آخر مسرحيات (الجنرال خطأ) في العراق، ما جرى في مدينة بعقوبة، من قتل لخمسة مواطنين عراقيين من عائلة واحدة، (رجلان وثلاثة أطفال)، على يد جنود أميركيين، عند المخرج الشرقي للمدينة، ثم قالوا: إنهم اشتبهوا في سيارتهم، فأطلقوا عليها النار.. مجرد خطأ لا أكثر..!! هذه ليست أول حادثة قتل تزهق أرواح أبرياء من المدنيين العراقيين، ويسدل عليها الستار، بحجة أنها كانت نتيجة اشتباه، وأنها خطأ غير متعمد..! ويكتفي جيش الاحتلال بعدها، بكلمات تأسفية واعتذارية، فقد كان للطيران الحربي للقوات الأميركية، عمليات سابقة ضد مدنيين، نسبت فيما بعد إلى (الجنرال خطأ)، الذي يتجه بنيرانه إلى صدور العزل، بدلاً من صدور الإرهابيين من أعضاء القاعدة. إن هذه الحادثة وما سبقها من حوادث مؤسفة، استهدفت برصاصها مدنيين عزل، هي فضيحة جديدة، ينبغي أن تضاف إلى سجل فضائح المحتلين في العراق، وهي تمثل قائمة طويلة، تأتي في صدارتها بطبيعة الحال، فضائح سجن(أبو غريب)، وغيرها مما يخدش الحياء، ويضع مبادئ حقوق الإنسان، التي وضعها الاحتلال في مقدمة أجندته لغزو هذا البلد، في ورطة حقيقية. إنها مفارقة عجيبة تجري بين ظهراني جيوش دولية، تقول: إنها جاءت لسحق الدكتاتورية في العراق، وتثبيت الديمقراطية والعدالة، فهي تقتل، وتقول (خطأ غير مقصود)، وهي تقف متفرجة، بينما (إرهاب الزرقاوي) يحصد آلاف الناس، فماذا أبقت هذه الجيوش بعد هذا، يختلف عما يحاكم عليه الدكتاتور صدام حسين، من مذابح ومقابر جماعية.. ؟!! لماذا لا يقف إلى جانب صدام حسين في قفص الاتهام، جنود غزاة، قتلوا برصاصهم أبرياء، وآخرون عذبوا أسرى، وانتهكوا حقوق المساجين، وإرهابيون من تنظيم القاعدة، فجروا في المساجد والأسواق، حتى تصبح المحاكمة عادلة مثلما يراد منها..؟! أين يذهب الإنسان العراقي بعد كل هذا، والموت يترصده من حيث يدري ولا يدري..؟! إذا عرف الإنسان العراقي اليوم، بأن أدوات الإرهاب التي يديرها (أبو مصعب الزرقاوي) وبقايا البعث، لن توفره حتى لو أقفل عليه بابه وسكن، وأن (الجنرال خطأ) هو الآخر، يتربص به، وأنه يمكن أن ينال منه تحت أي ظرف كان، فهل يتبقى للأمل مكان في صدره.. ؟ أدوات القتل الإرهابية في العراق، تستهدف كل من وما أمامها، فهي لديها من الحجج والمبررات، ما يجعل كل مواطن عراقي لا يحمل السلاح ويقاتل معها، محاداً لجهادها المزعوم، وموالياً للكفار والحكام الذين لا يطالهم جهادها في الغالب، وإنما يطال أهدافاً دنيا من أنفس العراقيين الأبرياء في الشرطة والدفاع والمدارس والمساجد والأسواق. أما أدوات (الجنرال خطأ)، فهي تقتل حسب المزاج، فالشك والارتياب، من مبرراتها الجاهزة - وربما الكافية - لاقتناص الضحايا، و تعذيب وانتهاك حرمات الأسرى. الغزاة سعوا منذ اليوم الأول لوصولهم إلى بغداد إلى القبض على الدكتاتور صدام حسين، وقد حققوا هدفهم الذي كان هدفاً لمعظم الشعب العراقي بدون أدنى شك، فقبضوا عليه وعلى أركان حكمه البائد، رغم ما أحاط به نفسه من أعوان وأسلحة وأموال طائلة، وهاهو اليوم في قفص الاتهام تحت أنظار العدالة. والغزاة أنفسهم الذين تمكنوا من القضاء على دولة كاملة العتاد والعدد والعدة، وتفكيك أركانها، ثم قبضوا على الطاغية فجبدوه وحبسوه، يظهرون