مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    نيوم: بدء تخطيط وتصميم أحياء «ذا لاين» في أوائل 2025    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    رتال تختتم مشاركتها كراعٍ ماسي في سيتي سكيب بإطلاق حزمة مشاريع نوعية بقيمة 14 مليار ريال وتوقيع 11 اتفاقية    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    القمر البدر العملاق الأخير    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    المملكة تواصل توزيع الكفالات الشهرية على فئة الأيتام في الأردن    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    جامعة أمّ القرى تحصل على جائزة تجربة العميل التعليمية السعودية    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    الخرائط الذهنية    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    باندورا وعلبة الأمل    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    لماذا فاز ترمب؟    علاقات حسن الجوار    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكثر من 300 عين جارية ساهمت في ازدياد الرقعة الزراعية
حمم بركانية نادرة يقذفها جبلا «الأبيض والبيضاء» و طبيعة أرضها البركانية جعلتها أكثر خصوبة
نشر في الجزيرة يوم 29 - 07 - 2003


حلقات أعدها: طلال حميد البلوي صورها: صيفي الشلالي
في هذه الحلقة نتحدث لكم أولاً عن الزراعة والعيون وانظمة توزيعها في خيبر وثانياً نتحدث عن مقومات خيبر السياحية.
العيون والزراعة
نستطيع القول بأن خيبر هي مدينة العيون والنخيل ولعل طبيعة ارضها البركانية جعلت منها ارضا خصبة للزراعة مع توفر المياه من عشرات العيون التي لايزال جزء منها يتدفق منه الماء الى اليوم، وفي هذه الحلقة سنتناول العيون ونظامها وأهم المنتوجات الزراعية.
كانت الزراعة في خيبر تعتمد على العشرات من العيون الكبيرة والصغيرة دائمة الجريان في خيبر والتي يستفاد منها في سقي واحات النخيل ولعل من اهمها «اللجيجة - البركة - عين علي - الهامة - البحير - عين الريا - عين ابراهيم - عين المستقى - السليل - شباث - الجمة - برديده - ام حكيم - البلالية - سمحة...»، وقد قدر اجمالي عدد العيون بخيبر بما يزيد عن 300 عين دائمة الجريان الا ان بعض العيون اضمحلت واندثرت وبدأ بعضها بالاضمحلال والاندثار نتيجة حفر الآبار الارتوازية في مناطق تغذيتها والاستخدام الجائر للمضخات الحديثة مما تسبب في هدر واضح لمخزون المنطقة من المياه.
وجبات العيون بين المزارعين:
تحكم الاهالي في خيبر بعض العادات والاعراف التي تسير حياتهم ولعل من اهم هذه الاعراف اسلوب الري والمساقاة الذي من خلاله يتم تقسيم مياه العيون.
فمزارع النخيل في المجموعة الواحدة تسمى «خيف» والخيف يمتد احيانا الى عدة كيلو مترات. وتسقى نخيل الخيف الواحد من عين واحدة او اكثر بحيث يضمن كل مالك وصول الماء اليه في الوقت المحدد.
ويتم توزيع فترة اليوم والليلة الى وجبات، «واحدتها وجبة وقد يجمعها الاهالي احيانا اوجاب» تبدأ من طلعة الشمس، ثم ربع الضحى ثم النص «نصف»، وهذه الوجبات لما قبل الزوال، ثم بعد ذلك ربع العصر ثم الصفيراء ثم الغيبة اي غيبة الشمس. هذه الوجبات السبع جميعها في فترة النهار. اما وجبات الليل فهي ربع الليل، نصف الليل، السدة، وبعدها طلعة الشمس مرة اخرى.
ويتم توقيت هذه الوجبات خلال النهار عن طريق قياس الظل بالاقدام، وهذا القياس دقيق نوعا ما، ويكون التحكم في الوقت ليلا عن طريق النجوم وتلعب الخبرة دورها في هذا المجال. وقد اشار شارلز داوتي لهذا الامر وذكر دقته نهارا وانه في الليل تقل الدقة فيه.
