لا أطرح السؤال تمهيدا لواحدة من تلك المراجعات العامة للاحداث التي تقدمها الصحف نهاية كل سنة، بل لأنني أرى أن حدثين شبه متزامنين هما تنصيب جورج بوش في كانون الثاني يناير 2000 وانتخاب ارييل شارون رئيسا لحكومة اسرائيل بعد ثلاثة أسابيع على ذلك مهدا لانقلاب عميق في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط لم تبدأ أبعاده الحقيقية في الظهور الا الآن. آخر دليل على الانقلاب كان النبأ المذهل عن تعيين ايليوت ابرامز - الذي جرّمته محكمة أميركية بتهمتين تتعلقان بالكذب على الكونغرس حول تورطه في فضيحة "ايران - كونترا" في الثمانينات - مستشارا خاصا لبوش لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. انه شخصية معروفة بالتشدد وتأييد ليكود والاستخفاف بكل ما يتعلق ب"الشرعية الدولية". وهو الآن من سيقدم الى الرئيس كل المعلومات والتحليلات المتعلقة بالشرق الأوسط. انه وضع يكاد يجعلني احن الى أيام صديقي القديم مارتن انديك الذي سبق له اشغال هذا المنصب. وأحن أكثر من ذلك بالطبع الى أيام وليام كواندت في المنصب نفسه قبل ذلك. كان ابرامز حتى تعيينه الجديد يعمل في مكتب آخر في البيت الأبيض مسؤولا عن سياسة أميركا العالمية تجاه "حقق الانسان والتحول الى الديموقراطية والمنظمات الدولية". وقد جاء تعيينه لهذا المنصب بصدمة للأميركيين الذين تعاملوا مع قضايا حقوق الانسان في أميركا اللاتينية والوسطى خلال العقدين السابقين. فقد كان وزيرا مساعدا لشؤون أميركا اللاتينية في عهد رونالد ريغان، وعرف بتعاونه الوثيق مع النظامين الديكتاتوريين في السالفادور وغواتيمالا المسؤولين عن أبشع المجازر والجرائم بحق الانسانية. كما قادته علاقاته المخالفة للقانون بتنظيم "الكونترا" المعادي للنظام السانديني في نيكاراغوا الى التورط في فضيحة "ايران - كونترا" جنبا الى جنب مع شخصيات مشبوهة مؤيدة لاسرائيل مثل مايكل ليدن وهاوارد تايخر. وفي أواخر 1992 بعد خسارته الانتخابات الرئاسية أمام بيل كلينتون أصدر الرئيس جورج بوش الأب عفوا كاملا عن أبرامز وعدد من المحكومين الآخرين في قضية "ايران - كونترا". وقضى ابرامز سنين ادارة كلينتون في السعي الى استعادة اعتباره السياسي، وقد نجح في ذلك الى حد كبير لسببين: الأول اصدار كتاب أعلن فيه اعتناقه شكلا متشددا من اليهودية، والثاني شبكة من الأصدقاء النافذين من بينهم جين كيركباتريك. والغريب أن أبرامز، المدان بالكذب على الكونغرس، أصبح أواسط التسعينات رئيسا ل "مركز الأخلاق والسياسة العامة". كما بدأ بالكتابة الى ما يسمى belief.net المختص بتسويق الأعمدة الصحافية التي تتناول الدين والمجتمع. خلال السنوات نفسها كان صديقاه ريتشارد بيرل ودوغلاس فايث يقدمان دعمهما العلني لقادة ليكود. من ذلك مساهمتها في وثيقة "القطيعة الحاسمة" الشهيرة التي دعت بنيامين نتانياهو المنتخب حديثا الى تجاهل عملية أوسلو، والى السعي لاطاحة صدام حسين وتصعيد التوتر مع سورية الى حد الانفجار. نص الوثيقة الكامل منشور في www.israeleconomy.org/strat1.htm. وفي شباط فبراير 2001 كتب في belief.net محتفلا بانتخاب شارون، وقال إن "غالبية العالم العربي والناطقين الفلسطينيين اليوم يصفون شارون بالشيطانية، ومن العار على الأميركيين المشاركة في هذه الجوقة... ان من البديهي انه يريد السلام وليس الحرب، ويعتقد أن موقفه يحافظ على السلام أكثر من تنازلات باراك التي لا نهاية لها". ونجد اليوم أن فايث هو الرجل الثالث في البنتاغون، فيما يرأس بيرل مجلس سياسة الدفاع ويتولى أبرامز منصب المستشار الرئيسي للبيت الأبيض لشوؤن الشرق الأوسط - اضافة بالطبع الى الكثيرين غيرهم من أصدقاء ليكود في المراتب العليا الأخرى في الادارة. وما النتيجة المتوقعة؟ ان علينا، كما أرى، ان نتهيأ لرؤية انقلاب حقيقي على الأسس التي قامت عليها سياسة الولاياتالمتحدة خلال 25 سنة من هيمنتها على الشرق الأوسط. ولن يكون هناك ذلك الحرص على تلك الشبكة المترامية من العلاقات مع مصر والسعودية وغيرهما من الأنظمة العربية الصديقة. ولن نرى المزيد من المحاولات لانعاش صيغة أوسلو والحل القائم على الدولتين. بل ما سنجده من الآن فصاعدا سيكون توصل بيرل وأبرامز وفايث الى مبتغاهم كما ترسمه كتاباتهم السابقة وأيضا سجل أبرامز في خصوص اميركا الوسطى، والاستعمال المباشر للقوة او التهديد بها لفرض ارادة الولاياتالمتحدة على كامل الشرق الأوسط، والدعم غير المشروط لشارون في مسيرته