ما زالت أسواق المال العالمية تتذكر فقاعة الدوت كوم وانهيار شركة أنرون، ودور المعلومات المحاسبية في ذلك. وإذا انتقلنا إلى تجربتنا المحلية نلاحظ أن الوعي بأهمية دور المعلومات المحاسبية في اتخاذ القرار الاستثماري الرشيد ما زالت قاصرة وبشكل كبير، وكان لإيقاف سهم شركتي بيشة الزراعية وأنعام القابضة (المواشي سابقاً) دور إيجابي في دفع المتعاملين داخل السوق المالية لقراءة تقرير مراجع الحسابات والقوائم المالية والإيضاحات المرفقة والخاصة بالشركات التي يتداولون أسهمها. وهذا ما يقودنا للمقولة الشهيرة: إن الخبرات لا تصقل إلا بنار الأزمات. وسنستعرض اليوم القوائم المالية الختامية للشركة السعودية للتنمية الصناعية (صدق) لعام 2006م، وتقرير مراجع الحسابات حولها. تحفظان وخسائر ابن رشد الشركة السعودية للتنمية الصناعية (صدق) هي شركة مساهمة برأسمال 400 مليون ريال مدفوع بالكامل، ويبلغ عدد أسهمها المصدرة 40 مليون سهم بقيمة اسمية 10 ريالات للسهم. ويقع المركز الرئيس للشركة في مدينة جدة، وتدار الشركة من مجلس إدارة مكون من 10 أعضاء، وبالنظر إلى تقرير مراجع الحسابات عن القوائم المالية للشركة لعام 2006م نجد أن مراجع الحسابات قد تحفظ مرتين في تقريره وفقاً للمعيار السابع من معايير المراجعة المعتمدة من الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، حيث جاء تحفظه نتيجة قصور محاسبي وذلك من ناحيتين: الأولى هي أن الشركة تستثمر مبلغ 132.900.000 ريال في الشركة العربية للألياف الصناعية (ابن رشد) التي يبلغ رأسمالها 3.550 مليون ريال وخسائرها المتراكمة 2.620 مليون ريال. وبحسب إدارة شركة صدق، فإن خسائرها الناتجة من هذا الاستثمار والبالغة 33.8 مليون ريال (14.3 مليون ريال خسائر 2005م و19.5 مليون ريال خسائر 2006م) هي خسائر مؤقتة، وبالتالي تم إظهار الأثر المالي لها في جانب حقوق المساهمين في قائمة المركز المالي تحت بند خسائر غير محققة ناتجة من تقويم استثمار، علماً أن الشركة قد قامت بإثبات مبلغ 64.1 مليون ريال كخسائر محققة من استثماراتها في شركة ابن رشد. وقد طالب مراجع الحسابات من صدق عرض مبلغ 33.8 مليون ريال (كخسائر ناتجة من انخفاض غير مؤقت في القيمة العادلة للاستثمار) في قائمة الدخل بدلاً من إظهاره (كخسائر غير محققة ناتجة من تقويم استثمار) في قائمة المركز المالي. الناحية الثانية: تتمثل في التحفظ الآخر الذي أبداه مراجع الحسابات على قوائم صدق المالية، حيث قامت الشركة بقيد مبلغ 12.8 مليون ريال كاستثمارات في شركات تابعة غير موحدة، ولم يحصل المراجع على المستندات والبيانات المالية المؤيدة لمبلغ الاستثمار أو القيمة العادلة له، كما لم يتم توحيد البيانات المالية لهذه الشركات. وقد أشارت صدق في إيضاحات القوائم المالية إلى أن تسجيل قيمة الاستثمار البالغ 12.8 مليون ريال في دفاتر الشركة تم بناء على القيود المسجلة في الشركة التابعة. لفت الانتباه ووفقاً لمعايير المراجعة السعودية، فإن فقرة لفت الانتباه التي توضع أحياناً ضمن تقرير مراجع الحسابات تستخدم للفت انتباه مستخدم القوائم المالية إلى أمر مهم يتعلق بالقوائم المالية، إلا أنه لا يؤثر على رأي المراجع، وعليه فإن فقرة لفت الانتباه تعد أقل خطورة من فقرة التحفظ. وكان مراجع حسابات صدق قد قام بلفت انتباه مستخدم القوائم المالية في صلب تقريره إلى ثلاث نقاط وهي كالآتي: 1- بلغت الخسائر المتراكمة مع الأخذ في الحسبان الاحتياطي النظامي 199.6 مليون ريال كما في 31-12-2006م؛ أي ما يعادل 50% من رأسمال الشركة البالغ 400 مليون ريال، كما أن المطلوبات المتداولة تزيد على الأصول المتداولة بمبلغ 36.8 مليون ريال، مما يثير التساؤل حول قدرة صدق على مواجهة التزاماتها الجارية، وقد أفادت الشركة أن لديها خططاً تحت الدراسة لمواجهة تلك الالتزامات. ونذكر هنا أنه ووفقاً لنظام الشركات السعودي، فإنه متى ما بلغت خسائر أي شركة مساهمة 75% من رأسمالها، فإنه لا بد من عقد جمعية عمومية غير عادية للنظر في إمكانية استمرارية الشركة أو حلها. وهذا ما حدث مع شركتي بيشة الزراعية وأنعام القابضة. 