ولا تخضع العيون للملكية في العرف السائد حتى وان كانت داخل ملك شخص ما، بل ان كثيرا من العيون يكون منبعها داخل بلاد «تسمى المزرعة الواحدة بلاد» لا تسقى منها ومع هذا فمالك البلاد مسئول عن اعطاء الفرصة لاعمال الصيانة وعدم المعارضة في حال دخول شخص ما لامر يتعلق بالعين.
السدود القديمة
تتميز محافظة خيبر بوجود آثار باقية الى اليوم لسدود ضخمة انشئت في وسط عدد من الاودية الكبيرة في خيبر، وهذه السدود لم تحظ بالاهتمام والبحث والدراسة عن تاريخ بنائها ولا توجد حتى لوحات ارشادية تدل الزائر على مكان وجودها ولعل من اهمها:
سد القصيبة: ويسمى ايضا وادي البنت، وقد شيد على مجرى ضيق لوادي الغرس في حرة خيبر الى الجهة الجنوبية الشرقية لمدينة خيبر نفسها ويعد من اكبر واقدم السدود الاثرية في المملكة العربية السعودية، ويبلغ طول السد الاصلي حوالي 300 متر بقي منه حوالي 170 مترا السد عالي الارتفاع من بطن الوادي الى مستوى الحرة حيث يصل ارتفاعه الى حوالي 30 مترا والسد مدرج من كلا الواجهتين، وتم اضافة طبقة من الملاط في الجهة المحاذية لحجز المياه والسد هرمي الشكل بحيث تزداد سماكته عند القاعدة وتقل كلما ارتفعنا الى اعلى وقد تعرض السد عبر العصور للكثير من التدمير واختفت بعض مرافقه الاخرى ولكنه يظل شاهدا على العلوم الهندسية عند العرب والمسلمين والدقة في التنفيذ ومن خلال المشاهدة يتضح أن السد كان يحتجز خلفه بحيرة كبيرة الحجم ادت الى استصلاح الاراضي وزيادة خصوبتها وبالتالي نجحت الزراعة في العصور الاسلامية المبكرة في منطقة المدينة المنورة.
- سد الحصيد: ويقع الى الشرق من طريق المدينة/ خيبر، وهو على بعد 14 كيلومترا تقريبا الى الجنوب من خيبر، ويبلغ طول السد حوالي 60 مترا وارتفاعه حوالي 10 امتار، بقي هذا السد قرونا عدة على حالته الطبيعية وقامت وزارة الزراعة قبل اكثر من عشرين عاما بترميم للسد واصبح له اهمية خاصة في حجز المياه وتوفيرها للزراعة وانماء الحياة الفطرية.
- سد المشقوق: وهو من سدود خيبر التي عمرت في العصر الاسلامي المبكر، وقد اقيم على احد روافد شعيب حلحال شرق خيبر، ويصل طول السد حوالي 100 متر وعرضه 10 امتار.
لقد اصبحت الزراعة هي المهنة الرئيسية للسكان، ويقل تعاطي التجارة بشكل احترافي بينهم فنجد ان طبقة التجار في الغالب هي من المستوطنين في البلدة.
وبالاضافة الى الزراعة فإنهم مهرة في الحرف اليدوية التي يحتاجون اليها. فقد برز فيهم بناؤون مهرة ونجارون يتقنون الصنعة بشكل يثير الاعجاب الا أن ذلك كان محصورا على الاحتياج المحلي فقط.
السياحة
ربما يتساءل البعض بقوله: نعرف ان في خيبر مقومات اثرية تتمثل في حصونها القديمة ولكن ان تكون فيها مقومات سياحية طبيعية فهذا امر يدعو للغرابة.
