علي البلهاسي طارق محيي: بعد أكثر من شهر على حصاره في رام الله، ونتيجة للمساعي والتحركات السعودية والعربية الدؤوبة خرج الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من حصاره، وتفقد الدمار والخراب الذي أشاعه شارون في جنين وبقية المدن والأراضي الفلسطينية على مرأى ومسمع العالم أجمع، ورفع عرفات أصبعيه علامة الانتصار الفلسطيني وسط الفرحة بخروجه من الحصار. ووصف العديد من المراقبين خروج عرفات بأنه نصف انتصار وهزيمة كاملة لشارون، ولكن يبقى التساؤل ماذا بعد؟ وما هي الخطوات التالية بعد فك الحصار؟ حول هذا التساؤل استطلعت الجزيرة آراء نخبة من المفكرين والمحللين السياسيين وقادة الاستراتيجية. اهتمام واسع يؤكد الدكتور أحمد يوسف عميد معهد البحوث العربية التابع لجامعة الدول العربية أن فك الحصار عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أكد بداية ان شارون واليمين الاسرائيلي لم يحققا هدفهما في القضاء على السلطة الوطنية الفلسطينية أو إيجاد قيادة بديلة لعرفات، كما ان التوسع العدواني الإسرائيلي في المدن والأراضي الفلسطينية أدى إلى مزيد من الالتفات والاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية والشرق الأوسط وضرورة إيجاد الحل السلمي، كما أدى إلى مزيد من التدخل الأمريكي رغم انحيازه لإسرائيل الأمر الذي من شأنه أن يعطي مساحة واسعة لاقناعها بضرورة الحل السلمي وعدم انحيازها، ويأتي هذا الموقف الأمريكي بعد ان كان يحجم تارة ويتردد تارة في الدخول والانغماس في هذه القضية.ويضيف د.أحمد يوسف أن القضية الفلسطينية أصبحت الآن على رأس قائمة الأولويات الدولية، وأصبح الإقرار صريحاً وواضحاً بحتمية قيام الدولة الفلسطينية حتى من الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن هنا أرى ضرورة استثمار ذلك جيداً في الخطوات التالية والتأكيد على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية وكذلك التأكيد على أن الحل العسكري أثبت فشله تماماً ولابد من مسار سياسي للوصول إلى السلام العادل وتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني. أما على صعيد الوضع الداخلي الفلسطيني يقول د.أحمد: على عرفات ان يخرج نفسه من دائرة الضغط الاسرائيلية الامريكية ولا يقبل أي تنازلات تؤثر على وحدة المقاومة الفلسطينية وتشق صفوفها وأمامه العديد من الأوراق لكي يناور بها في الفترة القادمة فهناك المطلوبون قتلة أبوعلي مصطفى وغيرهم مقابل تسليم أي فلسطيني، ويجب أن نعي ان الحرب الشارونية ألهبت مشاعر الغضب والشعور العربي بالخطر والارتباط أكثر بالقضية الفلسطينية ويجب استثمار ذلك جيداً في المراحل القادمة. الحصار الأكبر الدكتورة عائشة راتب أستاذة العلوم السياسية تقول إن فك الحصار عن عرفات قد ألقى على عاتقه العديد من المهام، ولاشك بعد القيام بمثل هذه المهام يواجه العديد من التحديات على المستويين الداخلي والخارجي، فعلى المستوى الداخلي هو يواجه العديد من المشاكل والقضايا التي تتمثل في الخراب والدمار الذي خلفه العدوان الاسرائيلي والمطلوب منه أن يسعى لاعادة بناء ما خربته القوات الاسرائيلية في حين تحاصره المطالب الاسرائيلية بوقف العنف والسيطرة على المقاومة الفلسطينية المسلحة أولاً قبل أي شيء وهو لا يملك الا بقايا جهاز أمني تحطمت بنيته الأساسية واغتيل الكثير من قياداته أثناء الاجتياح وهو ما يصعب مهمة عرفات في تحقيق المطالب الاسرائيلية المرهونة بها أي عمليات أخرى. وعلى الصعيد الخارجي يواجه عرفات أخطاراً وتهديدات عدة بإمكانية عدم السماح له بالعودة مرة أخرى إلى الأراضي الفلسطينية إذا خرج منها في الوقت الذي يحتاج فيه عرفات إلى تنسيق دولي وعربي لخدمة القضية الفلسطينية، ولذلك أعتقد انه على عرفات ألا يخرج من الأراضي الفلسطينية على الأقل في الوقت الحالي حتى لو كانت هناك