يقوم القطاع المصرفي بدور كبير في الحياة الاقتصادية لكل الدول، حيث يعتبر القطاع المصرفي هو الممول الحقيقي لعمليات التنمية، وللازدهار الاقتصادي دور كبير في نمو القطاع المصرفي، حيث شهد الاقتصاد العربي ومنذ عامين طفرة اقتصادية غير مسبوقة، ناتجة عن الزيادة الكبيرة التي طرأت على أسعار النفط العالمية برغم زيادة نسبة الضخ لدى بعض الدول النفطية في منظمة أوبك، مما نتج عنه فوائض مالية كبيرة وقد أدت كل الفوائض المالية المحققة إلى تحقيق القطاع المصرفي العربي اختراقاً نوعياً في حجم أصوله الإجمالية متجاوزا حاجز تريليون دولار (ألف مليار دولار) في نهاية عام 2005م، إذ وصلت قيمة الموجودات الإجمالية للمصارف العربية إلى نحو 1050 مليار دولار بنسبة نمو بلغت نحو 20% مقارنة بنسبة نمو 13.5% عام 2004م، أي ما يماثل 130% من حجم الناتج العربي الإجمالي، مدفوعاً بنسب نمو مرتفعة شملت مختلف أبواب الميزانية، وتصدر القطاع المصرفي الإماراتي قائمة القطاعات العربية الأكثر نمواً في موجوداتها بنسبة تجاوزت 60%، ثم العراق (30%)، ثم السودان (25%) ثم فلسطين وليبيا (20%)، ثم البحرين ومصر (18%)، ثم قطر (17%)، فاليمن (16%)، فالأردن وسلطنة عمان والمغرب والكويت وتونس وسورية ولبنان بنسبة تراوحت بين 15 إلى 3%. ولقد أثار هذا الازدهار الاقتصادي في القطاع المصرفي الخليجي اهتماماً غير مسبوق على مستوى العالم خلال السنوات القليلة الماضية، مما شجع البنوك على زيادة المنتجات والخدمات التي تقدمها للمواطنين والمتعاملين معها على حد سواء. وإذا تحدثنا عن قطاع البنوك في دول الخليج بشكل تحليلي نجد أنه يتكون من أكثر من 210 بنوك (وحدات مصرفية وبنوك تجارية ومتخصصة وبنوك إسلامية) منها نحو 63 بنكاً تجارياً وإسلامياً، وقد رصدت العديد من المراكز الاقتصادية لدول الخليج، تؤكد تحقيق البنوك الخليجية أرباحاً بمعدلات تتراوح بين 5% إلى 20%. هذا وقد بلغ حجم أصول البنوك الخليجية نحو 354.3 مليار دولار بنهاية 2004م وقد بلغ صافي إجمالي المحافظ الائتمانية في البنوك الخليجية المدرجة بأسواق الأوراق المالية نحو 185.9 مليار دولار عام 2004م وبلغ إجمالي القروض المتعثرة في دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة 6.9 مليار دولار، فيما بلغت مخصصات خسائر القروض 8.7 مليار دولار في عام 2004م وخلال عام 2004م، بلغ صافي المحافظ الائتمانية للبنوك المدرجة في دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة 185.9 مليار دولار أمريكي وقد سجلت الميزانية الموحدة للبنوك الخليجية ارتفاعاً خلال النصف الأول من عام 2005م في كل من دول مجلس التعاون على حدة. 1 - الإمارات: سجلت الميزانية الموحدة للبنوك ارتفاعاً بلغت نسبته 91% خلال النصف الأول من عام 2005م لتصل إلى 139.9 مليار دولار مقارنة مع 117.8 مليار دولار في نهاية 2004م وقد شكلت القروض والسلف ما نسبته 58.9% من أصول هذه البنوك، بينما شكلت الودائع لجميع العملاء ما نسبته 36% والاحتياطيات ما نسبته 12.6%. 2 - البحرين: شهدت الميزانية الموحدة للجهاز المصرفي (المصارف التجارية والوحدات المصرفية الخارجية وبنوك الاستثمار) ارتفاعا من 118.9 مليار دولار في نهاية عام 2004م لتصل إلى 122 مليار دولار في منتصف 2005م بارتفاع بلغت نسبته 2.6%. 3 - السعودية: حققت الميزانية الموحدة للجهاز المصرفي السعودي ارتفاعاً بنسبة 9% خلال النصف الأول من عام 2005م لتصل إلى 198 مليار دولار مقارنة ب 174.8 مليار دولار في نهاية عام 2004م حيث ارتفع إجمالي المطلوبات بنسبة 12.1% ليبلغ نحو 164.5 مليار دولار بينما انخفض إجمالي الأصول الأجنبية بنسبة 3.7% ليبلغ نحو 23.8 مليار دولار. 