ولكن هذاالشرح الذي سنعرضه عن حرات خيبر وكهوفها والذي زودنا به احد ابرز المهتمين بالتعريف بمحافظة خيبر وابرازها اعلاميا انه الاستاذ/ صيفي بن عيسى الشلالي مدير مركز الاشراف التربوي بخيبر ومؤسس موقع محافظة خيبر على الشبكة العالمية «الانترنت» وعنوان الموقع هو:«www.khaybar.com» ومصور حلقات خيبر هذه والذي حتما سيغير نظرتكم الى خيبر من الناحية السياحية، نتركم الآن مع «الشلالي» اذ يقول:
اولا- اود في البداية اعطاءكم نبذة جغرافية عن خيبر:
يتكون سطح خيبر بصفة عامة من الحرات التي تكونت بفعل الثورات البركانية التي حدثت في عصور جيولوجية سحيقة، فعندما بدأ ما يسمى اليوم بشبه الجزيرة العربية بالانفصال عن افريقيا خلال الزمن الاركي بدأت التحركات الارضية الشديدة في المنطقة على شكل زلازل وبراكين.
هذه التحركات بدأت منذ ملايين السنين حيث ادت الى ظهور الفجوة الفاصلة بين افريقيا واسيا او ما يسمى اليوم بالبحر الاحمر ولازالت تدفع بشبه الجزيرة العربية بعيدا عن افريقيا. فيما ظهرت جبال السروات كتعويض لهذه الفجوة. كما ادت هذه التحركات الارضية الى الثورات البركانية المصاحبة التي بدأت هي الاخرى منذ حوالي 20 مليون عام مشكلة الحرات التي تتناثر على طول الجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية اذ سالت حممها البركانية على سطح الارض ومن ثم تصلبت على هيئة آكام وهضاب ذات صخور بازلتية تعرف باسم الحرات. ومنها حرة خيبر.
لعل طبيعة التكوين الجيولوجي للمنطقة من اهم وابرز العوامل التي اكسبت خيبر هذه الميزة الزراعية، اذ تتميز اعالي حرة خيبر التي تعرف بالعثمور وجبل الرأس الابيض وجبل القدر وجبل البيضاء بجمالها الخلاب واعتدال جوها في فصل الصيف فهي شديدة البرودة في الشتاء، ذات هواء معتدل عليل في اشد فترات فصل الصيف حرارة نظرا لارتفاعها الذي يصل الى 2000 متر فوق سطح البحر.
ولو تم تهيئة المسالك اليها واحسن استغلالها فإنها تعتبر احدى اهم مناطق الاصطياف في منطقة المدينة المنورة، ولاسيما ان الارتفاع انسيابي وليس ذا طبيعة جبلية كما هو الحال في المناطق المرتفعة الاخرى، الامر الذي يجعل بلوغ هذا الارتفاع بالسيارات امرا ميسورا، فبمجرد بلوغ سنام هذه الهضبة يلاحظ التغيير الشديد في درجة الحرارة. والمنطقة لا تعتبر منطقة اصطياف لاعتدال جوها فحسب بل ولتوفر الغطاء النباتي وتباين اشكال الطبيعة فيها.
لقد اضفى هذا التكوين الجيولوجي على المنطقة كما هو الحال في كافة مناطق الحرات ميزتين هامتين هما: خصب التربة نتيجة الرماد البركاني المصاحب للثورات البركانية والاخرى وفرة المياه الجوفية المترسبة بعد الامطار في الاخاديد والكهوف تحت الارضية المتكونة بفعل تجمد الحمم البركانية، اذ تتفجر المياه عيونا جارية في المناطق المنخفضة والتي اصبحت فيما بعد واحات نخيل دائمة الخضرة.