ضمانات اسرائيلية وأمريكية بعودته فإسرائيل لا يمكن الوثوق بها وأمريكا لا يمكن الاعتماد عليها في الضغط على اسرائيل فقد سبق وأن طالبتها بالكثير ولم تنصع لها.. واعتقد ان عرفات سواء كان داخل الحصار أو خارجه هو في كلتا الحالتين المفعول به فهو معرض في وقت لاعادة حصاره أو طرده أو عزله ولذلك فهو ان لم يكن حالياً محاصراً عسكرياً فهو محاصر سياسياً بضغوط اسرائيلية وأمريكية شديدة واسرائيل لم تفك عنه الحصار الا ليخرج لتحقيق اهدافها الخاصة وهو ما يجب ان ينتبه إليه عرفات. وأشارت الدكتورة عائشة راتب إلى ان موقف عرفات ازداد صعوبة بعد فك الحصار عنه فهو الآن محاصر بين المطالب الشعبية الفلسطينية والعربية التي التفت حوله أثناء الحصار والمطالب الاسرائيلية والأمريكية التي هي الثمن لفك الحصار، ولا شك ان تناقض مطالب الجانبين سيضع عرفات في مأزق كبير، وهو ما بدأت بوادره تظهر مع موافقة عرفات بتسليم المتهمين بقتل زئيفي وهو ما حرك ضده الجبهة الداخلية وعرضه لاتهامات بعقد صفقات مع الاسرائيليين ليست في صالح القضية الفلسطينية وربما أد ى هذا الى تفكك أواصر الوحدة الوطنية الفلسطينية التي أثبتت بجدارة صمودها أمام العدوان الاسرائيلي الأخير، وكان على عرفات ألا يخضع لهذه المطالب لأن هذا يمثل اعترافاً بان المقاومة إرهاب. وطالبت الدكتورة عائشة الفصائل والمنظمات الفلسطينية بعدم الانقسام فقد خرج الجني الاسرائيلي من القمقم وفي يده كل الأسلحة وهذا يتطلب وحدة الصف الفلسطيني والعربي ايضا في مواجهة هذا العدو وهذا الانسياق مرة أخرى وراء أوهام السلام دون التأكد من تحقيق مكاسب عربية فعلية. مهمة صعبة ويؤكد ضياء رشوان الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن إسرائيل في طريقها لتقديم المزيد من التنازلات وانهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية والعودة للمفاوضات والسلام مرة أخرى، فالحقيقة ان اسرائيل لم ولن تتنازل عن تحقيق أهدافها أبداً بما فيها التخلص من عرفات أو اقصاؤه، فالواضح أن شارون قد عقد العزم على ذلك بالفعل، وكل ما هنالك أنه يغير الوسائل فبدلاً من ان يتخلص منه بالسلاح أو ينفيه إلى الخارج وضعه في موقف لا يحسد عليه امام الخلافات والمشاكل داخل الجبهة الفلسطينية حول مستقبل التعامل مع اسرائيل في ظل الضغوط الامريكية. وأضاف: شارون لن يقدم ابداً على قتل عرفات أو منعه من العودة اذا خرج فهو يعلم ان هذا خطأ كبير ينبغي ألا يقع فيه ويعلم أيضاً ان هذا يكرس من شرعية عرفات وقيادته في المنفى طالما بقي حياً، ويضع الكثير من القيود على من يأتي بعده في حالة التخلص منه ولذلك فقد كان فك الحصار الأخير عن عرفات بداية جولة جديدة من التحديات التي تواجهه. وأشار رشوان إلى ان عملية السلام بعد فك الحصار سوف تواجه العديد من الصعوبات في ظل ضعف الجبهة الداخلية الفلسطينية والخلافات الجديدة التي نشأت وفي ظل تعنت اسرائيلي ودور امريكي غير نزيه ومنحاز للمطالب الاسرائيلية وهو وقف العمليات الاستشهادية والسيطرة على المقاومة المسلحة وهو أمر اصبح صعباً جداً على الرئيس عرفات تحقيقه. وأعتقد انه في خلال شهر واحد اذا فشلت العمليات السياسية في تحقيق بوادر ايجابية لانفراج الأزمة وتحقيق انسحاب اسرائيلي من الأراضي المحتلة ستعود المقاومة الفلسطينية مرة أخرى ولكن بصورة أشد مما كانت عليه من قبل وهذا بدوره سيلقي بظلاله على أي محاولات لاستئناف عملية السلام وربما يعود بالأوضاع في المنطقة إلى أسوأ من ذي قبل. دعم أمريكي دائم لإسرائيل ويرى محمد كمال الأستاذ بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة أن التحيز الأمريكي الدائم والداعم لإسرائيل، والذي ظهر أخيراً في مساندة الولاياتالمتحدة لإسرائيل في رفضها لجنة تقصي الحقائق في جنين، ومن قبله مساندة بوش وإدارته لشارون وسياسته المتغطرسة فإدارة بوش وصفت ما يرتكبه شارون من مجازر بانه دفاع عن النفس، ثم وصف بوش لشارون بأنه رجل سلام، وعقب لقائه مع سمو الأمير عبدالله ولي العهد السعودي في أمريكا خرج بوش ليؤيد فكرة قيام دولة فلسطينية ولكنه أكد أنه لن يسمح بسحق اسرائيل.. في ظل كل هذا التأييد الأمريكي لإسرائيل يبدو الموقف غامضاً حتى الآن.