2- تتضمن موجودات إحدى الشركات التابعة لصدق وهي: (شركة صدق للصاج المدهون) مبلغ 10.9 ملايين ريال تمثل دفعات مستردة على مشروع تحت التنفيذ، علماً أن استرداد هذا المبلغ يعتمد على قدرة الشركة التابعة في الحصول على التمويل اللازم لاستكمال المشروع وبداية نشاطه التجاري ونجاحه في المستقبل. 3- تمتلك صدق 95% من (شركة صدق التجارية) وبصفتها الشريك الرئيس في هذه الشركة قررت تحمل كامل خسائر الشركة المذكورة منذ الفترة المالية الأولى المنتهية في 31-12- 1997م وحتى 31-12-2006م البالغة 2.285.632 ريالاً، كما أنها التزمت بتغطية أية خسائر مستقبلية، كما قررت أيضاً تقديم دعم مالي لضمان استمراريتها. حقوق المساهمين بالنظر في تقرير مراجع الحسابات وتحفظاته، ولفت انتباهه نرى أن جزءاً من التأثير المحاسبي انصب في جانب حقوق المساهمين في قائمة المركز المالي، حيث يتكون هذا الجانب من رأسمال الشركة البالغ 400 مليون ريال، واحتياطي نظامي يبلغ 7 ملايين ريال، ومكاسب تبلغ 47 مليون ريال، وهي مكاسب غير محققة من تقويم استثمارات في أوراق مالية ناتجة من تملك صدق لحصة قدرها 0.71% من شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات (ينساب) بقيمة 40.100.000 ريال، وتم تقييم هذه الحصة في 31-12-2006م بمبلغ 87.477.500 ريال. وبالتالي نتج فرق قدره 47 مليون ريال كربح غير محقق من حصة الشركة في ملكيتها لأسهم ينساب، علماً أن استثمار صدق في شركة ينساب مرهون بالكامل لصالح بنك الجزيرة مقابل قرض حصلت عليه الشركة في عام 2005م من البنك وقدره 32 مليون ريال. وآخر بند في حقوق المساهمين هو الخسائر المتراكمة والمرحلة عبر السنوات التي ارتفعت من 187 مليون ريال نهاية 2005م إلى 206 مليون ريال في عام 2006م، ويلاحظ أنها استغرقت شطر رأس المال. أرباح القطاعات إن النشاط الرئيس لشركة صدق هو خدمة القطاع الصناعي بإقامة صناعات في مجالات مختلفة، وعليه فإنه يجب معرفة من أين تتولد مبيعات الشركة وإيراداتها من مجالات أعمالها المختلفة، وتؤكد قائمة الدخل أن الشركة قد حققت خسائر تشغيلية تبلغ 5 ملايين ريال مقارنة بخسارة 23 مليون ريال عام 2005م، فيما كان صافي خسارة صدق لعام 2006م 19 مليون ريال مقارنة بخسارة 28 مليون ريال لعام 2005م. وعلى صعيد القطاعات نلاحظ أن الشركة تصنف أعمالها إلى أربعة قطاعات رئيسة، وقد حققت خسارة قدرها 8.9 ملايين ريال في قطاع الأدوات الصحية، حيث تمتلك الشركة مصنع خزفية لإنتاج الخزف والأدوات الصحية. وفي قطاع الصاج حققت الشركة خسارة قدرها 7.5 ملايين ريال من شركة صدق للصاج المدهون، أما القطاع الوحيد الذي حققت فيه صدق أرباحاً، فهو قطاع المراتب والإسفنج، حيث تمتلك 50% من شركة سليب هاي، وحققت أرباحاً في هذا القطاع تبلغ 8.5 ملايين ريال. إن التقرير الذي أصدره مراجع حسابات صدق يلقي بكثير من علامات الاستفهام حول التحفظات المذكورة، وخصوصاً مدى التزام الشركة بمعيار الهبوط المستمر في قيمة الأوراق المالية لاستثماراتها الكبيرة في شركة ابن رشد المتعثرة. عبدالرحمن محمد السهلي(*) (*) عضو الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين وعضو الجمعية السعودية للمحاسبة