ثانيا - رغم انني من اهالي محافظة خيبر هذا الجزء من هذا الوطن الغالي لا اخفيكم سرا اذا قلت لكم بأنني اصبت بدهشة بالغة عندما اكتشفت جهلي الشخصي بمقومات خيبر السياحية سواء كانت المقومات الاثرية التي تتمثل في بقايا الحصون القديمة التي فتحها النبي صلى الله عليه وسلم ولاتزال بعض شواهدها قائمة الى اليوم، ام في المقومات الطبيعية التي سأحدثكم عنها في هذه الحلقة من حلقات خيبر بصحيفة «الجزيرة» التي اعطت مشكورة محافظة خيبر هذه المساحة الطيبة لتتعرفوا على تاريخها وطبيعة ارضها فإنني اود الحديث لكم عن مقومات خيبر الطبيعية، واذا كانت المقومات الاثرية معلومة من خلال المصادر التاريخية وكتب السير رغم عدم الدقة الواضحة، واختلاف الروايات من مصدر لآخر، الا أن المقومات الطبيعية في خيبر لم تعط حقها في البحث والدراسة وهي تتشكل من العيون دائمة الجريان والمناطق البركانية في اعلى الحرة وما تحتويه من فوهات براكين واخاديد وكهوف تحت الارض تثير الدهشة تم اكتشاف بعضها والبعض الآخر لايزال بحاجة الى من يجوب ارجاءه.
تكون حرات خيبر:
اود أن احدثكم عن تكون حرات خيبر فقد ادت التحركات الارضية الى الثورات البركانية المصاحبة التي بدأت منذ حوالي 20 مليون عام مشكلة الحرات التي تتناثر على طول الجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية ومنها حرة خيبر.
وكان اول ثوران لهذه الحرة تم تأريخه بشكل موثق هو ذلك الذي حدث عام 1256ه في المدينة المنورة حيث ذكر القرطبي : بدأ البركان بزلزال عظيم مساء يوم الاربعاء الموافق 3/6/654ه، واستمرت الزلازل حتى منتصف يوم الجمعة،حيث توقفت الزلازل وبدأ تدفق الحمم النارية في الفضاء، آخذاً معه الاشجار والاحجار، لقد كان اشبه بنهر احمر مزرق يغلي مع اصوات رعدية مرعبة. وقد كان اللهب يُرى حتى حدود مكة المكرمة واستمر لمدة ثلاثة اشهر.
اما احدث ثوران للبركان في منطقة خيبر فقد كان في حوالي القرن السابع عشر الميلادي حسبما تدل عليه الشواهد الجيولوجية، وكان ذلك في جبل القدر بأواسط حرة خيبر، حيث سالت الحمم البركانية منه في كل الاتجاهات وامتدت غربا حتى وصلت عشرات الكيلومترات، وتمثل منظرا مميزا اذ تنساب الصهارة عبر الاودية والشعاب مشكلة بقعا داكنة شديدة السواد اشبه بغيمة سوداء تغطي بعضا من اجزاء الحرة القديمة ويطلق عليها «اللابة».
ولعل اكثر ما يميز هذه المنطقة من البراكين هما جبلا «الابيض» و«البيضاء»، حيث ان هذين الجبلين عبارة عن نوع من الحمم البيضاء وسط بحر من الحمم الشديدة السواد، فيخيل للرائي عن بعد ان هذه ثلوج تعلو القمم الجبلية في اعالي الحرة.
هذان الجبلان البركانيان الابيضان هما ندرة في المملكة العربية السعودية وفي العالم ايضا. فهما يتألفان من نوع غريب من الحمم يدعى كوموندايت، هذا الكوموندايت يتراكم في تجوييف من الصخور الذائبة في عمق القشرة الارضية بعد ان تطايرت المكونات غير الثابتة الى سطح الارض على شكل حمم بازلتية سائلة.
والفضالة الباقية من الحمم خرجت بالضغط «كمعجون الاسنان»، كما هو المعتقد بالنسبة للجبل الابيض رغم ان هذا الجبل هو فوهة مثله مثل جبل القدر تماما، او تطايرت كالمطر بفعل ضغط الغاز المصاحب لها وانفجرت في الجو لتسقط على جميع المنطقة المحيطة بها كما هو معتقد بالنسبة للبيضاء.
الجبل الابيض او الرأس الابيض كما هو معروف بين اهالي المنطقة:
يبعد عن طريق «المدينة - تبوك» حوالي 85 كم الى الشرق من قرية «الثمد» مرورا بالقرية المسماة «رحبة الحسني»، حتى بلوغ ذروة المنطقة المرتفعة في اواسط الحرة اذا سلك الطريق المؤدي الى البيضاء مرورا بما يطلق عليه الدحاض.
