لا يجهل الغرب وجود العرب لكن وجودهم لا يتجاوز حدود الهامش. ورغم انتشار أزمة اللاجئين لم يزل العالم العربي مجهولاً بالنسبة للغرب، وانعكست هذه النظرة التهميشية على حضور الشخصيات العربية في السينما العالمية. فقبل أن تكون صورة العربي هي صورة الإرهابي، كانت تظهر الشخصيات العربية بشكل عابر، وكان وجودها محدودا داخل حواف إطار الصورة، كجزء من الخلفيّة، وكأداة من أدوات الديكور الموجودة في أماكن التصوير، وكأنهم ليسوا بشراً، ولذلك لا نستطيع فهم الفيلم الكلاسيكي الشهير كازابلانكا casablanca 1942 إلا عند مشاهدة الفيلم المغربى «في انتظار بازوليني 2007» للمخرج داوود أولاد السيد. وكأن الأول يحكي قصة السينما كمظهر خارجي للمتن أم الثاني فهو يكشف الجوهر ويحكي حقيقة الهوامش. مهما تعمقت الأفلام الأجنبية في الروح العربية بخيالات ألف ليلة وليلة، والأساطير الشعبية، وعرض الصحاري العربية، وخصوصاً إذا اتخذت الدول العربية مكاناً للتصوير، إلَّا أن الشخصيات العربية التي تظهر في هذه الأفلام لا تتجاوز حدود الهامش، وكأنها بلا قصة، ووجودها لا يستحق الاهتمام. العلاقة بين الغرب والشرق مضطربة، وفي بعض النماذج السينمائية الجديدة تحاول أن تفك السينما باب القبول والاعتراف بالعرب مثل فيلم «الجانب الآخر للأمل» للمخرج الفنلندي العظيم أكي كوريسماكي، ولكن هذه المحاولات ليست إلّا مجرد اجتهادات فنية فردية، ولا تعكس حقيقة الوعي الجمعي بالعالم العربي، والسياق التاريخي للسينما يقول إن الغرب لا يحترم اللغة العربية ولا الثقافة العربية، ولو نشاهد مثلاً فيلم الدار البيضاءCasablanca 1942 وهو من أهم كلاسيكيات السينما الممتعة والعظيمة من بطولة الممثل هفري بوغارت والممثلة انجريد بيرجمان، ويحكي قصة حب مملؤة بالذكريات في فترة الاحتلال الفرنسي بعد طرد القوات الألمانية النازية. وكانت فكرة الفيلم أنه يعرض قصة حب تجمع بين اثنين من أكبر ممثلي هوليوود في تلك الفترة، للترويج عن نجاحات أمريكا في بدايات الحرب العالمية الثانية، ولذا كان الفيلم بلا سيناريو، وكانت نهاية الفيلم مجهولة، فلم يكن يعرف أبطال الفيلم كيف ستنتهي القصة، وإلى اليوم تعد نهاية الفيلم غامضة وتقبل تفسيرات كثيرة. وهذا فيلم من الوثائق التاريخية التي تكشف صورة العربي في الأذهان الغربية. فرغم أن الفيلم مصور في بلد عربي وعنوانه هو اسم المدينة العربية الدار البيضاء، إلاَّ أنَّ الثقافة العربية في الفيلم معدومة، وصورة العرب مهمشة، مع ظهور بسيط للشخصيات العربية والأسواق في اللقطات الافتتاحية للفيلم للتعبير عن مكان أحداث القصة. في الفيلم لقطة لبائع عربي يحاول أن يبيع بضاعته فيقوم بتخفيض سعرها تدريجياً لحد منخفض جداً، وتظهر اللقطة مضحكة، ولكن بالنسبة للجمهور الذي يعرف قيمة الكرم عند العرب، سيفهم أن البائع لن يبخل بالبضاعة حتى لو أعطاها للزبائن مجاناً، وأن هذا السلوك دلالة على حسن الأخلاق والترحيب. كانت الموجة الفرنسية الجديدة في الستينات تعتمد على فكرة نقد السينما وتاريخها ليس فقط بالكتابة عنها ولكن عبر صناعة الأفلام كمقالات نقدية بصرية، ولذا كانت أفلام الموجة الفرنسية والتي تنتمي لسينما المؤلف تعمل بالضرورة باستمرار على محاولة كشف كل أسرار السينما وخبايها. وبالتالي انتقل هذا النهج للعديد من الأجيال اللاحقة من صناع الأفلام حول العالم، ومنهم المخرج المغربي القدير داوود أولاد السيد، وهو من أهم الأسماء العظيمة في السينما العربية. يقدم الفيلم المغربي «في انتظار بازوليني 2007» حكاية بديعة عن طريقة استغلال السينما العالمية للحضارة العربية وبالتحديد قرية صغيرة في المغرب. ونشاهد سكان القرية بعدما سمعوا خبراً يقول بعودة المخرج الإيطالي بازوليني لهذه القرية لتصوير فيلم جديد، فيستعد الجميع للفوز بفرصة الكومبارس، وتبدأ تظهر عند أهل القرية قدراتهم الفنية والتمثيلية رغم أن ظهورهم لن يتعدى الهامش في الفيلم. ولكن بعدها، يكتشف بعض أفراد القرية أن المخرج بازوليني توفي منذ زمان بعيد، فيدخل الفيلم في سياقات سردية ممزوجة بين الواقعية والخيال. وبذلك ينجح المخرج في عرض ما خلف صناعة الأفلام وما خلف الكواليس، ويقدم نموذجاً على النقد الساخر الذكي، الذي يضع المتفرج أمام صورة العربي الهامشي من منظور عكسي، بل يجعل المتفرج يعيش معاناة الهامش، ويشعر بها، ويغوص في تفاصيلها وبالتالي يتحول الهامش إلى المتن، وإلى الجوهر، ومركز أساسي للصورة السينمائية. ** **