اهتم الشعراء والأدباء بموسم الحج منذ قديم الزمان، حتى قبل الرسالة المحمدية وشيوع الإسلام في جزيرة العرب والعالم، فقد أولى الشعراء في العصر الجاهلي اهتماما بالغا بالحج، وأفردوا له مساحات شعرية عبر سوق عكاظ، الذي تنافسوا فيه، وفي عصر الإسلام استمرت عناية الشعراء والأدباء بموسم الحج مرورًا إلى عصرنا الحالي، الذي تبارى فيه الشعراء بنظم القصائد والأبيات الشعرية، التي تجسد المعاني والمشاعر الإنسانية؛ خصوصًا شعراء مكةوالمدينة. واستجد على ذلك نظم الشعر الغنائي لموسم الحج، فكان شعراء الحجاز أمثال فواد شاكر، وأحمد قنديل، وبرزت أشعار الزمخشري وقصائده الشعرية المرتبطة بموسم الحج منذ خمسينيات القرن الماضي، وعاشت لسنوات بأصوات العديد من الفنانين والفنانات العرب، من أبرزهم الموسيقار السعودي الراحل طارق عبد الحكيم، والفنانة السورية الراحلة مها الجابري. "البلاد" التقت بالمؤلف محمد توفيق بلو، سبط الأديب الراحل طاهر عبد الرحمن زمخشري، الذي ألف كتاب "الماسة السمراء. بابا طاهر زمخشري القرن العشرين" وكتاب "الأديب طاهر زمخشري في سطور" لتسليط الضوء على موسم الحج وما مثله في حياة الأديب الراحل طاهر زمخشري. في البداية يقول بلو: «من خلال تتبعي ودراستي لأغراض الأديب طاهر زمخشري الشعرية، لاحظت أن موسم الحج مثل أهمية كبرى عنده، فقد خصه بالعديد من القصائد الشعرية والغنائية منذ بداياته الشعرية، كما أصدر ديواناً شعرياً في العام 1388ه/ 1968م باسم "لبَّيك". وتعود بداية اهتماماته الشعرية بموسم الحج مع قصيدة «طلعة اليُمن» التي ألقاها بين يدي المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – في العام 1367ه/1947م بمناسبة قدومه من الرياض لأداء فريضة الحج ونشرها لاحقاً في ديوانه «أنفاس الرَّبيع» في 1375ه/1955م.وتتابعت اهتماماته الشعرية بموسم الحج سنة بسنة منوعاً مواضيع قصائده ما بين وصف المشهد العام للحج، الحجيج، صعيد عرفات، مثل قصيدته «موكب الحجيج» التي نشرها في ديوانه «همسات» في العام 1372ه/1952م، وجاء في مطلعها فجر عيد مكلل بالسعود غمر الكون بالضياء الفريد وقصيدة أخرى بنفس العنوان «موكب الحجيج» نشرها في ديوانه «أنفاس الرَّبيع» في العام 1375ه/1955م تحية لوفود بيت الله الحرام بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وجاء في مطلعها: ألقت عصاها فحيا الخير بسامًا من بعد أن عصفت بالناس أعوامًا حتى أنه لم يضيع فرصة الوقوف على صعيد عرفة أثناء تأديته لمناسك الحج، فنظم من صعيد عرفات قصيدة من 60 بيتا عنونها ب "لبيك" ومهرها ب "ابني محمد محمد مدني!! لقد مضى عام وكان حافلاً بالمفاجآت، وكنت بجانبي استمد من شبابك القوة؛ التي أتوكأ عليها، وأنا أتعثر في الطريق؛ من هول الصدمات التي مّرت بي؛ فلك؛ وللغراس حولي، أتوجه إلى الله بهذا الدعاء في رحاب البيت، وفي صعيد عرفات؛ سائلاً لك النجاح المضطرد، وللجميع العون والتوفيق الدائم". وافتتحها قائلاً: قد سكبنا نفوسنا مذ بلغنا غاية الشوط وارتشفنا منانا فمن الشوق قد ركبنا المطايا وإلى الوصل قد حثثنا خطانا ومن اللهفة التي تسكب الفرحة ناي ما ناح إلا أشجانا وختمها بقوله: جرد النفس من هواها ولبَّى وعن الإثم يسأل الغفرانا وينادى لبيك وعدك صدق ولهذا الصعيد طاب سرانا وبنور أشاع أشرف دينٍ سوف نحيا على المدى إخوانا وتطورت اهتماماته بموسم الحج لتشمل النشاط الإعلامي، فكان أول من أشرف على النقل المباشر لمراسم الحج إبان عمله مع الإذاعة بمكةالمكرمة في بدايتها الأولى، وقد تميزت قصائد الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري في موسم الحج، وشاعت وانتشرت بحكم أنها غُنت. ثم وسع نشاطاته بكتابة قصائد غنائية للحج منها «إلى المروتين» و «موكب الحجيج» للموسيقار السعودي طارق عبد الحكيم –رحمه الله- وأغنية «لبيك رب العالمين» التي نشرها