"السعودية للكهرباء" تُسوِّي جميع التزاماتها التاريخية للدولة بقيمة 5.687 مليار ريال وتحوِّلها إلى أداة مضاربة تعزِّز هيكلها الرأسمالي    لماذا تُعد الزيارات الدورية للطبيب خلال الحمل ضرورية لصحة الأم والجنين؟    تجمع حائل الصحي يحقق جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    رياح نشطة وأمطار متفرقة على بعض المناطق    انطلاق فعاليات مهرجان العسل العاشر في جازان    «سلمان للإغاثة» يدشن مشروع توزيع مواد إيوائية في باكستان    مبعوث ترامب: أمريكا تريد من أوكرانيا إجراء انتخابات بعد وقف إطلاق النار    التعليم تحدد قواعد السلوك والمواظبة للزي الوطني    إيماموف يحسم مواجهته مع أديسانيا بالضربة القاضية    إعلان المرشحين لجائزة الجمهور لأفضل محتوى رقمي    عبدالعزيز بن سعد يتوّج الراجحي بطلًا لرالي حائل تويوتا الدولي 2025    جامعة الملك عبدالعزيز تُتوج ببطولة تايكوندو الجامعات    "معرض المنتجات" بالكويت يناقش التحديات التصديرية    إنتاج العسل    وفاة صاحبة السمو الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    البريطاني «بيدكوك» بطلًا لطواف العلا 2025    في الجولة 18 من دوري روشن.. الاتحاد يقلب الطاولة على الخلود.. والفتح يفرمل القادسية    سعد الشهري.. كلنا معك    وكالة "فيتش" : التصنيف الائتماني للمملكة عند A+    «السداسية العربي»: لا للتهجير وتقسيم غزة    خلال شهر يناير 2025.. "نزاهة" تحقق مع 396 موظفاً في 8 وزارات بتهم فساد    الأحساء صديقة للطفولة يدعم جمعية درر    موكب الشمس والصمود    «بينالي الفنون».. سلسلة غنية تبرز العطاء الفني للحضارة الإسلامية    مهرجان فنون العلا يحتفي بالإرث الغني للخط العربي    إنفاذًا لتوجيه سمو ولي العهد.. إلزام طلاب المدارس الثانوية بالزي الوطني    الأسرة في القرآن    ذكور وإناث مكة الأكثر طلبا لزيارة الأبناء    ملاجئ آمنة للرجال ضحايا العنف المنزلي    ثغرة تعيد صور WhatsApp المحذوفة    خيط تنظيف الأسنان يحمي القلب    نصيحة مجانية للفاسدين    إعلاميات ل«عكاظ»: «موسم الرياض» يصنع التاريخ ب«UFC السعودية»    "نيوم" يعلن رحيل البرازيلي "رومارينهو"    قطار الرياض وحقوق المشاة !    رحيل عالمة مختصة بالمخطوطات العربية    غالب كتبي والأهلي    عندما تتحول مقاعد الأفراح إلى «ساحة معركة» !    ضوء السينما براق    كندا تبلغت بفرض رسوم جمركية أميركية بنسبة 25% اعتبارا من الثلاثاء    من ملامح السياسة الأمريكية المتوقعة..    تفسير الأحلام والمبشرات    المؤامرة على نظرية المؤامرة.. !    أمير حائل ونائبه يعزّيان أسرة الشعيفان بوفاة والدهم    أسرتا العلواني والمبارك تتلقيان التعازي في فقيدتهما    حزين من الشتا    رحل أمير الخير والأخلاق    خالد البدر الصباح: وداعًا أمير المواقف الشجاعة    اتفاقية تعاون لتوفير بيئة علاجية لأطفال القصيم    ندوة عن تجربة المستضافين    الرويلي يفتتح المسابقة الدولية العاشرة في حفظ القرآن الكريم للعسكريين    القبض على (3) إثيوبيين في جازان لتهريبهم (54.6) كجم "حشيش"    3134 امرأة في قوائم مخالفي الأنظمة    خيرية هيلة العبودي تدعم برنامج حلقات القرآن بالشيحية    ممثل رئيس الإمارات يقدم واجب العزاء في وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    رابطة العالم الإسلامي تعزي في ضحايا حادثة اصطدام الطائرتين في واشنطن    نيابة عن أمير قطر.. محمد آل ثاني يقدم العزاء في وفاة محمد بن فهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة إعلامي.. وقصص وحوادث موثقة لتاريخ الإعلام المحلي
بدر بن أحمد كريم في (أتذكر):
نشر في الجزيرة يوم 03 - 01 - 2005

أصدر الإعلامي المعروف الأستاذ بدر بن أحمد كريم كتابه (أتذكر) في جزئه الأول الذي يسجل فيه سيرته العملية كإعلامي مع توثيقه لمراحل مهمة من مسيرة الإعلام المحلي.