اما اذا تم عبور الطريق المؤدي الى جبل العثور، فإن المسافة تزيد الى ما يقارب 30 كيلومترا اضافية.
منطقة العثمور:
العثمور اشبه بهضبة بركانية سهلة المسالك نوعا ما مقارنة بالحرة عموما ومقارنة باللابة على وجه الخصوص ويمكن اعتلاؤه بسهولة باستخدام السيارة العادية، وتبعد هذه الهضبة حوالي 100 كم الى الشرق من الطريق الدولي المار بخيبر ويمكن بلوغها من عدة طرق اهمها: عن طريق قرية الثمد مرورا بقرية رحبة الحسني، او عن طريق العشاش مرورا بقرية العرائد او قرية جدعاء. وهي اعلى منطقة يمكن للسيارة المرور منها حيث يقرب ارتفاعها من 1800 مترا فوق سطح البحر، وهي شديدة البرودة في الشتاء ذات هواء معتدل عليل في اشد فترات فصل الصيف حرارة نظرا لارتفاعها فوق سطح البحر، ولو احسن استغلالها فإنها تعتبر احدى اهم مناطق الاصطياف في منطقة المدينة المنورة ذلك لأنها ليست شديدة الانحدار مما يسهل وصول السيارة اليها دون مشقة، فبمجرد بلوغ سنام هذه الهضبة يلاحظ التغير الشديد في درجة الحرارة حيث تنخفض انخفاضا شديدا في الليل ويميل الجو الى الاعتدال المنعش في منتصف النهار في اشد الاوقات حرارة، والمنطقة تعتبر بحق منطقة اصطياف ممتعة لاعتدال جوها وكثرة اعشابها لو تم تهيئة الطريق اليها. وهي ايضا منطلق الاودية والسيول اذ تنطلق منها الاودية الرئيسية وروافدها، فتنطلق اما الى الغرب لتصب في الاودية الغربية من الحرة ومن اهمها وادي الغرس، او الى الشرق من الحرة واهمها تلك التي ترفد وادي الرمة. وهي ايضا منطقة الحدود الادارية بين منطقة المدينة المنورة ومنطقة حائل.
ولبلوغ الجبل الابيض والبيضاء من العثمور لابد من الالتفاف حول فوهة احدث بركان وهو الذي اشرنا اليه في بداية الحديث والمسمى بالقدر. والقدر جبل ينتصب على ارتفاع 2022 مترا فوق سطح البحر اعلاه يشبه القدر مجوف من الداخل على شكل قدر يصل عمقه الى ما يقارب 200 متر الى الاسفل. تتناثر حول القدر صهارة الحمم البركانية في كل الجهات وتنقسم هذه الحمم الى نوعين احدهما صلب يشبه في بعض الاحيان قطع الاسفلت المرصوف ذات مساحات مختلفة ويطلق عليها اللابة. والنوع الآخر هش وذو حواف حادة يطلق عليها الاهالي الحشه بكسر الحاء. هذه الحشة تتميز بهشاشتها وحدة حوافها كالسكاكين ويصعب بحال من الاحوال عبورها سواء على الاقدام او بالسيارة ولابد من الالتفاف حولها، والوصول الى هذه الفوهة في غاية المشقة، فقد اضطررنا الى المرور عبر ما يسمى باللابة التي تمتد ما يقارب 3 كيلومترات من مكان وقوف السيارة رغم المشقة التي تواجه سالكها. وتستمر على هذا الحال حتى ما يقارب ال 100 متر قبيل الفوهة الرئيسية.. والنظر الى قاع القدر امر مخيف، فالحواف الداخلية له تنحدر بشدة وفي بعض المناطق الى اقل من 90 درجة الى الداخل مما يوحي للناظر بأنها ستنهار في اية لحظة. والحقيقة انه ساورني شعور مخيف عندما نظرت الى اسفل القدر ولم اتمكن من النظر في عمقه تحت الجانب الذي وقفت على حافته وهو الجهة الشمالية. ويستطيع الناظر مشاهدة الانهيارات الحديثة في الحواف الداخلية للجهة المقابلة.
