيداً لاقامة تكتل مؤثر في الجمعية العمومية. صراع داخل الوفد وأسفرت هذه المؤشرات عن اختلاف الخطاب التنظيمي بين جبهات الحزب المتصارعة، لا سيما من جانب ياسين سراج الدين الذي هاجم نعمان جمعة نائب رئيس الحزب، وقال انه سيطالب الجمعية العمومية بإلغاء هذا المنصب الذي اعتبره مستحدثا على الكيان التنظيمي للحزب، ووصفه انه رجل بلا دور. وقال ياسين سراج الدين لپ"الوسط": لا يوجد صراع، وليس صحيحا ان الحزب سيفتت اذا غاب فؤاد سراج الدين. ان الوفديين يميلون لاختيار رئيس حزب يكون صاحب باع طويل وتاريخ في العمل السياسي، ولا يميلون لهؤلاء الذين يخسرون المعارك الانتخابية، وانما لهؤلاء الذين خاضوا العمل البرلماني منذ زمن طويل، ويتمتعون بخبرة طويلة، ويحفظون جيداً تاريخ الوفد ومعاركه ونضاله الممتد منذ ثورة 1919، ويرفضون القادمين الجدد على الساحة. سألته "الوسط": هل سيحدث تغيير في خطاب الحزب اذا تخلى الباشا عن زعامته؟ هل ستتغير ليبيراليته وتدخل مرحلة جديدة؟ فقال: بالطبع لا، لاننا حزب عريق، لم يولد بين يوم وليلة، ولن يتغير برنامجه بتغير شخص، وافكار الوفد معروفة وستبقى، وان كانت تتميز بالمرونة مع الاحداث، الا ان لها قواعد ثابتة. ويعتقد أن ياسين سراج الدين يعتمد على مجموعة وفدية في لجنة الحزب في القاهرة، لا يمكن الجزم بأنها قد تكون مؤثرة في الصراع المتوقع على رئاسة حزب الوفد بعد غياب زعيمه. اما الدكتور نعمان جمعة، نائب رئيس الحزب فقد كان يمثل الحزب في كل اللقاءات مع احزاب المعارضة، ويسيطر على تشكيل لجان الحزب بموافقة الباشا وهو ما يمنحه تأثيرا في اعداد الجمعية العمومية. الجزء الآخر من الصلاحيات ممنوح لعبدالمنعم حسين، أمين صندوق الحزب، الذي يعتبر مقرباً الى رئيس الحزب. لكن ياسين سراج الدين يعاني هو نفسه من متاعب صحية، فقد تخطى عمره 75 عاماً، وفي ضوء معارضة من القواعد الوفدية التي تعتبره "مواليا للحزب الحاكم اكثر منه مواليا لحزب الوفد". ويمثل الدكتور جمعة جيلاً من الوفديين التكنوقراط، اذ كان عميدا لكلية حقوق القاهرة، والتحق بالحزب بعد عودته للحياة بداية الثمانينات، وقد تخطى الستين، وهو النائب الوحيد لرئيس الحزب، بعد وفاة النائب الآخر احمد اباظة قبل عامين. الحزب لا يعاني من انقسام أما رجل الاعمال الشاب محمود اباظة ابن النائب الراحل احمد اباظة، فهو يحسب مع عضو البرلمان فؤاد بدراوي - ابن اخت الباشا - من مجموعة نعمان جمعة. وهو عضو الهيئة العليا للحزب، وقال لپ"الوسط": ان الوفد يمثل الليبرالية في مصر، ومن المؤكد انه سيشهد تغيرا فكريا في هذا الاتجاه اذا حدث ما يوجب هذا، واذا كان الحزب الشيوعي السوفياتي تغير فهل يبقى الوفد جامدا؟ وأضاف: كان الحزب بعد نهاية الحرب العالمية الثانية يطالب بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي على اساس ان تلك كانت مرحلة التصنيع الثقيل، وبحلول العام 1950 كان حزب الوفد يحسب على يسار كل القوى السياسية المصرية. لكنه بعد عودته للحياة السياسية العام 1977 كان ضد اعطاء دور اكبر للقطاع العام، مخالفا بذلك الخطاب السياسي العام في تلك الفترة. واتصور ان ليبيرالية الوفد في المستقبل القريب ستعكس التعبير عن العلاقة بين الحكم والمحكوم، والقضية الاجتماعية وهوية المصريين، وستكون الاجابة عن اي اسئلة عن ذلك تحديداً لطبيعة الحزب في المستقبل. وتابع: ان مشاعر القلق حيال مستقبل الوفد في حال غياب رئيسه طبيعية للغاية، لا سيما أنّ كل قيادة تولت زعامة الوفد كانت لها سمات مميزة خاصة بها من سعد زغلول ومرورا بمصطفى النحاس ونهاية بفؤاد سراج الدين ومن الناحية الواقعية فان الحزب لا يعاني من أي انقسام، فهو كتلة مركزية صلبة وهوامش غير مؤثرة. والكتلة هي الجهاز الاداري والهيئة العليا وهيئة مكتب الحزب، وما يؤكد بنيان هذه القوة المركزية هو مواقفها المتكررة ومواقف الهوامش، وفي هذا السياق سأضرب مثالين: الاول حين رفضت الغالبية الساحقة في الحزب خوض انتخابات برلمان 1990 وقاطعتها، وايدت ذلك الهوامش. والثاني حين رفض الوفد تأييد اعادة انتخاب الرئيس مبارك رئيسا لمصر، وايدت ذلك الهوامش. وهذان موقفان يعبران عن قوة النواة الصلبة، ويؤكدان ان الصورة العائلية التي ترسم للحزب في الصحافة غير صحيحة، حيث ان الحزب الحاكم يحاول بوسائل اعلامه ان يزيد من حجم الهوامش، وهذا حقه، كما يحاول اعطاء صورة مهزوزة عن الوفد. واعتبر اباظة ان مواصفات الرئيس المقبل للحزب هي ان يكون قادراً على ان يجمع حوله عناصر النواة الصلبة، اي القوى الحقيقية للوفد. لكن حديث اباظة يستدعي توضيح نقطتين: 1- ان مواصفات الهوامش التي تحدث عنها لا تنطبق الا على ياسين سراج الدين الذي كان يؤيد خوض انتخابات 1990، واعلن تأييده اعادة انتخاب الرئيس مبارك. 2- ان هيئة مكتب الحزب غير موجودة واقعياً، وان رئيس الحزب كان يختار عدداً كبيراً من اعضاء الهيئة العليا للحزب، حتى ان اللائحة التنظيمية الاخيرة للحزب اعطت لرئيس الوفد حق اختيار عشرة اسماء اضافية من دون انتخاب اعضاء الهيئة العليا، كان بينهم في المرة الاخيرة ياسين سراج الدين نفسه. ويؤكد الواقع العملي أيضاً ان عددا من المواقع التنظيمية للحزب لا تؤثر بشكل دائم في العمل اليومي، وفق ما هو مفترض فيها، في مقابل مواقع اخرى تحظى بصلاحيات غير موجودة في اللائحة التنظيمية للحزب. وكمثال على ذلك فان سعد فخري عبدالنور رجل الاعمال القبطي الذي عين سكرتيرا عاما للوفد، والمفترض ان تكون كل اوراق الحزب في يده، لا يمارس اية صلاحيات تنظيمية، ويقضي اغلب وقته في باريس حيث يشرف على اعماله الخاصة، بينما يقوم الدكتور نعمان جمعة بمعظم مهامه، الأمر الذي يؤكد ان قرار تعيينه في هذا الموقع هدفه فقط مغازلة اصوات الاقباط الانتخابية. وبشكل عام فان تدخل فؤاد باشا في تحديد صلاحيات كل شخص يعطي فكرة عن طبيعة الصراع بعد