ويقول د.كمال إن فك الحصار عن عرفات جاء نتيجة ضغوط عربية على أمريكا مما أدى للضغط على اسرائيل. والموقف الذي تؤيده أمريكا واسرائيل تجاه قتلة وزير السياحة الإسرائيلي موقف صعب، لأن الشعب الفلسطيني رافض فكرة التدخل الأمريكي والبريطاني في شئونه وايضا إصرارهم على مواصلة الانتفاضة في حين ان خروج عرفات سيدفع تجاه المفاوضات لفك الحصار عن باقي القرى والمدن وعن كنيسة المهد. ويضيف د.كمال إذا كان فك الحصار عن عرفات يمثل بصيصاً من الأمل إلا أنه لا يمثل انفراجة حقيقية على طريق السلام، فشارون رغم موافقته على فك الحصار عن عرفات مازال يحاصر باقي القرى والمدن الفلسطينية وهو مستعد في أي وقت لاحتلالها، وأيضا شارون قال اذا خرج عرفات وحدثت أي عملية إرهابية فلن يعود عرفات إلى مقره مرة أخرى.ويقول د.كمال باستمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل استطاع شارن ان يجهض كل المعاهدات والاتفاقيات السابقة مع الفلسطينيين أي أنه عاد بعملية السلام إلى نقطة البداية ليبدأ تفاوضاً وعملية سلام من منظوره وحسب أهوائه، واغراضه، فشارون يريد سلاماً يحقق أطماعه وأحلامه بتحقيق السلام والأرض معاً. ويشير د.كمال أنه رغم فك الحصار عن عرفات لا يرى أي تقدم نحو السلام في وجود شارون وإدارته، وإصرارهم على عدم قبول لجنة تقصي الحقائق مما أدى إلى حلها، وايضا كل من ينتقدهم أو يقول تصريحاً يدينهم في المجازر التي حدثت يعتبرونه شخصاً غير مرغوب فيه، وهي أي اسرائيل تتحدى دائماً كل القوانين والمواثيق الدولية، إذاً الموقف كما قلت سابقاً يبدو غامضاً حتى الآن.ويرى د.محمد شوقي استاذ السياسة بجامعة القاهرة أن عرفات خرج من الحصار ليجد حجم الدمار والخراب الذي خلفته القوات الإسرائيلية وأيضاً تدمير البنية التحتية ومباني السلطة والشرطة والأمن الوقائي الفلسطيني باختصار دمروا كل شيء، ناهيك عن المجازر الوحشية التي ارتكبت في جنين ونابلس ورام الله وغيرها من القرى والمدن الفلسطينية التي اجتاحتها البربرية العسكرية الإسرائيلية، موضحاً ان عرفات الآن سيبدأ معارك عديدة طويلة في جميع الاتجاهات وأن هذه المعارك ستكون صعبة في وجود شارون. ويقول د. شوقي على عرفات خوض معركة التعمير والبدء من نقطة الصفر في إعادة تعمير كل ما دمرته الآلة الوحشية الإسرائيلية من قرى ومدن وبنى تحتية والأهم من ذلك هو إعادة الهيبة للسلطة الفلسطينية وقوات أمنها، ثم الدخول في معركة السلام أصعب المعارك التي سيخوضها عرفات في ظل وجود رجل لايعرف إلا لغة السلاح والقتل مثل شارون، والشعب الفلسطيني يصر على مواصلة الانتفاضة والمقاومة حتى آخر طلقة وآخر رجل، فكيف يستطيع عرفات أن يجمع شعبه تحت مظلة واحدة هدفها التفاوض من أجل السلام. ويشير د.شوقي إلى أنه بعد فك الحصار عن عرفات فالآلة العسكرية الإسرائيلية لا تزال تحاصر القرى والمدن الفلسطينية وممن الممكن في أي لحظة اجتياحها واحتلالها مرة أخرى، وأن هذا دليل على أن شارون لايزال مصراً على تنفيذ مخططه بالقضاء على المقاومة والانتفاضة وتحقيق الأمن لإسرائيل. ويؤكد د.شوقي على خروج عرفات من تحت الضغط الأمريكي والإسرائيلي حيث يطلب منه إدانة الإرهاب وكبح جماح العمليات الاستشهادية حتى تنسحب اسرائيل كما هو المفروض من أراضي السلطة الفلسطينية التي احتلتها، في الوقت الذي يجب العمل فيه على توحيد فصائل المقاومة وتأييد المنظمات الشعبية والشعب الفلسطيني في مواصلة المقاومة التي هي السبيل الوحيد لردع إسرائيل وجعلها تستجيب للمطالب الفلسطينية.