يحظى الذهب بعشق خاص لدى دول مجلس التعاون الخليجي سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الحكومات، فنجد أن الفرد الخليجي يهتم اهتماماً بالغاً بهذا المعدن خاصة على المستوى السعري له، ويرجع ذلك الاهتمام الخليجي بالذهب إلى المكانة الكبيرة له بين الشعوب، فقد اتخذوه في الماضي عملة للتداول فيما بينهم مثل الدينار البيزنطي والروماني والفارسي والدينار العربي، هذا بالإضافة إلى أن الذهب يتمتع بكثير من الصفات تمنحه قوة غير طبيعية بالمقارنة مع المعادن الأخرى ومن أبرزها أنه أقدم عملة كونية فهو لا دولة له، بالإضافة إلى عدم خضوعه للمراقبة مثل العملات الورقية الأخرى، وأضف إلى ذلك كونه يمثل أهم مخزن احتياط بالنسبة إلى الدول، فهو السلعة الآمنة ضد مخاطر التضخم والانخفاض مقارنة مع الأصول الأخرى (الدولار - اليورو - الإسترليني). هذه الأسباب التي تعطي للذهب قوته جعلت منه في أول قائمة السلع الأكثر طلباً في العالم من جانب المستثمرين والحكومات لتكوين احتياطي قوي لديها، وقد كانت لتلك المميزات التي يتمتع بها الذهب دور رئيسي في جعله من أكثر الأصول تأثراً بالأجواء السياسية والاقتصادية في العالم، فنجد أن سعره يرتفع عند حدوث الاضطرابات والنزاعات التي تسود العالم، ووصل إلى تحقيق سعر قياسي لم يصل إليه منذ ربع قرن محققاً 736 دولارا للأونصة، وقد كان الأفراد في دول مجلس التعاون الخليجي مستعدين لتلك التطورات في أسواق الذهب العالمية؛ إذ يمثلون المشتري الثاني للذهب على الصعيد العالمي بعد الهند، فقد ارتفع استهلاك الذهب بالطن داخل دول المجلس (مجوهرات + استثمار) بنسبة 10.8%؛ إذ بلغ نحو 318 طنا عام 2005 مقارنة مع 287 طنا عام 2004، وقد استحوذ المواطن السعودي على نصيب الأسد من ذلك الاستهلاك باستهلاكه نحو 160 طنا عام 2005 مقارنة مع 141 طنا عام 2004، وهو بذلك يستحوذ على أكثر من النصف أي نحو 50.3 % من جملة الاستهلاك مقارنة مع 96 طنا عام 2004، واستهلكت بقية دول المجلس (الكويت - البحرين - قطر - عمان) نحو 52 طنا. أما من ناحية استهلاك الذهب في صناعة المجوهرات والحلي الذهبية فقد تصدر السوق السعودي القائمة الخليجية عام 2004 بواقع 42.9 طن ثم الإمارات 27.9 طن فالكويت 9.5 طن ثم البحرين 3.4 طن ثم سلطنة عمان 1.9 طن ثم قطر 1.6 طن. هذا بالإضافة إلى الاهتمام بالذهب من جانب المستثمرين الخليجيين الذي يتضح في الصعود الكبير لدبي كمدينة رئيسية عالمية في تجارة الذهب، فقد استوردت دبي في عام 2005 نحو 530 طناً من الذهب تزيد على 10% من الطلب العالمي، ويمكن القول إن مدينة دبي مرشحة مع إنشاء بورصة دبي للذهب لكي تصبح مركزاً دولياً رئيسياً لتجارة المعدن الأصفر، وتستفيد دبي من كونها تمثل نافذة ملائمة من حيث التوقيت بين قارتي آسيا وأوروبا، كما أن بورصة دبي للذهب ستكون البورصة الوحيدة في العالم التي تتيح القيام بتداولات يومي السبت والأحد، وهو ما يرجح ازدياد عدد المستثمرين الذين سوف تجذبهم دبي إلى بورصتها بفضل خدمات شبكة الإنترنت. هذه الأرقام تدل على مدى فَهْم ووعي الفرد الخليجي بقيمة الذهب سواء من الناحية الاقتصادية أو الجمالية أو التاريخية.. ولكن البنوك المركزية لدول مجلس التعاون لم تظهر القدر الكافي من بُعد النظر؛ فاحتياطيات هذه البنوك من الذهب متدنية جداً سواء على المستويين المطلق والنسبي، فقد باعت بنوك أربع دول خليجية، وهي الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمانوقطروالبحرين، كل ما لديها تقريباً من الذهب، بينما قام البنك المركزي الكويتي بتأجير احتياطه كله من الذهب في ظل احتمالات صعبة بإمكان استعادته. وتثير هذه الخطوات من جانب البنوك المركزية الخليجية الكثير من الدهشة والاستغراب؛ لأن الذهب يمثل أداة تحوطية ممتازة في مواجهة التضخم وضعف الدولار الأمريكي، ويخفف من أخطار التغيرات السريعة في أسعار النفط المقومة بالدولار الأمريكي الذي يتعرض لضغوط اقتصادية كثيرة ومن أهمها العجز الكبير في الموازنة الأمريكية.ومن الجدير بالذكر أن المعدل الأدنى لاحتياطيات الذهب التي يشترطها البنك الدولي والبنك المركزي الأوروبي على الدول هو 15% من إجمالي الأصول.ويأتي إعلان روسيا أخيراً ازدياد احتياطها من الذهب من 5% إلى 10% بمثابة جرس إنذار لدول الخليج، لكن ثقة دول الخليج لا تزال قوية بالدولار الأمريكي، بالإضافة إلى ذلك فإن الدول المصدرة للنفط الأعضاء في منظمة (أوبك) رفعت من موجوداتها من الدولار الأمريكي من 61% إلى 69% عام 2005، كما أن الكميات الهائلة من مبيعات الخزينة الأمريكية خارج لندن نسبت إلى مستثمرين عرب، وتتناقض هذه المواقف بصورة مذهلة مع اليابان والصين اللتين تخلتا جزئياً عن برامج دعم الدولار؛ إذ أبقتا على استقرار موجودات خزينتيهما وأحجمتا عن شراء الدولار بالكميات التي تعودتا على القيام بها في السابق.