صحبت أخي وقريبي سليمان العبد الرحمن القاضي في عدد من مراحل قضيته الأخيرة في مقتل ابنه، وكيف كان سير القضية بدون عوائق ولله الحمد منذ بدايتها في جميع جهات الدولة ولدى ولاة الأمر فيها . ولا شك أن ذلك نعمة عظمى تستحق الشكر وتبعث على الطمأنينة حتى يعلم الجميع أن المرجع هو الحكم الشرعي الذي لا يمكن لأحد مهما علا مقامه أن يتجاوزه . ولعل ذلك أبرز ما يحقق للمجتمع توفيق الله بحفظ الأمن والحماية من المخاطر {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} . لكن وقفتي اليوم مع أمر لمسته دائما في حال الأخ الموفق بإذن الله (أبي تميم) سليمان العبد الرحمن القاضي وهو ملازمته الدائمة للاستخارة في جميع أموره خلال مراحل نكبته بفقد ابنه منذر رحمه الله فكان لا يقدم على أمر يتعلق بها إلا بأداء ركعتي الاستخارة ، مؤمناً بأن الاستخارة سنة نبوية فداوم عليها طالباً توفيق الله له في كل خطوة يخطوها متوكلاً على ربه نحسبه كذلك والله حسيبه ، واثقاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:(إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب . اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبتي أمري - أو قال (عاجل أمري وآجله، فقدِّره لي ويسِّره لي، ثم بارِكْ لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري) - أو قال - (عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه وقدِّر لي الخير حيث كان ثم أرضني به) قال: ويسمى حاجته) رواه البخاري. ولعل خاتمة المسك ذلك المشهد في ساحة العدل بالصفاة والسياف واقف بسيفه والجاني قد حنى برأسه ينتظر حكم الله فيه فلم يكن يقين أبي تميم بصدق تنفيذ شرع الله حينئذ بمانع له من أن يكرر استخارته لله وتضرعه إليه باتخاذ القرار المناسب بعد أخذ الرأي ، فكانت صلاة الاستخارة بمدتها المناسبة أمام الجموع المحتشدة ليعلن بعدها قراره بالعفو عن طيب خاطر بعد أن قدر على التنفيذ راجياً إصلاح الجاني وزيادة الأجر من الله بعد أن قادته الاستخارة لذلك وهكذا يكون العفو. ولقد كانت صلاة الاستخارة درساً لنا جميعاً بأهميتها وضرورتها في جميع أمور الحياة حين نتجرد من ضغوط واقعنا ومتطلبات حياتنا الدنيا لاجئين بهمومنا إلى علام الغيوب سبحانه وتعالى نستخيره بعلمه وقدرته ونسأله الفضل العظيم.. نضع حاجاتنا حين الحيرة عند من بيده تقدير الخلائق بإيمان وصدق وثقة بأنه جل وعلا لن يضيعنا، فلنبشر حينئذ بأن الله سيختار لنا الأفضل فهو العالم بأحوالنا حتى لو خالف الأمر رغبتنا. قال تعالى {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} إنها دعوة لنا جميعاً لنتخذ من الاستخارة عونا لنا في شؤون حياتنا وما نريد أن نقدم عليه أو نتركه فرأي الإنسان ضعيف وإدراكه للمصلحة قد لا يتحقق بكل حال . ولذلك قال جابر رضي الله عنه في الحديث السابق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن . وإن مما يكمل الاستخارة ويزيدها توفيقاً الاستشارة لمن يوثق برأيهم وتعرف أمانتهم فذلك من عظيم التوكل على الله بفعل السبب وتلكم سيرة نبينا محمد وقدوتنا صلوات الله وسلامه عليه في جميع أموره مطبقاً أمر ربه تعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} وقد وجد الناس خير هذين الأمرين في حياتهم لذلك قالوا (ما خاب من استشار ولا ندم من استخار) فاجتناب الخيبة والندم يكون بالحرص والمداومة على الاستشارة والاستخارة. نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعاً للأخذ بالأسباب المناسبة لإصلاح أحوالنا وبلادنا وأن يحمي أرضنا ومقدساتنا من كل مكروه.