أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الناس جراها ويختصم يحبذ معظم الشعراء عدم البوح عن معاني قصائدهم فيتركون ذلك للشعراء والنقاد أو حتى متذوقي الشعر وعامة الناس. فيكونون بذلك قد أجبروا المتلقي على التمعن في القصيدة وأضفوا على قصائدهم شيء من الجمال. وفي البيت السابق يفخر المتنبي بأنه يضع الرمز في القصيدة، ويترك ما تبقى على المتلقين (الخلق) فيسهرون الليل في تفسيرها، وربما يختلفون فيها لدرجة الخصام. وقد يلجأ الشاعر في بعض الأحيان إلى الغموض او الرمز في القصيدة لعدة أسباب، ومنها حرصه على عدم التصريح عما يخول في نفسه لأسباب اجتماعية او سياسية أو حتى نفسية مما قد يعود على الشاعر او المقصود بالشعر بالضرر، وبذلك يلجأ الشاعر الى الرمز في القصيدة. والرمز هو روح القصيدة ومتنفسها، فيطلق عنان الشاعر بدون حدود أو خوف او مداراة لأحد منهم من يضع الرمز كمحسن بديعي لا أكثر فيضيف بذلك للقصيدة جمال ونكهة خاصة بشرط أن يحسن اختيار الرمز ويوظفه في القصيدة توظيفا مناسبا. وهناك أمثلة كثيرة لهذا التوظيف كقصيدة الشاعر الكبير بديوي الوقداني التي منها: انقطعت السبحة وجل الخرز ضاع بغيت المه يا سليمان وازريت الى أن قال: الباب طايح والمسامير خلاع والحب فيه السوس والفار بالبيت صار الذهب قصدير والورد نعناع لقيت ريحه مختلف يوم شميت استعان الشاعر بديوي الوقداني في هذه القصيدة بعدة رموز منها (السبحة - الخرز - الباب - القصدير - الورد - النعناع - المسامير - الحب - السوس - الفار - الذهب) وبذلك خرجت لنا قصيدة من أروع ما كتب في الشعر الشعبي. سألني أحد الشعراء لماذا المعنى في بطن الشاعر وليس في قلبه، فالبطن ليس به إلا الطعام!! فأجبته بأن المشكلة لغوية، فالبطن باللغة العربية هو ما غاب عن النظر وليس بطن الإنسان فنقول الظاهر والباطن. محمد لطيف