تواصل القوات الأمريكية حشودها استعدادا لغزو العراق. فقد تمركزت أربع كتائب بالقرب من العراق بالإضافة إلى قاعدة جوية ضخمة في قطر ونشاط مكثف للقوات الأمريكية الخاصة في منطقة الأكراد بشمال العراق. يأمل البيت الأبيض أن تؤدي التهديدات بالغزو إلى تشجيع الجيش العراقي على الانقلاب على الرئيس العراقي صدام حسين فإذا لم يحدث هذا فإن إدارة الرئيس بوش تؤكد إصرارها على شن حرب غير مبررة يراها باقي العالم عدوانا وقحا. ليس هذا فحسب بل إن أقرب حلفاء واشنطن يشعرون حاليا بالرعب من حالة الرغبة في الحرب والشوفينية أو النزعة الوطنية العنصرية التي تسيطر على الولاياتالمتحدةالأمريكية حاليا. وكان بوش قد أصدر مؤخرا مبدأ «الضربة الوقائية» ضد أي مكان على الأرض وهذا المبدأ لا يقل عن مبدأ الحرب الاستعماري الذي أطلقه الرئيس السوفيتي السابق ليونيد برجينيف تحت اسم مبدأ برجينيف منذ 25 والذي كان يدعو إلى التدخل السوفيتي في أي مكان تتعرض فيه الاشتراكية للتهديد. يقول جيرالد كوفمان وهو المتحدث الرسمي السابق باسم حزب العمال البريطاني الحاكم في الشئون السياسية والذي يحظى باحترام كبير: ان بوش يحيط نفسه بمستشارين تتفوق رغبتهم في القتال على معلوماتهم العسكرية والسياسية والدبلوماسية. أيضا يثير تصعيد بوش لحملته الرامية إلى غزو العراق وربطها بالموقف الأمريكي من البترول واستهلاكه يثير عاصفة من الغضب في كل أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وآسيا حيث يعتقد الناس هناك أن التلوث والتغييرات المناخية العالمية أكثر خطرا وأشد إلحاحا من الرجل الذي يحكم بغداد. ولكن هناك استثناءين هامين في العالم لا يشعران بهذا الغضب الأول إسرائيل حيث أعلن شارون عن رغبته في مضي الرئيس بوش قدما نحو حرب العراق في الوقت نفسه يكثف أنصار حزب الليكود الإسرائيلي اليميني الذي يتزعمه شارون داخل إدارة بوش بقيادة ريتشارد بيرل الذي يسمى ب «راسبوتين» يكثفون جهودهم لإرسال الجنود الأمريكيين إلى العراق. ويحتكر المتعطشون للدماء «المحافظون الجدد» وأغلبهم تهرب من الخدمة العسكرية في بلادهم الأصلية قبل هجرتهم إلى أمريكا السيطرة على وزارة الدفاع الأمريكية ويمارسون احتكارا فعليا على تعليقات وسائل الإعلام الأمريكية خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط وهؤلاء يتمتعون بدعم الطوائف الإنجيلية المسيحية اليمينية التي تؤمن بنظرية معركة «هرمجدون». وقد تحدث الزعيم الجمهوري كوك هيجل عن هذا كثيرا عندما تساءل عن سبب تحمس ريتشارد بيرل للهجوم على العراق بهذه الصورة ولماذا لا يشارك بيرل في الموجة الأولى من الهجوم العسكري على بغداد. كما حذر برنت اسكوكروفت مستشار الأمن الأمريكي للرئيس الأسبق جورج بوش من أن الهجوم على العراق يمكن أن يكون خطأ مأساويا. في الوقت نفسه أعلن رئيس لجنة التفتيش على الأسلحة العراقية التابعة للأمم المتحدة سكوت رايتر بشجاعة ما يعتقده الكثيرون من الأمريكيين لكنهم لا يعلنونه وهو أن عددا محدودا من أصحاب التوجهات الأيديولوجية اختطفوا سياسة الأمن القومي للولايات المتحدة والشرق الأوسط على السواء. ويضيف رايتر: إن إدارةالرئيس بوش أو بالتحديد الأشخاص الذين يوجهون دفتها لا يريدون عودة عمليات التفتيش على الأسلحة في العراق وإنما يريدون فقط الحرب. إن طوفان الدعاية والأكاذيب وأنصاف الحقائق المتعلقة بالعراق التي تنطلق من البيت الأبيض تعيد للأذهان حملات الدعاية اليسارية التي كان يطلقها الاتحاد السوفيتي سابقا. لقد عينت الحكومة الأمريكية فريقا للدفاع عن المتهم الوحيد بالتآمر في هجمات الحادي عشر من سبتمبر وهو فرنسي من أصل مغربي يدعى زكريا موسوي وهذا الفريق حاول أن يقنع موسوي على التصريح بوجود علاقة بين العراق وبين هجمات الحادي عشر من سبتمبر ولكن موسوي رفض ان يكذب. وقال رئيس المخابرات في جمهورية التشيك انه لم توجد أي اتصالات بين العراق وتنظيم القاعدة في العاصمة براغ وهي أحد الأسباب الرئيسية التي يرددها بوش للهجوم على العراق كما أن عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نفسها ومسؤولي المخابرات الأوروبية رفضوا مزاعم البيت الأبيض بشأن تهديد العراق لسلام العالم. الاستثناء الثاني الذي لا يشعر بالغضب من سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية حاليا في الشرق الأوسط هو تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن. ففي عام 1998 حدد أسامة بن لادن استراتيجيته بدقة ولكي يحقق بن لادن أهدافه خطط لاستفزاز أمريكا وتوريطها في عدد من المواجهات العسكرية تستنزف قدراتها العسكرية والمالية. فأفغانستان تكلف دافعي الضرائب الأمريكيين حاليا خمسة مليارات دولار شهريا هي أول خطوة في استراتيجية بن لادن وستكون العراق التي يكره بن لادن رئيسها صدام حسين بنفس القدر الذي يكرهه به صدام أيضا الخطوة الثانية ثم سوريا وايران وليبيا وهذه الدول جميعا موجودة على قائمة الدول التي أعدها ريتشارد بيرل الدول التي يجب على أمريكا محاربتها. في الوقت نفسه فإن الرئيس بوش الذي يقود هذه الدولة حاليا لا يقرأ الكتب ولا يعرف أن اليونانيين اسمهم «جريك» وليس «جريسيان» يندفع بقوة نحو الفخ الذي نصبه له كل من الجنرال أرييل شارون وأسامة بن لادن. فإسرائيل تحاول على مدى أكثر من عشرين عاما دفع أمريكا إلى مواجهة عسكرية مع العرب وإيران على أساس أن هذا يضمن لها انضمام القوة والثروة الأمريكية الهائلة إلى صفها في صراعها مع العرب وإيجاد قطيعة دائمة بين أمريكا والعالم الإسلامي. وفي النهاية فإنه إذا كان هناك وقت تحتاج فيه أمريكا إلى أصدقاء حقيقيين فإن هذا الوقت هو الوقت الحالي وهؤلاء الأصدقاء الحقيقيون حاليا هم كندا وفرنسا وألمانيا الذين يحاولون حماية الرئيس بوش وحكومته المختطفة من التورط في عدوان يهدد بإثارة فوضى عارمة في الشرق الأوسط قد تصل إلى مواجهة نووية.