في ديوانه «على الضِّفاف» في العام 1381ه/1961م في 28 بيتاً، ثم اختار منها 22 بيتاً لحنت للفنانة السورية مها الجابري، وأذيعت لتكون أحد روائع أغاني الحج في ستينيات القرن الماضي، ولكنها لم تأخذ حقها من الشهرة، هي وأغنية «موكب الحجيج» لطارق عبد الحكيم، وأعتقد أن ذلك يعود لارتباط كلماتها بموسم الحج مباشرة على عكس أغنية «إلى المروتين» التي أخذت طابع الشوق والحنين لأرض الحرم، مما جعلها قابلة للإذاعة في أي وقت من السنة، وفيما يلي أشارككم أبيات قصيدة "لبيك رب العالمين" كاملة» لبيك رب العالمين لبيك جئنا طائعين لبيك بالدمع الهتون يفيضه وجل ورعب فالعين ترنو للسماء، ودمعها الهدار سحب والقلب يلهج بالدعاء وقد تلجلج فيه ذنب أدعوك، يا رب العباد، ولي لي إلاك رب وهداك للغفران درب وإله بالآلام نحبو *** لبيك صرخة ضارع نثر الخوالج في الأنين قد جاء يدفعه الرجاء وقد تزود باليقين ظمآن يلتمس الرواء وأنت ورد الظامئين فاغفر ذنوب التائبين وقد تنادوا سائلين وأجب سؤال الوافدين الضارعين الخاشعين *** لبيك أرواح يموج بها التبتل في الصعيد فتذوب حبات القلوب من الضراعة في نشيد والرجع جذاب الأداء وقد تماوج في الوجود ينساب من بعض المآزر خُشَّعاً في يوم عيد يوم التضرع والسجود يوم المثوبة للوفود *** لبيك أفواج تلاقت في حماك على نداك من كل صوب قد أتتك وكلها ترجو رضاك وتطوف بالبيت العتيق وأنت تشرف من علاك لتجيب دعوة من دعاك وقد تندم إذ عصاك لبيك لا رب سواك أنت المجيب لمن دعاك لبيك رب العالمين لبيك جئنا طائعين طاهر زمخشري: طاهر عبد الرحمن زمخشري، أحد الأعلام المكيين السعوديين الذين أثروا الأدب والفكر في العالم العربي بصفة عامة والمملكة العربية السعودية بصفة خاصة، ولد بمكةالمكرمة في يوم الخميس من شهر رجب 1332ه الموافق 1912م ونشأ فيها. درس بمدرسة الفلاح بمكةالمكرمة وتخرج منها عام 1349ه الموافق 1929م. يعد من شعراء الرعيل الأول وأكثرهم غزارة في الإنتاج، فهو صاحب أول ديوان شعري يطبع في تاريخ المملكة العربية السعودية "ديوان أحلام الربيع"، في العام 1946م، الموافق 1366ه. كانت باكورة إنتاجه "نشرة المهرجان" التي ضمت مجموعة من القصائد والخطب والمقالات بأقلام أدباء وشعراء المملكة العربية السعودية آنذاك، جمعها بمناسبة أول رحلة لجلالة الملك فيصل، رحمه الله، إلى أمريكا في العام 1366ه/1946م. له أكثر من 23 ديوانا شعريا، صدر منها (6) في مصر (5) لبنان، (6) تونس و (7) في السعودية، بالإضافة إلى أعمال شعرية أخرى، توفي قبل إصدارها. تُرجمت بعض قصائده إلى اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية، بطلب من هيئة اليونيسكو. أصبح شعره موضعاً لدراسات جمة منها الأكاديمية وغير الأكاديمية في الجامعات السعودية وبعض الجامعات العربية؛ منها جامعة القاهرة وجامعة الخرطوم ومعاهد اليونيسكو، وكان من جملة الدارسين لأدبه وأشعاره الدكتور عبد الرحمن الأنصاري، الذي أعد رسالة الماجستير في جامعة القاهرة بعنوان (ظاهرة الهروب في شعر طاهر الزمخشري) طبعت في جدة سنة 1960م. أشاد به عدد من كبار أدباء المملكة ونقادها، كان منهم الأديب عبد الغفور عطار الذي عدّ الشاعر طاهر زمخشري: الأستاذ النابغة ورأى في شعره امتداداً للأصالة التي يفوح منها الشعر الحجازي الأموي، و تعتبر أعماله الأدبية أحد أهم المدارس الشعرية المكية في القرن العشرين، سماها المدرسة الربيعية الحجازية نسبة إلى الشاعر عمرو بن أبي ربيعة. كما ذهب الدكتور عمر الساسي إلى تأكيد تميز الشاعر طاهر زمخشري وامتيازه قائلاً: "أما طاهر زمخشري فهو شاعر غنائي مرهف الحس يذوب رقة وعذوبة" وأما شعره فهو من عيون الشعر العربي المعاصر؛ إذ يملأ عشرات الكتب دون أن يتأثر مستوى الجودة فيه؛ أداءً وتصويراً وإبداعاً جمالياً محلقاً". أسهم في الشعر الغنائي الدارج للإذاعات العربية