هي الحرب السادسة في سلسلة الحروب العربية الإسرائيلية منذ حرب عام 1948. ورغم أن كل الحروب السابقة حملت اسما معينا مثل حرب الأيام الستة 1967 وحرب يوم الغفران أكتوبر 1973 فإن حرب ربيع 2002 لم تحمل اسما بعد. وككل الحروب العربية الإسرائيلية السابقة فقد كان لها تداعياتها وهي تداعيات ما بعد الكارثة وهي الصدمة التي كانت تصيب العرب والإسرائيليين بعد كل حرب من الحروب السابقة. ولنبدأ بالجانب الفلسطيني، قبل بدء هذه الحرب التي انطلقت في مارس الماضي، كان هناك انتقاد موجه لانتفاضة الأقصى الفلسطينية وهو غياب هدف محدد لهاوإصرار عرفات على تطوير هذه الانتفاضة من خلال تغذية غضب شعبه ومحاولة تحويل هذا الغضب عن أخطاء السلطة، بالقطع لقد نجح عرفات في الخروج من هذه الحرب سليما ولكنه أضر ضررا كبيرا بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني يعلم ذلك. أولا: تقديم مبرر لإسرائيل لتدمير المدن الفلسطينية من خلال استمرار العمليات الاستشهادية كما فعل عرفات من قبل في عمان عام 1970 وبيروت عام 1982، حيث دمرت إسرائيل هذه المرة مدن نابلس ورام الله وجنين وبيت لحم. ثانيا: أفسد عرفات العلاقات الفلسطينية الأمريكية من خلال تشجيع مثل هذه العمليات، فقد التقى الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون الرئيس عرفات أكثر مما التقى بأي رئيس دولة آخر، والآن فإن عرفات لا يمكنه رؤية الرئيس جورج بوش حتى لو كان يقوم بجولة داخل أروقة البيت الأبيض. ثالثا أفقدت هذه العمليات تأييد الحزب الوحيد في إسرائيل الذي كان من الممكن أن يقبل بقيام دولة فلسطينية وهو حزب «الأغلبية الصامتة» فتاريخ عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يمكن تلخيصه في نقطة واحدة بسيطة: إذا نجح الفلسطينيون في إقناع الوسط الإسرائيلي بأنهم مستعدون للحياة جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين فسوف يحصل الفلسطينيون على دولتهم الموعودة. وإذا لم ينجحوا في ذلك فلن يحصلوا على الدولة، وقد أثبتت أفكار كل من اليمين واليسار الإسرائيلي فشلها، فاليمين يقول: إن إسرائيل يمكنها الاحتفاظ باحتلال المناطق الفلسطينية والاستمرار في اغتصاب الأراضي الفلسطينية لبناء المزيد من المستوطنات. أما اليسار فيقول: إن عرفات عاد إلى الضفة الغربية لإقامة حكومة فلسطينية مسالمة ومجتمع مدني يمكنه إنهاء الصراع مع إسرائيل على أساس إقامة دولتين ولكن هذه الفكرة انهارت أيضا. والآن فإن الإسرائيليين بدلا من أن ينقسموا حول الفكرتين فإنهم اتحدوا حولهما وبطريقة غريبة، فأغلبية الإسرائيليين ترفض إقامة دولة فلسطينية ما دام الفلسطينيون مصرون على العمليات الاستشهادية، وفي نفس الوقت فإن هذه الأغلبية مستعدة لقبول مبادرة السلام السعودية التي تدعو إلى انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي العربية المحتلة مقابل اعتراف عربي كامل بإسرائيل كأسس لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي. أما تأثير الانتفاضة على الجانب العربي فقد تمثل في إدراك القادة العرب أنه في ظل الإنترنت وقنوات التلفزيون الفضائية لن يمكن السيطرة على الرأي العام، فقد أشعلت صور القتل والدمار الذي يقوم به الإسرائيليون في المدن الفلسطينية غضب الشارع العربي ورغم أن هذا الغضب لا يهدد الحكام العرب في الوقت الحالي فإن ربط الضعف العربي أمام إسرائيل بتدهور الاقتصاد في بعض الدول العربية وتراجع الديموقراطية يمكن أن يمثل تهديدا خطيرا للاستقرار العربي، ومهما يكن فإنه يمكن القول: إن المنطقة في الشرق الأوسط الآن مستعدة أكثر من أي وقت مضى لقبول مبادرة أمريكية كبرى لتحقيق السلام، ولكن للأسف فإنه لا أحد من القادة الفلسطينيين ولا الأمريكيين ولا الإسرائيليين يبدو راغبا في الارتقاء إلى مستوى الحدث..