ذكر المؤلف في مقدمة الكتاب أسباب إقدامه على كتابة هذه السيرة فقال:
يرجع الفضل في ظهور هذه التذكرات في كتاب، إلى رجل إنسان أحترمه كثيرا، منذ أن قابلته لأول مرة قبل أكثر من ربع قرن تقريبا، وما برح هذا الاحترام وسيظل قائما. يومذاك مكنني أن يكون ضيفا على أحد البرامج الإذاعية التي قدمتها (ضيف الليلة)، هذا الرجل الإنسان هو: (سلمان بن عبدالعزيز آل سعود) وأتعمد أن أذكر اسمه دون أن تسبقه كلمة (أمير) لاقتناعي بأن إنسانيته البحتة فوق الإمارة، وفي خدمة الإنسان، فعندما نشرت هذه التذكرات بصحيفة (عكاظ) إبان شهر المحرم من عام 1422ه (مارس 2001م) وما تلاه من شهور، قال لي ذات يوم اثنين من ذلك العام (اليوم الذي اعتاد أن يستقبل فيه زواره): (حبذا لو جمعتها في كتاب).
ولما أزمعت ذلك، أمعنت النظر فيها من جديد، وأضفت ما أضفت، وشذبت ما شذبت، وتوسعت في سرد بعض التذكرات التي مرت علي، على نحو يختلف عما نشرته في (عكاظ)، ولم أحذف إلا ما رأيت إنه تكرار ممل، وبينما أنا كذلك، وقعت بين يدي الطبعة الثانية من كتاب (السيرة الذاتية في الأدب السعودي) لمؤلفه الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري، وبُعَيْد أن قرأت الصفحات الثمانين الأول منه، احترت في تسمية ما كتبت، هل هو سيرة ذاتية؟ أم ذكريات؟ أم مذكرات؟. فالسيرة الذاتية - كما قال الحيدري -: (فن نثري) وزاد قائلا: (تفرعت السيرة الذاتية إلى صيغ كثيرة، وأشكال متعددة لا تقتصر على سرد حياة الإنسان سردا تسجيليا ميكانيكيا، بل تهدف إلى الاختيار، والتركيز، والتصنيف، ومتابعة خط ذي دلالة معينة في حياة الإنسان) أما الذكريات فقال عنها: (يرى بعض الباحثين، أن السيرة الذاتية والذكريات عادة ما يستعملان بوصفهما مصطلحين مترادفين، لكن يمكن التفريق (التمييز) بينهما من خلال ملاحظة مدى اهتمامهما بالشخصية والأحداث الخارجية، فمن عادة الذكريات أن تبرز شخصيات وأحداثا، تقع خارج نطاق الكاتب وتجاربه الذاتية) إلى أن خلص إلى القول: (إن الذكريات عمادها الذاكرة، واسترجاع الأحداث بعد وقوعها بمدة من الزمن، قد تطول أو تقصر، وكاتبها لا يستعين بأشياء مكتوبة، كما هو الشأن في المذكرات واليوميات) وهنا وجدتني أرسو على شاطئ اسمه (التذكر) فكان الاسم الذي اخترته لما اختزنته الذاكرة من أحداث، إن كانت تخصني في المرتبة الأولى، فإنها ترتبط بحياتي العملية، وما ظهر فيها من أشخاص، ومواقف، وأحداث.ولقد حرصت في هذه التذكرات، ألا أضع لها منهجا معينا في الطرح والتناول، فهي تسجيل لمعظم جوانب حياتي العملية، منذ اليوم الأول لالتحاقي بالعمل في الإذاعة السعودية المسموعة (عام 1376ه - 1957م) إلى أن ألقيت عصا الترحال (عام 1418ه - 1997م) مودعا الإعلام الرسمي بقنواته الثلاث: الإذاعة، والرائي (التلفاز) ووكالة الأنباء السعودية، ولم أراع في تسجيل هذه التذكرات ترتيبا زمنيا معينا، وحتى بعض العناوين هي نفسها العناوين التي ظهرت آنذاك في صحيفة (عكاظ) إلا فيما ندر، مما رأيت معه تعديلا تتطلبه طبيعة الوقائع.والسؤال الذي أطرحه على نفسي الآن: هل بقي من تذكراتي شيء لم أقله أو لا أريد قوله؟ الجواب: نعم هناك بعض أشياء لا أود البوح بها، وأفضل أن تدفن معي في قبري، وهي بمثابة خطوط حمراء وضعتها لنفسي، إذ إنني على يقين بأنه ليس كل ما يعلم يقال، ولكن قلت ما يقرب من تسعين في المئة مما يصلح للنشر، أما الباقي فدعوه في مكامنه، وأدعوكم الآن إلى قراءة الجزء الأول من (أتذكر) فإن راق لكم فذلك ما كنت أبغي، وإن لم يرق لكم فحسبي أنني اجتهدت، وللمجتهد إن أصاب أجران، وإن أخطأ فأجر واحد، وهناك جزء ثان وربما أجزاء أخر، إذا كانت في العمر بقية.