بأكثر من مائة أغنية ونشيد، قدم من خلالها العديد من الفنانين من أشهرهم الموسيقار طارق عبد الحكيم، طلال مداح، محمد عبده، هيام يونس، ابتسام لطفي، هناء الصافي، عايدة بوخريص، … وغيرهم، وهو صاحب أول أغنية تسجل وتبث في المملكة العربية السعودية "البارحة عند الغروب" بمناسبة افتتاح بلدية الرياض. والأهم من ذلك كله، أنه أول أديب سعودي يكرم خارج السعودية بحصوله على وسامين من رئيس الجمهورية التونسية الراحل الحبيب بو رقيبة، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، وكرم من قبل السفارة التونسيةبجدة بحضور السفير التونسي الأستاذ قاسم أبو سنينة وعدد من الأدباء والشعراء والإعلاميين. ربطته علاقة صداقة بالعديد من الأدباء والشعراء العرب، من أشهرهم الأمير الشاعر الراحل عبد الله الفيصل، أحمد رامي، فاروق جويدة، مازن اللقماني، …. وغيرهم. ومما يميزه عن غيره من الأدباء أنه جمع بين الأدب والفن والإعلام والإدارة، فقد عمل في عدد من الوظائف الحكومية من عام 1350ه إلى 1369ه من أهمها مدرساً بدار الأيتام بالمدينةالمنورة، وديوان الجمارك إضافة إلى مساهمته في تأسيس بلدية الرياض، وترأس تحرير أول صحيفة سعودية "البلاد" ونشر العديد من المقالات الصحفية من أشهرها ما نشره في أواخر أيامه لمجلة اقرأ "سلسلة رحلتي إلى الموت في بلاد العم سام" التي كتبها في مدينة لوس أنجلوس؛ حينما كان في رحلة علاجية في العام 1984م. كما عمل مع الإذاعة السعودية وساهم في تأسيسها وأسس أول فرقة موسيقية لها وهم محمد علي بوسطجي عازف عود، سليمان شبانة (الدكتور) عازف كمان، سعيد شاولي عازف كمان، حمزة مغربي عازف قانون، الهرساني عازف ناي، عبد المجيد الهندي ضابط إيقاع، وتنقل فيها بين عدة وظائف منها بدايته ككاتب، مقدم للبرامج ومذيع، مراقب عام للبرامج وقدم نحو عشرين برنامج أشهرها "ركن الأطفال" الذي اشتهر منه باسم "بابا طاهر" وهو أول برنامج للأطفال في المملكة العربية السعودية في أواخر أربعينيات القرن العشرين، وأعقبه بإصدار أول مجلة سعودية للأطفال "مجلة الروضة" في العام 1959م/1379ه لهذا اعتبر رائداً لأدب الطفل المعاصر. وقدم برنامج "ركن المرأة" بصوت نسائي مستعار، وعرف بأسماء مستعارة أخرى منها "وحيد" و "موظف متقاعد"، وأشرف على أول نقل لصلاة جمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي، ونقل مناسك الحج من المشاعر المقدسة في عرفات ومنى، وكان أول من علق على مباراة كرة قدم كانت بين نادي الوحدة والاتحاد بساحة إسلام بمكةالمكرمة، ساهم في تدريب العديد من الإذاعيين في بداية نشأة الإذاعة السعودية فقد قال عنه الدكتور حسين نجار: "كان هو العلم الذي يترسم الكثير من الإذاعيين خطاه ويتبنونه في طموحاتهم وتطلعاتهم، أعرف بابا طاهر منذ فترة طويلة وكان كلما قابلني في مكان عام كان يشد على يدي ويقول (أمامكم مسيرة طويلة عليكم أن تحملوا الشعلة بأمان وأن تحرصوا على إيصال الكلمة النظيفة التي تتفق وسمعة بلادكم. كان الله في عونكم)". اهتم بالرياضة حيث ساهم في تأسيس نادي الوحدة الرياضي الذي كان له ولأعضائه أثر في الحركة الفكرية والرياضية في بلادنا، وألف ولحن أول أغنية لكرة القدم "جيب الجول على الرايق" تحية لنادي الوحدة. أسدل الستار على حياته الوظيفية بإحالته للتقاعد المبكر، وذلك إثر غياب استمر ثلاث سنوات للعلاج في مصر وأثناء إقامته فيها تنقل في العمل بين مجلتي الهلال والمصور المصريتين، وبعد عودته عمل كمتعاون مع الإذاعة السعودية لفترة وجيزة ثم توقف عن العمل الوظيفي نهائيا وتفرغ للأدب والشعر إلى آخر حياته. وخلال مسيرة حياته تنقل وأقام في عدد من مدن المملكة العربية السعودية وخارجها لفترات متفاوتة؛ منها مكةالمكرمة، المدينةالمنورة، الرياض، الخرجوجدة التي استقر معظم حياته فيها، بالإضافة إلى مصر، لبنان، تونس. لندن ولوس أنجلوس.