أنفسهم وكأنهم عاجزون عن الوصول إلى (أبو مصعب الزرقاوي)، والقبض عليه وتقديمه إلى العدالة أو إراحة العراق وشعبه منه، رغم أنه لا يعد شيئاً إذا ما قيس بشعبية صدام حسين وكثرة أنصاره وأمواله، فالزرقاوي يستمد جبروته في مشروعه الإرهابي في العراق، من دعم رجال صدام حسين البعثيين وأمواله، أما عجز المحتلين عن الوصول إلى الزرقاوي، فهو أمر محير وغير مفهوم البتة، وهو لا يعدو أن يكون - ربما - نكتة طالت حتى سمجت، وحتى لو شبع الزرقاوي موتاً ومثله قبله ابن لادن فسيظل أركان حرب الغزو في العراق، مبقين عليهما حيين في أذهان الكل، حتى يتحقق لهم كافة ما يريدون داخل العراق أو خارجه. أين الزرقاوي الذي جعل منه الجيش الأميركي في العراق أسطورة.. ؟ بل أين ابن لادن الذي يحرص الغزاة على إبقائه شبحاً في الأذهان، حتى يزيد أعوانه، ويكثر أنصاره، وتتقوى بذلك مشروعية التدخل في هذا البلد أو ذاك.. ؟!! تبدو الحال في هذا القطر العربي العريق، وكأنها تتشرذم أكثر فأكثر، فالإنسان العراقي المسالم، الحالم بالحرية والعدالة والعيش الكريم، أصبح هدفاً يومياً لقناصة يخطئون أهدافهم بكثرة، ولطائرات تغير على أهداف مجهولة عندها، ولسيارات مجنونة، يعبئها إرهابيون بالمتفجرات، ويوجهونها لقتل الناس في دورهم أو مساجدهم وأسواقهم.. !! في زمن (صدام حسين)، هبط بغداد فلاح عراقي على سليقته الريفية البسيطة، فوقع المسكين فجأة، في فخ (السيد الرئيس)، لأنه كلما وجه نظره رأى (السيد الرئيس) أمامه، في الشوارع والميادين والمقاهي والحوانيت والسيارات والقطارات.. وحتى في دورات المياه، هناك صور للسيد الرئيس، وكأن العراق هو السيد الرئيس، والسيد الرئيس هو العراق.. ! ولا شيء غير ذلك. أصيب الفلاح البسيط باندهاش وصدمة عنيفة، فأخذ يركض في الشوارع كالمجنون وهو يردد بدون وعي : (شي يلمها.. شي يلمها.. شي يلمها).. ! انقض أزلام النظام على الفلاح المسكين، بعد أن شكوا في أمره، فأخذوه إلى حيث استجوبوه، فقال على البديهة : صور (السيد الرئيس) إذا مات - الله يحفظه - شي يلمها من بعده.. ؟!! وفي المشهد العراقي اليوم، ما يجعلنا نتساءل في دهشة لا تقل عن دهشة فلاح عراقي مصدوم : (شي يلمها). ولكن ليس صور (السيد الرئيس)، بل جثث القتلى، وجماجم الموتى، وأوصال الأسر التي تفككت، والذمم التي تفرقت، والسيادة التي تعطلت..؟!! العراق بعد (صدام حسين)، لا يوحي بأنه عراق مختلف كثيراً.. فالدماء تسيل ، والضحايا تتساقط، والمقابر تتزايد، والأمن ينتهك، والدمار يزيح العمار، فهناك اليوم في العراق، أكثر من (زرقاوي قاتل)، يعبث بمصير ومستقبل هذا البلد ، زرقاوي إرهابي معروف، محسوب على القاعدة، وزرقاوي أو أكثر، ب (خوذة عسكرية ) محسوبة على الأممالمتحدة، يقتنص الضحايا من باب الخطأ غير المقصود. مستقبل العراق، مرهون بالقضاء على بؤر التوتر المذهبية والطائفية التي تشكل نقطة ضعف على الخارطة السياسية، ثم دعم الحكومة المنتخبة، وإحلال قوة أمنية وعسكرية وطنية، محل القوات الدولية بأقصى سرعة.. عندها.. سوف يكشف النقاب، عن مقتل كل الزراقوة القتلة، من أبي مصعب، إلى زراقوة الجيش المحتل، إلى (ابن لادن) هو الآخر؛ لأن دواعي بقاء الأشباح قد ولى إلى غير رجعة. [email protected]