التجربة الأولى في الإذاعة
ويذكر المؤلف تجربته الأولى مع ميكرفون الإذاعة في قصة جميلة يقول فيها:
وفي غرفة المراقبة وقف (عباس غزاوي) وبجواره (عزيز ضياء) -رحمه الله -وفي الوسط وأمام جهاز التسجيل وقف المهندس الإذاعي أحمد بن محمد كتامي الذي سألني مستفسرا: (جاهز يا أخ؟ فأجبت: -إن شاء الله- فأعطاني إشارة البدء وأخذت أقرأ.
وبعيد مضي زهاء خمس دقائق، طلب مني التوقف عن قراءة الكلام الذي كنت قد جهزته مسبقا، وضبطته بالشكل (علامات الفتحة والضمة والكسرة والشدة والسكون) وراعيت فيه ما استطعت سلامة اللغة العربية التي لم أكن وقتها قد درستها، وأبلغت أن أقرأ على الفور ودون اطلاع مسبق، ما سيقدم لي من كلام مكتوب في ورقة، وأن أشرع في القراءة فورا، فنفذت التعليمات وسط جو مشحون بالرهبة والخوف.
وعندما فرغت من القراءة ابتسم (عباس غزاوي) في وجهي، فأحسست ببعض الراحة، وإن لم تخفت حدة الرهبة ثم قال: (تصور أنك مذيع كلفته الإذاعة، ببث مباشر على الهواء، لأمطار هطلت على مدينة جدة فماذا تقول؟) وأومأ إلي ببدء الحديث.
لم يخطر ببالي أن أطالب بهذا التصور الذي - بالتأكيد - لم أكن أجيد لا فنه ولا علمه، ولكن (على نفسها جنت براقش)، فكان أن قلت كلاما لا أدري أوله من آخره، إذ تخيلت نفسي أقف في شارع قابل (يقع فيه أشهر وأهم أسواق مدينة جدة وقتها) وكل ما أتذكره أنني قلت ما معناه: هذه هي رحمة ربي تحيط بي من كل جانب، وهذه سيارات أهالي جدة تخوض في مياه الأمطار التي امتلأت بها الشوارع، وها هي الدكاكين (كنت أقصد الحوانيت، ولكنني لم أستخدم هذه الكلمة آنذاك لمحدودية مترادفاتي اللغوية) تطوقها المياه من كل جانب، والماء أصل الحياة، ومنه جعل الله كل شيء حيا، وهل أحد منا يستغني عن الماء؟، وركزت كل تفكيري على الحديث عن الماء، ويبدو أنني أعدت ما قلت أكثر من مرة، فأوقفني (عباس غزاوي) مبتسما، فيما ابتسم كذلك (عزيز ضياء)- رحمه الله-، وقال الاثنان: (مبروك)، فكدت أسقط مغشيا علي من الفرح.