4 - عمان: ارتفع إجمالي موجودات البنوك التجارية حتى النصف الأول 2005م بنسبة 12.7% لتبلغ نحو 31.37 مليار دولار مقارنة مع 21.7 مليار دولار عام 2004م وقد شكلت الودائع بأنواعها (الحكومية - القطاع الخاص) ما نسبته 66.8% من ميزانية البنوك التجارية العمانية وارتفعت الودائع الحكومية لتبلغ نحو 1.57 مليار دولار مقارنة مع 1.03 مليار دولار في منتصف عام 2004م، كما ارتفعت ودائع القطاع الخاص بنسبة 51% لتبلغ نحو 7.14 مليار دولار مقارنة مع 6.5 مليار دولار خلال نفس الفترة عام 2004م. 5 - قطر: واصلت الميزانية الموحدة للمصارف التجارية العاملة في قطر ارتفاعها خلال النصف الأول من عام 2005م لتصل إلى 30.3 مليار دولار مقارنة مع 25.3 مليار دولار في نهاية 2004م بنسبة نمو بلغت 20% وقد قامت الزيادة في ودائع العملاء بنسبة 19.3% وزيادة أرصدة البنوك بنسبة 12% إضافة إلى ارتفاع حقوق المساهمين بنسبة 14.7% بدور كبير في تحقيق تلك النسبة من النمو. 6 - الكويت: فقد سجلت الميزانية الموحدة للبنوك المحلية في منتصف 2005م ارتفاعاً بنسبة 4.5% لتبلغ نحو 20 مليار دولار مقارنة مع 19.14 مليار دولار في نهاية عام 2004م. وقد أدت الربحية العالية للبنوك في دول مجلس التعاون الخليجي والنمو الجذاب لودائعها إلى جعلها هدفا مغريا للمصارف العالمية، حيث تسعى العديد من البنوك الأمريكية الى السيطرة على نظيراتها الخليجية خاصة بعد توقيع مزيد من دول المنطقة لاتفاقيات التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة، حيث تشير نتائج أعمال القطاع المصرفي الخليجي بصورة عامة إلى نجاح المصارف في السعودية، وقطروالإمارات في تحقيق نمو ملموس في القروض المصرفية بنسبة 20% و 19% و14% على التوالي خلال عامي 2002 - 2003م، وفي الودائع بنسبة 16%، 13%، 9% بينما بلغت نسب نمو نظيرتها الأمريكية 7% للقروض و 5% للودائع، مما يتضح معه تفوق ربحية المصارف الخليجية على نظيرتها الأمريكية ومن خلال الإحصائيات نجد أن عائدات الأصول للمصارف الخليجية قد تراوحت بين 2% و 2.5% في السعودية والكويتوقطر وعائدات الأسهم بين 16.4% و 20.8% مقارنة مع 1.4% عائدات الأصول و 15.3% عائدات أسهم في الولاياتالمتحدة. رغم النجاح المالي المحقق في البنوك الخليجية إلا أنها على صعيد آخر لم تصل إلى المستوى المستهدف الذي يتيح لها القدرة على منافسة البنوك الأجنبية في ظل تسارع وتيرة الاستحقاقات الدولية الخاصة باتفاقية التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الحرة وما يستتبعها من التزامات بخصوص تحرير القطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن البنوك الخليجية لا تزال تركز معظم عملياتها على السوق المحلية الموجودة فيها. وأغلبها ليست لديها استراتيجية واضحة ومنسجمة تجاه العمل في المنطقة ككل أو التوسع عالمياً. ويجمع الاقتصاديون وخبراء المصارف على وجود العديد من المشكلات التي تواجه البنوك الخليجية من أهمها الآتي: - ضآلة حجم السوق الخليجي نسبياً قياساً بالأسواق العالمية الأخرى وبالتالي صغر مؤسساته وتشابه نشاطها ودخولها في منافسة لا طائل منها. - اجتياح العولمة كل دول العالم مع إقرار اتفاقيتي (الجات) ومنظمة التجارة العالمية وما حملته من تحرير للتجارة والخدمات وانفتاح السوق الخليجي لشركات وبنوك عملاقة لا يقوى على منافستها. وهذه المشكلات تجعلنا نقف أمام طرح هذا التساؤل المنطقي: ما الهدف المراد تحقيقه في القطاع المصرفي خلال الفترة القادمة؟ وهل الاندماج مطلب ضروري وملح من البنوك الخليجية حتى تستطيع أن تقف في وجه المنافسة القادمة؟ هذا ويرى البعض أن اندماج البنوك الخليجية خطوة نحو الاندماج العربي ووسيلة إلى الوصول إلى التكامل الاقتصادي الذي سيمكنها من تحقيق موقع داخل النظام العالمي الجديد وتزداد أهمية الاندماج في قطاع المصارف الخليجية إلى أن بعض دول الخليج مثل الكويتوالبحرين تطمع في أن تصبح مركزاً مالياً ومصرفياً دولياً، بالإضافة إلى تزايد أعداد المصارف في دول الخليج. وعلى الصعيد ذاته فقد استفادت البنوك الدولية من المتغيرات والتطورات الاقتصادية الدولية المتلاحقة وبسبب قراءتها الصحيحة للتحديات المقبلة، كثرة ظاهرة الاندماجات بين البنوك العالمية، ففي الوقت الذي تتكاسل فيه البنوك الخليجية في موضوع الاندماج لتكوين كيانات أكبر، أطلت علينا مؤخراً أكبر عملية اندماج في تاريخ القطاع المصرفي العالمي، عبر اندماج تم في أكتوبر عام 2005م بين مجموعة ميتسوبيشي طوكيو المالية و(يو.إف.جيه) ليكونا أكبر بنك في العالم بموجودات تبلغ 1.7 تريليون دولار لتحل محل مجموعة سيتي جروب التي تبلغ قيمة موجوداتها الآن 1.3تريليون دولار، وبمقارنة ميزانية البنك الجديد بميزانية البنوك الخليجية مجمعة نجد أن ميزانية البنوك الخليجية عام 2004م بلغت نحو 376 مليار دولار، وبذلك فإن موجودات العملاق العالمي الجديد ل (يو. إف. جيه) وميتسوبيشي تبلغ نحو 4 أضعاف موجودات البنوك الخليجية، وبالنظر إلى قائمة أكبر 1000 بنك التي أوردتها مجلة ذا بانكر الأمريكية، نجد أن موجودات البنوك الخليجية مجتمعة إذا اندمجت جميعها ستأتي في المرتبة الأربعين، مما يجعل منها قزماً صغيراً أمام عمالقة العالم. وعلى الصعيد ذاته فقد شهدت الدول الخليجية بعض عمليات الاندماج المصرفي وكان أهم هذه الاندماجات هو اندماج كل من (بنك مسقط) و(مصرف عمان التجاري) في بنك واحد يحمل اسم (بنك مسقط) وقدرت أصوله حينها بنحو 42.3 مليار دولار وتم الاندماج في عام 2001م ثم اندماج (البنك الأهلي التجاري) في البحرين مع (الكويتي المتحد) في لندن لتكون شركة قابضة في البحرين بقيمة 3.4 ملايين دولار ويمتلك البنك الأهلي البحريني 62.36% من حصة الشركة والنسبة الباقية وهي 38.76% يمتلكها الكويتي المتحد، هذه تعتبر أهم الاندماجات على الساحة الخليجية التي تمت خلال السنوات الخمس الماضية وهي لا تعبر عن الحاجة إلى إيجاد بنوك خليجية عملاقة تقف في وجه المنافسة القوية الآتية من انتشار العولمة، فالحاجة للاندماجات الكبرى أصبحت ملحة في هذه الأيام أكثر من ذي قبل فالاندماج له العديد من الفوائد التي يمكن رصد أهمها في الآتي: - إيجاد وحدات وكيانات بنكية كبيرة تستطيع مواجهة البنوك الأجنبية عن طريق الاستفادة من السيولة الكبيرة المحققة في اغلب الدول الخليجية نتيجة ارتفاع أسعار النفط، كما يترتب على دمج البنوك الصغيرة في كيان كبير تحسين أداء الجهاز المصرفي بصورة أفضل. - تعزيز القدرة التنافسية للبنك بعد الاندماج من خلال جعله أكثر قدرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة واستغلال مزايا الإنترنت والتجارة الإلكترونية، إضافة إلى توسيع نطاق تعاملات البنك في كل الأسواق المحلية والخارجية. - تؤدي عمليات الاندماج إلى إيجاد كيانات بنكية كبيرة تسهم في عمليات جذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السوق المحلية؛ مما يسهم في النمو الاقتصادي للدولة. - يؤدي الاندماج إلى رفع كفاءة المؤسسات المالية وزيادة قدرتها على المنافسة ومواجهة التحديات المتعلقة بتحرير الخدمات المالية في ظل اتفاقية (الجات) وفقاً لأحكام منظمة التجارية العالمية منذ عام 1995م، التي يكون الفيصل فيها بالنسبة للعملاء هو جودة ونوعية الخدمات المقدمة. وهناك العديد من الفوائد المحققة من عمليات الاندماج المصرفي ولكن يجب القول إنه على البنوك الخليجية أن تتخذ من الاندماج استراتيجية من أجل تطوير الأداء العام للبنوك الخليجية ولا تتخذ من عمليات الاندماج هدفا في حد ذاته من أجل مجاراة التطور الاقتصادي العالمي فقط، وهو ما نأمله من البنوك الخليجية.