منظر عجيب:
ومن اعلى القدر يتراءى امام الناظر منظر عجيب من التداخل في اللونين الابيض والاسود اذ تقبع البيضاء على مسافة ليست بالبعيدة الى الجنوب وبجوارها الجبل الابيض بحممه البيضاء لتعطي منظرا عجيبا يتداخل فيه اللون الابيض باللون الاسود المترامي حول جبل القدر بشكل يحمل الناظر معه الى التفكر والتدبر في قدرة الله عز وجل اذ جمع بين هذين الضدين في مكان واحد ومن مصدر واحد.
وجبل البيضاء وهو على شكل هضبة من الحمم البركانية البيضاء النادر تسمى الكوموندايت، هو الجزء شديد البياض الظاهر للرائي عن بعد كما لو كان قمة ثلجية تتوسط سواد الحرة، ترتفع الهضبة من قاعدتها حوالي 200 مترا ويبلغ قطر سطحها اكثر من 1500 مترا ترتفع عن سطح البحر حوالي 1913 مترا، ويلاحظ وجود فوهة حديثة الثوران في سطحه تدل على ثوران بركاني احدث.
وحتى وقت قريب كان اشد ما يميز هذه المنطقة لدى كثير من المرتادين هو الاطلاع على هذه الانواع النادرة من الحمم البركانية، والتنزه خاصة في فصل الصيف وذلك للاستمتاع بجوها العليل المنعش. الا انني فوجئت ان كل هذا يمثل جانبا فقط من الاهمية التي يمكن ان تشكلها منطقة الحرة. فهذه الحرة مليئة بالكهوف والاخاديد الارضية التي تمتد الى مئات الامتار في تجاويف متعرجة مظلمة تحت الارض.
فقد قدر لي الدخول في احد هذه الكهوف وهو ما يسمى
ب «دحل رماحة»، حيث يروي الاهالي ان هذا الدحل يعتبر مصدرا للماء في اوقات المحل وانقطاع الامطار، يرد اليه الناس ليستقوا منه، الا انه خطير جدا لأنه منطقة واسعة من الداخل ويضم عشرات الكهوف التي تتفرع من بعضها في الداخل وهو شديد الظلام. ففي رحلة العودة لا يستطيع الداخل اليه معرفة الطريق الذي سلكه في الدخول اليه.فيظل ينتقل من نفق الى آخر حتى يهلك دون الاهتداء الى المدخل الرئيسي للكهف.
وقد شاهدنا مكان احد الذين تاهوا داخل النفق ولم يهتد الى المخرج الا بعد ثلاثة ايام وبعد ان فقد الامل في النجاة، وروى قصته الغريبة رغم ان الكثير لم يتمكن من رواية قصته داخل ذلك النفق لأنه لم يخرج منه ابدا. ولعل اشد ما يدهش الداخل الى هذا النفق هو كميات هائلة من العظام توجد داخله مختلفة الاحجام والاشكال يعتقد انها مكان لبعض السباع التي تجمعها هناك.
وروى لي بعض من قدر لهم دخول بعض الكهوف الاخرى في هذه الحرة عجائب شاهدوها، علماً بأن هناك العديد من هذه الانفاق لم يتم اكتشافها بعد.. هنا تأكدت ان لدينا قصورا واضحا في معرفة بلادنا والمقومات السياحية الطبيعية فيها، وانه لايزال امامنا مشوار طويل لاستغلال هذه المقومات الاستغلال الامثل الذي يعود بالنفع على المواطن في هذه البلاد الغالية.
في الحلقة القادمة إن شاء الله نحدثكم عن خيبر اليوم وكذلك مطالب المواطنين لمزيد من التطور لمحافظة خيبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.