لقد ترددت أكثر من مرة للكتابة عن موضوع لا يخفى على الجميع أهميته باعتباره وسيلة من الوسائل المستخدمة حديثاً وقديماً لضبط الأعمال الإدارية والمالية في القطاع العام والخاص، إنها قسم التفتيش سابقاً وجهاز المتابعة حالياً. ولعل اقتناع المسؤولين عن هذا المسمى له مبرره. ولكن الذي أريد الوصول إليه من خلال هذا المقال هو عمل هذا الجهاز والمهام التي يقوم بها، إن عامة الناس لا يدركون العمل الحقيقي الذي يقوم به المسؤولون عن مهمة المتابعة وهو بصفة عامة الوقوف على الحالة النظامية التي يطبقها هذا القطاع أو ذاك وهل هي مطابقة للتعليمات المعمول بها أم لا، وإخضاع كل شيء للنظام. وقديماً كان لهذا الجهاز هيبة كبيرة ويخاف منه جميع الموظفين وبالأخص المسؤولين عن شريحة معينة من الموظفين، أي كان تخصصهم سواء إداريا بحتا أم ماليا بحتا أم خليطاً من هاذين التخصصين معاً لأنه يعتمد على مبدأ المفاجأة لتلك المصلحة ليقف على حقائق الأمور بطريقة مباغته لأنه من المفترض أن يسير كل شيء على حسب النظام سواء اجري له تفتيش أم لا، ولكن ومن طبيعة البشر هناك المتكاسل وهناك المتهاون وهناك المستهتر بالعمل وهناك الجاد في عمله، ولذلك أحدثت الدولة مثل هذا الجهاز حتى تسير أمور الناس ومصالحها طبقاً لما رسم لها وليطمئن كل على حقوقه. والذي أريد أن أصل إليه من خلال هذه الأسطر التي قد تكون محقة وقد تكون خاطئة وفي كلا الحالتين لا تمثل إلا رأياً شخصياً بحتاً. إن المتأمل الآن لحالة قسم المتابعة في كثير من المصالح الحكومية يجد أن معظم أدواره سلبية لأنه لم يعتمد على مبدأ المفاجأة إنما قد يشعر رئيس المصلحة بأن فريق المتابعة سوف يقوم بزيارة لتلك المصلحة في الوقت الفلاني ويبدأ رئيس تلك المصلحة ومنسوبوها بالتهيئة لهذه الزيارة وتعديل أوضاعهم بحيث لا يلاحظ الزائر من قسم المتابعة أي أمور مخالفة للنظام ويتحفز منسوبو هذه المصلحة للزيارة المرتقبة وفي النهاية يخرج الزائر بصورة ايجابية قد لا تترجم الواقع الفعلي لهذه المصلحة الحكومية أو الخاصة. إن ديننا الحنيف ومرجعه القرآن الكريم أشار في كثير من آياته الكريمة الى العقاب والثواب، الثواب للمحسنين والعقاب للمسيئين. ومن هذا المنطلق فإن أي عمل يخطط لنجاحه واستثماره استمثاراً مفيداً لابد بأن يأخذ هاذين المبدأين قاعدة له.لذلك كيف يطلع جهاز المتابعة على الحالة الحقيقية لأي قطاع وهو يشعره مسبقاً بأنه سوف يقوم بزيارته وتفقد أحواله. إن الزيارة المفاجئة تكشف الأمور على وضعها الطبيعي الذي تسير عليه إن كان جيداً أو عكس ذلك. وقد يقول قائل إن الزيارة المفاجئة لا يقبلها الجميع من مبدأ بأنها نوعاً من التجسس، وهذا غير صحيح لأن جميع رؤساء المصالح والمواطنين اغلبيتهم يعلمون بمهام ذلك الجهاز.