موقف طريف
ومن المواقف الطريفة في أحد البرامج الإذاعية التي كان يقدمها الأستاذ بدر كريم يذكر في الكتاب قصة يقول فيها:
في إحدى حلقات برنامج (ألف مبروك) كانت التهنئة بالزفاف موجهة إلى رجل متزوج (يسكن مدينة جدة وهو معروف إلا عندي) وله أبناء وأحفاد، وعندها قامت الدنيا ولم تقعد، وهب أهل الزوجة والأبناء لاستقصاء الحقيقة من البرنامج، وانبرى الرجل يطلب من الإذاعة تبرئته من هذه التهمة!! وإلا فسيلجأ إلى القضاء طالبا حقه من معد ومقدم البرنامج الذي كما قال: (مرغ سمعتي في التراب، ووصمني بما ليس في)، وهو سعيد في حياته الزوجية، ويقدر زوجته وهي تقدره أيضا تقديرا جما، وبينهما مودة ورحمة، ومن ثم فهو لا يفكر في التعددية الزوجية، لانتفاء الأسباب الموجبة لها.
واعتذر المسؤولون في الإذاعة، ومعد ومقدم البرنامج للرجل عن هذا الخطأ غير المقصود، وذلك في لقاء كان فيه مع الرجل، البعض من أهل زوجته وأبنائه، وعلى إثر ذلك كاد المسؤولون في الإذاعة، أن يتخذوا قرارا بإيقاف البرنامج (سدا للذرائع)، وجوبهت بلوم حاد بسبب ما أقدمت عليه من تصرف، ولم يشفع لي جهلي بعدم معرفتي بالوضع الاجتماعي للرجل، ثم رُئي - بعد الاعتذار للرجل علنا في حلقة تالية من البرنامج - توجيه نداء للمستمعين، بضرورة الكف عن هذا المزاح السخيف والتقليد الأعمى (كانت كذبة أبريل - نيسان قد أخذت آنذاك في الزحف على المجتمع السعودي)، واستمرت إذاعة البرنامج، شريطة أن أتأكد شخصيا من صدق ما يجيء في الرسائل، ولكن أنى يكون لي ذلك، ومعلوماتي محدودة وقتها عن الأسر المعروفة، في مدن المملكة عموما، ومدينة جدة على وجه التحديد خصوصا؟
قصة مع الملك فيصل
ويكشف المؤلف لأول مرة في هذا الكتاب عن حادثة وقعت له مع الملك فيصل تثبت انتفاء الخصوصية التي كان يقال: إنه يتمتع بها عنده فيقول:
فلقد كنت بصحبته خارج المملكة عام 1390ه (1970م) بوصفي رئيسا للوفد الإعلامي، عبر رحلة امتدت زهاء عشرين يوما، فاتني خلالها أداء اختبار شهادة الكفاءة المتوسطة (منازل - نظام ثلاث سنوات)، وعندما أوشكت الطائرة على الاقتراب من مطار جدة (قبل إنشاء مطار الملك عبدالعزيز الدولي الحالي) وأخذ الوفد الإعلامي الرسمي أهبته استعدادا للنزول، توجهت صوب الملك فيصل، وفي يدي ورقة تحمل بضعة سطور مفادها: أنني أرجو منه أن يبلغ وزارة المعارف، بأن تجري لي اختبارا خاصا، نظرا لأن الاختبار فاتني، بسبب تكليفي بمتابعة زيارته إعلاميا، وكنت أعتقد - ربما بغباء وسذاجة وربما بإفراطي في الثقة الزائدة بالنفس!! - أن الملك فيصل سيكتب على الورقة فورا، وعاجلا غير آجل عبارة: (معالي وزير المعارف لا مانع من ذلك) أو (يعتمد ذلك) وتنتهي القضية، هكذا بكل بساطة!!
وقبيل أن تهبط الطائرة، صافحته قائلا: (الحمد لله على السلامة) فرد: (شكرا، الله يسلمك)، ثم قدمت له الورقة دون أن أنبس ببنت شفة، فقد كان الملك فيصل لا يحبذ أن تكتب له شيئا ثم تشافهه بما كتبت، بل كان يفضل أن يقرأ ولا داعي لتسمعه، طالما كتبت ما تريد، فأخذ في قراءة الورقة مرتين، حتى إذا فرغ منها قلبها على وجهها، ووضعها على طاولة كرسي الطائرة الذي أمامه، ثم ولى وجهه شطر نافذة الطائرة ينظر إلى السماء، فيما ظللت واقفا كلوح من الخشب!! أنتظر الرد حتى أعياني الوقوف، ولما لم أسمع منه كلمة واحدة، انسحبت بهدوء، ولكني - أصدقكم القول - كنت أغلي من الداخل، إذ سرعان ما قفلت راجعا بخفي حنين.
