تحدثنا في الحلقة الماضية عما ذكره المؤلف السالمي في هذا الكتاب القيم، وهو يعتبر في مقدمة المهتمين بالتراث الشعبي، أو ما أهمله التاريخ، وقد ذكر ذلك تصريحاً في الكلمة الموجزة التي وضعها على غلاف الكتاب، ويرى- ونحن نوافقه أن ما قام به جهد يشكر عليه عن منطقة هو أحد أبنائها، وقد أشرت إلى ذلك في الحلقة الماضية. وفي هذه الحلقة سنبدأ بفصول الكتاب ما أسعفنا به الوقت، وقد اختار المؤلف لهذا الفصل عنواناً شاعرياً (أشجان الألحان...في أشعار الطائف) دراسة أدبية فنية، وفي هذا المبحث يوثق المؤلف بعض الأشعار الفصيحة المغناة من مطربي الزمن الجميل، كما يروق لبعضهم أن يسميه، ويبدأ بقصيدة لم يعرف بالتحديد قائلها، وهي بعنوان (غرة تحت طرة) ويذكر من غناها، وهو المطرب المكي، حسن جاوة، وهي تصف هيفاء رآها الشاعر تخطر في (شبرة) وشبرة إحدى أحياء الطائف المشهورة، يقول الشاعر، وإن كانت هناك بعض الأخطاء الإملائية (حمرة، وأكرة، وسمرة، وشبرة، وغيرها، لكنها نقل بما فيها. والقصيد طويلة اجتزأت منها هذه الأبيات، وسأترك للمتلقي الحريص متابعتها في الكتاب، إذا رغب. وللشاعر المكي الراحل قريباً، صاحب الأغاني المعروف، إبراهيم خفاجي، قصيدة بعنوان (سفح الجبل) لحنها الموسيقار طارق عبد الحكيم، وغناها الفنان عمر الطيب، والأغنية رومانسية على مذهب الشاعر الرومانسي بطبعه. تقول كلماتها: قلت لما أن تلاقينا... ومدت لي يدا في مساءٍ رائع الفتنة (في سفح الهدا كلما حاولت (أن) أنساها إذا الليل بدا خفق القلب وزادت بي الشجون. وفي الشطر الأول من البيت الثاني خلل عروضي في الوزن (أن) الزائدة، فأما أن تكون (كلما حاولت أن أنسى...) أو كلما حاولت أنساها، ولو كان الديوان بحوزتي لنظرت فيه، لكنه ليس عندي. وهذه ملاحظة سريعة لا تقلل من جهد المؤلف. ومن الشعراء الكبار الذين تغنوا بجمال الطائف وهوائه العليل الصافي، وغيومه المسائية القادمة من البحر الأحمر تحمل في جوفها زخات المطر، كما هي في جميع المناطق التي تقع على سفوح جبال السروات وما ورائها جنوباً إلى تعز في اليمن. ومن أجمل القصائد وأطولها، وليس ذلك بالغريب على الشاعر المكي، حسين عرب، بعنوان (غرد القمري) والقمري من أشهر أنواع الحمام وأجملها، وقد تغنى بألحانه عدد كبير من الشعراء في قديم الزمان وجديده. وهذه القصيدة لحنها وغناها طارق عبد الحكيم، ومعظم الشعر لحنه: والقصيدة طويلة، وفيها خطأ إملائي في الشطر الأول، ربما من النقل (هواء) إذا إذا كان يقصد (الحب) ونكتفي منها بما قدمناه في هذه الحلقة. ونجد كثيراً من الشعراء والفنانين قد تأثروا بجمال هذه المنطقة وجوها العليل، فغنى أشعارهم الفنانون، كما أشرت من قبل، ومن هؤلاء الشاعر الكبير، فؤاد الخطيب، بقصيدة عنوانها شاعري غاية في الشاعرية (ولقد حدثني رمانها) ومطلعها: كما تغنى بها الشاعر، أحمد بن عبد الغفور سراج، بقوله: ومن منا جيل السبعينيات الميلادية من لم يذكر القصيدة المغناة بصوت الموسيقار طارق عبد الحكيم وألحانه بالطبع، وشعر الأمير عبد الله الفيصل، رحمهما الله، وعنوانها الشاعري (ريم وادي ثقيف) وكما قدمنا، فإن لقبيلة ثقيف تاريخ عريق في هذه المنطقة بالذات، وحتى من امتد منهم في المناطق والفتوحات الإسلامية فيما بعد، ولن أزيد في ذكر هذه الأغنية أكثر من هذا. إلى اللقاء في الحلقة القادمة.