غيابه، ويوحي بالاوراق التي يمكلها كل طرف في هذا الصراع، والتي جمعها قبل غياب الباشا وفي ظل حماية منه. رجال الأعمال والحرس القديم لكن هذا العنصر التنظيمي لن يكون كافيا لحسم الصراع، ذلك ان هناك معايير اخرى ستؤثر في مجرى الاحداث، وهي مبنية على اساس حجم القوى الاقتصادية والاجتماعية داخل الحزب، وارتباطات كل منها بأسماء محددة. وفي هذا السياق يمكن القول ان الحزب يمثل اتجاهات مختلفة هي: - رجال الاعمال، وهؤلاء لم يعد لهم وجود كبير بعدما كانوا يجدون في الوفد منبرا للتعبير عن افكارهم، لا سيما ان هناك جماعات وتنظيميات اخرى تعبر عنهم، مثل جمعيات رجال الاعمال والغرف التجارية المشتركة. وابرز رجال الاعمال سعد فخري عبدالنور، وابنه منير، ومحمود اباظة، وكرم زيدان احد ابرز التجار في مصر. - جماعة الوفديين القدامى، الذين ينتمون الى وفد ما قبل 1952، ويميزون انفسهم عمن يسمونهم بپ"المستوفدين" اي الجدد، وهم يجدون في فؤاد سراج الدين زعامة لها هذا العبق التاريخي الذي يعيد اليهم ذكريات الايام القديمة، وابرزهم علي سلامة والمهندس عبدالخالق الشناوي، بعد غياب عدد من رموزهم في السنوات الماضية، وعلى رأسهم الدكتور وحيد رأفت وأحمد اباظة وابراهيم فرج. ولا يجد هؤلاء في ياسين سراج الدين تعبيراً عن طموحاتهم اذ قال علي سلامة لپ"الوسط": "لا وفد بعد فؤاد سراج الدين". - المجموعة العائلية المنتمية بشكل أو بآخر لعائلة سراج الدين، وهم الرئيس نفسه فؤاد سراج الدين، وأخوه وإبن ابنته فؤاد بدراوي، وهو تمثيل عائلي غير مؤثر الى حد بعيد، في ضوء انتماء فؤاد بدراوي الى مجموعة نعمان جمعة. - الاقباط، وابرزهم سعد فخري عبدالنور وابنه منير، ويتوقع الا يكون لهم تأثير قوي في مسار الحزب، باعتبار أن كل ما يأمله الاقباط من الوفد هو ان يبقى ليبراليا علمانيا يتسع للتعبير عنهم. - مجموعة التكنوقراط السياسيين، وابرزهم نعمان جمعة، في مواجهة الدكتور سعيد النجار رئيس جمعية "النداء الجديد" التي اعتبرت منافسا ليبراليا لحزب الوفد، ما دعا للتلويح للنجار بمنصب نائب رئيس الحزب، الا انه لم يحصل على هذا المنصب حتى الآن. - مجموعة المهنيين من المحامين والاطباء، وهؤلاء كتلة مؤثرة لا سيما في جانب المحامين، حيث يوجد عدد كبير منهم في عضوية الحزب، نظراً الى حقيقة تاريخية هي ان الوفد كان يسيطر على مجلس نقابة المحامين قبل سيطرة "الاخوان" عليه، وبينهم اسماء محمد علوان حامد الازهري، احمد ناصر، محمد طرباي، منير شنب، واحمد الخواجة. والاخير هو الاكثر تأثيرا، خصوصاً انه ظل نقيبا للمحامين فترة طويلة، ويعتقد كثيرون انه سيكون محور الصراع بين التكنوقراط والمهنيين على رئاسة الوفد بعد فؤاد سراج الدين، وترشحه دوائر عدة لأن يكون الرئيس المقبل للوفد. لكن احمد الخواجة لم يدفع بنفسه حتى الآن الى دائرة الصراع، وقال لپ"الوسط": "لست طامعا في رئاسة الوفد، ولكني في خدمة الحزب في اي وقت".