والبل تعزّ العرب وتطوّل الشرّب يوم الدراهم قليلة والبل شْفاقة ومنوّلٍ ما يعدّ الرجل لْيا غرّب إلا لْيا منّه كسب في غربته ناقة الشاعر سعد بن جدلان الأكلبي مدرسة شاعرية مستقلة، عنوانها التميّز، وشعارها الأصالة والجزالة، تتخذ من الفكرة المبدعة والصورة المبتكرة محوراً أساسياً تدور حوله لإضاءة الساحة الشعبية بنماذج مختلفة من لوحات الفن الشعري المحلق في فضاءات جديدة تعجز كل التجليات الحداثية عن الوصول إليها، ويعتبر ابن جدلان من الشعراء القلائل الذين يبدعون في وصف الناقة رغم أنه يؤكد أن وصفها من أصعب الأمور، وينصح كل من ليس من أهلها من الشعراء أن يبتعد عن وصفها حتى لا يتعرض للانتقاد بسبب عجز أدواته عن تصويرها. فابن جدلان بدوي أصيل وفي ثقافة الصحراء لا يطلق لفظ (بدوي) إلا على صاحب الإبل ولذا فهو يفتخر بهذه البداوة إذ يقول: أناعشت بالشدّات ما عشت بعناية وصحيح إنّي بْدوي ليا قلتوا بْدوي عطاني زماني من تجاريبه كْفاية وعرفت الخطا والصح والنقض واللوي ويعيش هذا البدوي علاقة عشق وهيام دائمة مع الإبل ناقة ناقة كيف لا؟! وهو القائل: أحبّها حبّ الهبال المهابيل واتبع رضاها واجتهد في سعدها وضحاَ مثل رخم النصوب المحاميل من قوّ برداها يثوّر زبدها ويقول في بعض نياقه المفضلة: معي كل زينٍ لذته تنّسى في ساع يا كود العفيشة والطويلة وطيّاحة لم يقف حب ابن جدلان للإبل عند درجة الهيام بها بل تعدّى ذلك إلى درجة أنه لا يحب من لا يحب الإبل بل ويدعو عليه قائلاً: من لا يحب إرزامها تالي الليل تومي بها الدنيا على طول يدها ونظرة ابن جدلان ذلك البدوي الأصيل للإبل تختلف عن نظرة أهل المظاهر والمفاخر الشكلية الذين أقبلوا على اقتنائها في الفترة الأخيرة (ليصرروها) لتزداد جمالاً فيفوزوا!! فابن جدلان ينظر للإبل نظرة أهل الكرم والمروءة الذين يقتنونها حباً فيها ليجعلوا في حليبها حقاً للضيوف والزائرين بل وسيلة من وسائل استقطابهم ولذا فهو يقول في صورة نادرة لشعفة سنام الناقة: يرعاه وضحاً شعايفها كما العمّة مدسّمة شرّب الضيفان لا جوها ومن الصور الباذخة في وصف الناقة التي لم يسبق إليها - حسب علمي - تلك الصورة في قصيدته التي منها: تمنع ولدها من قروم الرجاجيل من كبرياها ما يرغّى ولدها وله في وصف الحمر من الإبل التي هي (حمر النعم) التي تضرب بها الأمثال فهو يصورها في هذا المشهد السينمائي بطريقة خلابة عجيبة حيث يقول: ما شفتوا الحمر الجراما المزايين اللي حصايرهن كما السدو ممدود كنها من الشيراز تعطي تلاوين حمرا يديهن بيض وخشومهن سود خفافهن ما شذبتها الضلاعين سفرة مضيف ثليم في مصمك العود لا درهمت كنها تحذف بطاطين وإلا تهزّع في حريرٍ وماهود ويقول في تصوير عجيب حوّل به الجمل ذلك المخلوق الضخم المهاب إلى أرقّ مخلوقات الوجود وأجملها: بياض وجهه يغلب أكثر حماره يشبه غضب محشومةٍ دمّها حار