لقد لمت نفسي كثيرا في إقدامها على هذا التصرف، الذي لم أستشر - قبل الإقدام عليه - أحدا من المسؤولين في الديوان الملكي، أو المراسم الملكية، بيد أن اللوم الآن لا يجدي نفعا، فقد سولت لي نفسي الإمارة بالسوء، أن الملك فيصل أجهض أحلامي في الحصول على شهادة الكفاءة المتوسطة، بعد أن كنت أتوقع - وكذلك بعض الناس المحيطين من حولي - إنني طفل مدلل!!.
عدت إلى مقعدي في الطائرة، تنتابني مشاعر الحسرة والألم، وحدثت نفسي قائلا: كيف لا يحقق الملك فيصل - وأنا الذي يقول الناس عنه: المذيع الخاص له - أحلامي، ويهزم طموحاتي، ناهيك عن أنه لم يرد علي ولو بكلمة واحدة، أو بإيماءة أو إشارة، سواء أكانت سلبا أم إيجابا، ولكن ما لي أذهب بعيدا، ألم يعرف عن الملك فيصل الصمت حتى قيل عنه: إن صمته في كثير من الأحيان أبلغ من كلامه؟ ألم يقل أحد حكماء العرب: (من علامات العاقل حسن سمته وطول صمته)؟
وبعد مضي حوالي الشهر على تقديمي تلك الورقة للملك فيصل، وبينما كنت في مكتبي بإذاعة جدة، هاتفني وزير الإعلام إذ ذاك (إبراهيم بن عبدالله العنقري) راغبا مني الصعود إلى مكتبه، وحينما سلمت عليه، طلب مني الجلوس ثم فتح درج مكتبه، وأخرج رسالة دفع بها إلي قائلا: (اقرأ هذه من فضلك)، فإذا هي تحمل توقيع الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء آنذاك (صالح العباد- رحمه الله- جاء فيها: (كان المذيع بدر بن أحمد كريم قد تقدم إلى جلالة الملك بطلب إجراء اختبار خاص لشهادة الكفاءة المتوسطة، نظرا لتغيبه عنه بسبب ظروف خاصة، وبإحالة الموضوع إلى معالي وزير المعارف (حسن بن عبدالله آل الشيخ) أفاد بأن نظام الاختبارات، لا يجيز إجراء ثلاثة اختبارات في العام الدراسي الواحد ولكن تقديرا للظرف الذي مر به المذكور، يمكن السماح له بدخول اختبار الدور الثاني بكامل المواد الدراسية وبعرض الموضوع على أنظار جلالة الملك، أمر بإفهام بدر ذلك).
أول نصيحة
يتذكر المؤلف أول نصيحة وجهت له أثناء مسيرته في الإذاعة فيقول:
وأتذكر أن أول نصيحة وجهت إلي، كانت حين تلقيت دورة إذاعية، في معهد التدريب الإذاعي بالقاهرة عام 1381ه (1961م) بصحبة الإذاعي المعروف يحيى حسن كتوعة- رحمه الله-، وأربعة من الفنيين هم: محمود أحمد فودة، وأحمد محمود نوري، وسالم باوزير، ومحمد الغامدي، هذه النصيحة تقول: (حين تدلف إلى استديو الإذاعة، لا بد أن تنسى أن أباك يعاني سكرات الموت، وأن زوجتك أجهضت، وأن ابنك أخفق في الاختبار، وأن صديقا عزيزا عليك ذهب لتوه ضحية حادث مروري) وهذا معناه أن من يعمل في الحقل الإذاعي، عليه أن يواجه المستمعين من وراء لاقط الصوت (المايكرفون) وهو مبتسم، مرح بشوش، طلق المحيا، فهل في قدرته أن يفعل ذلك؟ أليس هو بشر يتأثر ويؤثر؟ وكيف يستطيع أن يخفي هذه المؤثرات من نبرات صوته؟ ألا يمكن أن تترك آثارا نفسية حادة عنده؟
عندما طرحت هذه الأسئلة على الإعلاميين: محمد محمود شعبان وعبدالحميد الحديدي- رحمهما الله- قالا: (أنت يا عزيزي المذيع صاحب متجر، يضم مقتنيات مهمة، تبيعها للناس بثمن باهظ، ويفترض أن تعرضها عليهم بأسلوب جذاب، ووفق أرفع مقاييس التسويق، فهل يعقل أن تقابل الزبون وأنت عابس الوجه؟ ألا ينصرف عنك الزبون في هذه الحالة إلى بائع آخر؟ وإذا فعل ذلك فهذا معناه كساد بضاعتك، بينما مهمتك الأساسية أن تروج لها، وأن تسوقها بأسلوب يجعل الزبون يقبل عليك، ولا ينصرف عنك).
