لقد اعتمدت القبائل العربية على الإبل اعتماداً كبيراً حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية، فكانت بالنسبة إليهم مصدراً للرزق وعتاداً للحرب ووسيلة للنقل، وتعد الإبل المملوكة للفرد مظهراً من مظاهر الغنى والسؤدد والجاه، وكان النعمان بن المنذر يعلو فخراً واعتزازاً بما يملكه من أنواع الإبل؛ ومنها نوق العصافير التي كانت مضرباً للأمثال. وكانت الإبل عند أجدادنا مطاياهم التي يرتحلون عليها ويأنسون بها في قطع الطرق البعيدة، فيُنشدون لها ويحدون بأنغام تذهب عنها بأس الطريق وتجدد نشاطها لتطوي المسافات أمامها، فمع خطواتها نشأت موسيقى الشعر العربي ومع الحداء لها ولدت البحور الشعرية. وقد اتخذ العربي ناقته صاحباً ورفيقاً مسلياً له في وحدته، فخلع عليها من مشاعره وأحاسيسه ما جعلها تتصف بالصفات الإنسانية، فتشكو وتتألم، وتشعر بالغربة والحنين إلى الوطن وتناجي صاحبها وتحاوره، وبخاصة الذين عاشوا معها وعرفوا قوتها وصبرها ووفاءها وحنينها، مما ولد لديهم وصفاً بديعاً لهذا المخلوق الإلهي العجيب، فنظموا عدة قصائد متنوعة تصف طباعها وحنينها إلى مراتعها وحيرانها ومدى حب الناس لها ومنزلتها عند أصحابها. والناقة هي أغلى ما يملك العربي، فهي تنجيه من الأعداء وتقربه من الأصدقاء، لذا لا يفرط فيها بسهولة.. يا فاطري ما أرخصت فيها بالأثمان إلا بيومٍ.. ما يقلب صويبه وفي ذلك يقول الشاعر أيضاً: يا راكب من فوق هجن مصطر وساع النحور مبعدات المعاشي لا هنب لا حشو ولا هنب فطر تلقا لهن عقب المقيل ارتهاشي والإبل سلعة غالية ومحبوبة عند غالبية الناس، خصوصاً إذا كانت من سلالة طيبة ومعروفة أو من أصناف المزايين من الإبل، فيكون لها مكانة خاصة عند صاحبها. وفي ذلك يقول الشاعر خلف بن هذال: البل لها في مهجة القلب منزال منايح القصار سفن الصحاري مراجل يشقي بها كل رجّال إفلاس بايعها نواميس شاري ونجد أن ابن البادية يتعاطف ويتفاعل مع إبله، بحيث يكون لها التأثير الأكبر في نفسه وكثيراً ما يقرنها بحالته، فهو يأسر عند رؤيتها بكامل قواها ويحزن لإنكسارها. ومن ذلك هذه القصيدة المشهورة في الإبل: دنوا ذلولي تراني ضايق بالي ذلولي اللي مديد العصر يطربها أبا أتخر عليها واحد غالي لولاه ما جيت من برزان راكبها يالله أنا طالبك حمراً هوى بالي لا روح الجيش طفاح جنايبها لا روحت مع تباريك الخلا الخالي كن الذيابة تنهض في جوانبها اللي على كورها واللي بالحبالي واللي على المردفة واللي بغاربها لاروح الجيش حادبة أشهب اللالي لاهي تورد وسيع صدر راكبها مع بندقٍ رميها ماضٍ لها أفعالي ومخضب عقبها من ضرب شاربها حديدها واذكر الله كنه ريالي كن الحيايا تطوي مع لوالبها وليالفونا من المقناص زعالي أحدٍ مدح بندقه وأحد يعذربها بشرتهم بالغدا عقب مقيالي القايدة مع مرد الكوع ضاربها الله يرحمك يا عود شراها لي من واحدٍ جابه للسوق جالبها ويحزن الشاعر لحزن ناقته مشاركاً إياها هذا الحزن، يقول خلف بن هذال: الذود يا هذال يصخم حنينه ما بين شبك وبين قصر ودماله وأم الحوير اليوم شينه رد الحوير وفك عنها الشمالة العين يوم تشوف ريمه حزينة يسرح بها قلبي ويضوي لحاله والفاطر العوجا عليها غبينة إن رجّعت للحوش جبن ونزاله سقها برفق وخلها في سكينة تمشي ويسقيها المطر من خياله إن عاش رأسي يالحيا تاصلينه وتبدلين السر قفرٍ بداله ويتواصل تعاطف الشعراء مع الخلوج وحالتها من فقدها لحوارها، إذ يقول أحدهم: خلوج تجر الصوت وحوارها مذبوح حرامٍ عليّ النوم ما زلت أنا أوحيها فقد قطع الشاعر على نفسه عهداً بألا تغمض عيناه ما دام أن هذه الناقة تجر صوتها ألماً وحسرة على فقد حوارها، ولكون هذه الإبل تحمل كثيراً من المحبة في نفوس أصحابها، فقد أبدعوا في وصفها مصورين كل عضو من أعضاء جسدها وصفاً فريداً لا يصدر إلا عن عاشق يُكِنُّ مشاعر الحب لمحبوبته. ومن هؤلاء العاشقين للإبل الشاعر جعفر بن جمل بن شري، فقد نظم قصيدة طويلة جداً تتجاوز أبياتها تسعين بيتاً في وصف الإبل وتعديد مزاياها ومنها قوله واصفاً إياها: كبار من المثناة.. علط رقابها وعيونها جمر تقادح شرارها كن الأذاني فوق هامات روسها حربة خفير قايد الجيش زارها عريضة صفايح سيق هزع القفا اسناد من الغارب وساع ازوارها الوجه زين والخراطيم ضافية واليا شرت الجنب عشر شبارها اعراض مناكبها كبار خفافها طوال الشمايل قصرت عن فقارها تخنطل من الريضان ما هي بعجلة تسحب قواعيها كبار آثارها ولما كان للإبل مكانة رفيعة عند كل عربي أصيل، فقد دأبت حكومتنا الرشيدة على إحياء ذكرها ورفع مكانتها وذلك بتنظيم عدد من المهرجانات والمزايين التي تهتم بإحياء الموروث الشعبي وتشجيع أصحابه وإبراز مكانته العريقة. يقول سعد بن جدلان: يا أهل المزاين في خيار البعارين فزتوا بزين الشعل والوضح والسود ما شفتوا الحمرا الجراما المزايين اللي حصا يرهن كما السدو محدود كنها من الشيراز تعطي تلاوين حمرا يديهن بيض وخشومهن سود خفافهن ما شذبتها الضلاعين سفرة مضيف ثليم في مصمك العود ومن قصيدة للشاعر عيد بن سمير الحربي في قدوم مزاين حرب يقول واصفاً الإبل: محفل مزاين حرب للبل رافع الله مستواه في كل عام وكل يوم وكل ما يبدي شهر ياذا اللبيب المفتهم للعلم حذق الانتباه ترى العجب بالبل عطايا الله بديعات الصور البل على وقت الرسل والانبياء وأكبر غناه سفن الصحاري بالريادي كنها سفن البحر ألوانها لو تختلف يبقى غلاها باللجاه صفر ومفاتير وملاوين ومجاهيم وحمر قلبي يتوق لزينها لا عرضت خطو الفتاة أذانها مثل الحراب عيونها مثل الجمر ولعل أجود ما قيل في وصف الإبل قول الشاعر العربي طرفة بن العبد في معلقته المشهورة: وإني لأمضي الهم عند احتضاره بعوجاء مرقال تروح وتغتدي أمون كألواح الأران نصأُتها على لاحب ظهر كأنه برجد