نحو الهدف نفسه، والاستعمال المخاتل لخطاب "حقوق الانسان" للتعجيل في اضعاف الانظمة العربية وربما أيضا ايران. اننا ازاء واشنطن جديدة تختلف تماما عما كانت عليه قبل 2001. وهي تهدف بالاشتراك مع الصديق العزيز شارون الى خلق شرق أوسط جديد تماما. *** لنأخذ، بوصفه المثال الأول والأخطر على ذلك، احتمال هجوم أميركي كاسح على العراق: فقد كتبت في مقال سابق أن مخاوف ادارة بوش من استعمال شارون للتدخل العسكري الأميركي غطاء لخطوات خطيرة مجهولة النتائج قد يشكل كابحا على شن الهجوم. لكن علينا الآن أن نعيد النظر في هذا الاحتمال، بعدما أصبح أبرامز المستشار الأول لبوش في هذا الخصوص. ان لنا ان نجزم أن بوش شخصيا لا يمتلك القدرة على احتساب نتائج العمليات المتوقعة في الشرق الأوسط، وسيعتمد في هذه الحال، كما في كل قضايا السياسة الدولية، على مستشاريه. كما ان كوندوليسا لا تعرف ولا تدعي المعرفة بتفاصيل سياسات الشرق الأوسط. لكنها بالغريزة من الصقور، بتركيبة ذهنية تشكلت خلال الحرب الباردة، عندما كانت خبيرة في الشؤون العسكرية السوفياتية. ومن المعروف في واشنطن أن كثيرين من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية و"سي آي أي" والقوات المسلحة يشعرون بقلق بالغ من النتائج المحتملة للهجوم على العراق، خصوصا اذا شنتها أميركا احاديا من دون غطاء من الأممالمتحدة. ومن بين العناصر الرئيسية في هذا القلق الخطوات التي قد يتخذها شارون خلال الحرب، وهو اعتبار يزيد من حدته اقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية أواخر الشهر المقبل. فما هو عدد الانتخابات الاسرائيلية التي شهدت قبل اجرائها مغامرة عسكرية كبيرة يشنها رئيس الوزراء ليدعم موقعه الانتخابي؟ الأسهل ان نحصي الانتخابات التي لم يحصل فيها ذلك! وكان أملي، حتى تعيين أبرامز في السادس من الشهر الجاري، أن هؤلاء المسؤولين في الخارجية و"سي آي أي" والقوات المسلحة سيتمكنون من ايصال صوتهم مباشرة وفي شكل مقنع الى الرئيس. لكن لم اعد واثقة بذلك الآن، بعدما أصبح ابرامز، صديق شارون المخلص، اليد اليمنى لبوش في كل ما يخص الشرق الأوسط. وكشف الصحافي بوب وودورد في الخامس من آب أغسطس الماضي في كتابه الأخير "بوش في الحرب" أن وزير الخارجية باول أصر على تناول الغداء منفردا مع الرئيس، حيث استطاع اقناعه بالتهور الخطير الذي ينطوي عليه غزو العراق دون طرح القضية على مجلس الأمن أولا. وتلقت نصيحة باول وقتها دعما قويا من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ونجح الاثنان في اقناع بوش بالتوجه الى الأممالمتحدة، وكانت النتيجة، كما رأينا، تلك التسوية المتمثلة بصيغة القرار 1441، البالغة التشدد مع صدام حسين من جهة، لكن دون اعطاء واشنطن تصريحا مطلقا بشن الحرب على العراق. وقد استمر تشيني ورامسفيلد وغيرهما من صقور الادارة في الاستخفاف بالأممالمتحدة قبل القرار 1441 وبعده. ولا أشك انهم يواصلون محاولتهم اقناع الرئيس بأن الولاياتالمتحدة لا تحتاج الى قرار جديد من الأممالمتحدة لشن الحرب. بل ان "استراتيجية الأمن القومي" الجديدة لا تتطلب من الرئيس الحصول على اذن من أي جهة قبل اطلاق "الضربة الاستباقية" كما يسمونها. واذا كان لباول مخاوف عميقة من الخط الذي ينادي به تشيني ورامسفيلد واصدقاؤهم واراد الاختلاء بالرئيس لاطلاعه عليها، فهل سيستطيع ذلك بعدما أصبح أبرامز المسؤول عن القضية داخل البيت الأبيض؟ أشك في ذلك. لكن ما لا أشك فيه الآن ان المخاطر أمامنا هائلة. فنحن لا نتكلم حاليا عن "مجرد" الحرب في العراق وتغيير النظام أو أشياء متواضعة كهذه. لأن السيناريو الذي يتحدث ويكتب عنه بيرل وأصحابه منذ سنين، والذي استبقه سجل أبرامز في أميركا الوسطى في الثمانينات، وحسب سجل شارون الطويل كشخص يبهجه استعمال القوة وركوب مخاطر لا سابق لها في الحجم، لا يقل عن أن يكون محاولة ليكودية محتملة ل"اعادة تركيب" الشرق الأوسط حسب هوى شارون. أي انها محاولة ستتم دون أي احترام ولو شكلي ل"الشرعية الدولية" أو "القانون الدولي"، أو مراعاة لتلك الشبكة من حلفاء أميركا في الشرق الأوسط. شارون يكره كل هذا، وبرهن دوما على استعداده لاطاحة مصالح أميركا في انحاء المنطقة توصلا لمبتغاه. انها بالتأكيد خلطة كبرى لكل الأوراق. ولا من ينقذنا من هذا سوى كولن باول وتوني بلير. لكنها قد تكون مستحيلة بعدما تسلم أبرامز منصبه الجديد في البيت الأبيض. كاتبة بريطانية متخصصة في شؤون الشرق الاوسط.