لماذا ألغى عمدة نيويورك التزاماته إزاء الملك فيصل؟
تحت هذا العنوان يكتب المؤلف متذكرا قصة إبان زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز- رحمه الله- إلى الولايات المتحدة الأمريكية فيقول:
اليوم: الخميس 26 من شهر ربيع الأول من عام 1386ه (14 يولية 1966م).
المكان: فندق هيلتون واشنطن.
الزمان: الساعة الواحدة بعد الظهر بتوقيت واشنطن.
المناسبة: حفل غداء أقامه نادي الصحفيين الأمريكيين للملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، بمناسبة زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، إبان ولاية الرئيس ليندون جونسون، يعقبه مؤتمر صحفي يعقده الملك فيصل.
الساعة الثانية عشرة بعد الظهر كنت في قاعة المؤتمر، لم يكن معي مهندس إذاعي للصوت، فجهاز التسجيل أحمله على كتفي، ولاقط الصوت في يدي، وأشرطة التسجيل في جيبي، فما هو السبب؟
لقد طلب من وزارة الإعلام، أن يكون وفدها لمتابعة هذه الزيارة محدودا للغاية، فشكلت الوزارة الوفد من : صاحب هذه التذكرات، واثنين من رؤساء تحرير الصحف السعودية، ومصور تلفازي، ومصور صحفي، أي أن الوفد يتكون من خمسة أشخاص فقط، وكانت هذه أول وآخر مرة يصل فيها عدد أعضاء الوفد الإعلامي، المكلف بمتابعة زيارة للملك فيصل إلى هذا العدد.
وفي ضوء ذلك كان علي القيام بالوظائف التالية: رئيسا للوفد، ومذيعا في الإذاعة والرائي، ومهندسا إذاعيا للصوت، ومحررا للأخبار، ومساعد مصور (حامل إضاءة كاميرا التصوير التلفازية)، وكانت أخبار زيارات الملك فيصل - قبل إنشاء وكالة الأنباء السعودية - تقدم تحت صيغة (جاءنا من مندوب الإذاعة المرافق ما يلي) ثم تذاع المادة الإخبارية، سواء أكانت خبرا أم حديثا صحفيا أم مقابلة، وفق القوالب المعروفة للعمل الصحفي.
وفي قاعة المؤتمر وضعت لاقط الصوت على المنصة، التي سيجلس عليها الملك فيصل، وبجانبه سفير المملكة في واشنطن (إبراهيم السويل)- رحمه الله-، وأجريت تجارب على جهاز التسجيل كي أتأكد من صلاحيته، ووضعت في الجهاز شريط تسجيل مدته نصف ساعة، وكنت أمني نفسي ألا تطول مدة اللقاء الصحفي أكثر من ذلك، فلا جهاز تسجيل احتياطيا معي
وهذا يعني أنه في حالة استمرار اللقاء الصحفي أكثر من نصف ساعة، أن هناك فقرات لن أتمكن من تسجيلها، ولتلافي هذا الموقف رجوت سفير المملكة في واشنطن (إبراهيم السويل)- رحمه الله- استئجار جهاز تسجيل صوتي، من إحدى شركات الإعلام الأمريكية، فجاء مهندس الصوت ومعه الجهاز، فابتسم وقال كلاما لم أفهمه، وإن كنت قد عرفت أنه باللغة الإنجليزية، وهذا لا يحتاج إلى ذكاء خارق!! لكن حصيلتي من اللغة الإنجليزية لا تتجاوز: ؟
Good How Morning you ar name BADR.
I work at Saudi Ministry of Information
وكان الله بالسر عليما،حتى إذا استمر صديقي الأمريكي في الحديث، أخذت أهز راسي، وأنا أقول: Yes, Yes, Yes وأنتم تعرفون أن بعض الناس يهمزون رؤوسهم لأنهم فارغون، وأنا واحد منهم.
في هذا الموقف أحسست بازدراء لنفسي، قلت مخاطبا إياها في لوم وتقريع شديدين: إلى متى أصبح جاهلا؟ هل يليق بإنسان لقبه (رئيس الوفد الإعلامي للملك فيصل) أن يكون على هذا النحو من الفقر المدقع للغة الإنجليزية؟ ألا أخجل من هؤلاء الذين يعتقدون أني فاهم وأنا أجهل الجاهلين؟ وإلى متى أستمر على هذه الشاكلة؟ أليس بوسعي أن أجمل نفسي بالتحول من الجهل إلى شيء من العلم؟ إن دروسا خصوصية في اللغة الإنجليزية - لا تكلفني كثيرا من المال - من شأنها أن تجعلني (بلبل لغة إنجليزية)!!
وأحسست بهذا الازدراء على نحو أشد، يوم أن كنت الشخص الثاني عشر، في قائمة الشخصيات التي دعيت لمأدبة غداء أقامها روكفلر (رئيس مجلس إدارة بنك تشيز مانهاتن) وجاءت إلى القاعة التي كان يقف فيها الملك فيصل لمصافحة مستقبليه، ابنة روكفلر تتجاذب معي أطراف الحديث، وما درت أني (أمي لغة إنجليزية)!! فأنقذني المترجم الخاص للملك فيصل (عبدالعزيز ماجد) رحمه الله، الذي استندت به وأنا أقول لنفسي: (استح) ولو لم يتلطف (أبو ماجد) بتخليصي من حرج الموقف، لظللت أكرر على مسامع ابنة روكفلر: Yes, Yes, Yes إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
بعد عودتي إلى جدة، أحضرت دروسا في اللغة الإنجليزية، مسجلة على أشرطة (كاسيت) حرصت على وضعها في السيارة، وفي طريق الذهاب والإياب من وإلى الإذاعة، أسمع وأحفظ بعض كلمات، فتكونت عندي حصيلة لا بأس بها من اللغة الإنجليزية، استطعت أن أنميها - بشكل مقبول - عبر الدراسة المتوسطة والثانوية (منازل) ثم القراءة، والاطلاع، وما زلت حتى اليوم طالبا ينمي لغته الإنجليزية.
ما أتذكره في مأدبة غداء نادي الصحفيين الأمريكيين بواشنطن، أنني علمت من سفير المملكة في واشنطن (إبراهيم السويل)- رحمه الله-، أن الملك فيصل رفض فكرة الاطلاع مسبقا على أسئلة الصحفيين وقال: (ليس عندنا ما نخفيه، فإن قالوا عنا أخطاء فلنبحث عنها، فإن كانت فينا فعلينا أن نصلحها، وإن لم تكن فهم يقولون عنا ما ليس بحق).
وما زلت أتذكر إجابة للملك فيصل في هذا اللقاء، إذ سأله أحد الصحفيين، عن رأيه في اليهود الأمريكيين الذي يساعدون إسرائيل فأجاب الملك فيصل:
(إن جميع من يساعدون إسرائيل ويساندونها هم أعداء لنا) وعندما أفضى الملك فيصل بهذا التصريح، قامت قيامة اليهود في أمريكا، واضطر عمدة مدينة نيويورك وحاكم ولايتها - تحت ضغط اليهود - إلى إلغاء التزاماته الرسمية إزاء الملك فيصل، ومها عدم استقباله حينما جاء إلى نيويورك، التي عندما وصل الملك فيصل إليها كانت هناك لافتات مكتوب عليها: (عد إلى بلدك يا فيصل).
أما الإجابة الثانية التي ما زلت أتذكرها، فهي رده بكلمة واحدة (نعم) على سؤال لصحفي عما إذا كانت المملكة ما زالت تقطع أيدي السارقين؟ لقد أراد ذلك الصحفي أن يضع الملك فيصل- رحمه الله-، أمام أكثر الأمور تحديا لحضارة القرن العشرين، فكان الجواب:
نعم، نقطع يد السارق، ونقيم حد القتل لمن يقتل إنسانا بغير حق، فالنفس بالنفس، والعين بالعين، والسن بالسن، والجروح قصاص، ونعزر من يحكم عليه القضاء بالتعزير، لأن هذا حكم الله، وليس حكم ملك أو رئيس أو زعيم).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.