أكتب هذه الكلمات مودعًا أحد أعمدة الأسرة التعليمية في محافظة الرس وأحد رجالها المخلصين الذي رحل عن هذه الدنيا فأوجعنا رحيله المفاجئ وأوجع كل محبيه قاطبة. نعم فقد رحل عرّاب التعليم في محافظة الرس المربي الفاضل محمد بن صالح الغفيلي بعد أن استطاع وعلى مدى عقود عدة ترك بصمته الواضحة في العملية التعليمية بالرس، فأصبح أحد أعمدتها التي ارتبط اسمه بها، فقد أحب هذه المهنة السامية وأحبته، فقد كان همه الأول منذ أن كان معلمًا ذلك الطالب الذي جاء لينهل من علمه ويتظلل تحت مظلته التربوية التي حملت العديد من المعاني السامية. ظل أبو صالح -رحمه الله- معلماً حتى صدر قرار تكليفه مديرًا لثانوية الرس وذلك في عام 1402ه، وكان والدي - الشيخ سليمان عبدالله الحربش رحمه الله - حينها وكيلاً لتلك المدرسة فلم أنس مآثر الفقيد التي طالما ذكرها لي أبي -رحمه الله- سواء في عقليته الإدارية الفذة أو في شخصيته التربوية أو في إخلاصه المتناهي في عمله. ولعل أحد صور ذلك الإخلاص التي رواها لي والدي -رحمه الله- عن الفقيد هو ذلك الجهد الخيالي الذي بذله في استلام المبنى الحالي لثانوية الرس، حيث أمضى وقتًا طويلاً في ذلك لأنه يعلم حينها أن هذا المبنى يجب أن يكون مهيئًا لتلك الأجيال التي ستخدم هذا الوطن، فكان حينها يتأكد من جميع المواصفات ويراجعها مع مقاول المشروع حتى أدق التفاصيل، وكان ذلك هو شغله الشاغل حتى تم الإستلام على أعلى المواصفات، وبدأت الدراسة في المبنى الحالي نهاية عام 1404ه. وفي عام 1407ه صدار قرار بتعيينه مديرًا للتعليم بالرس فشهد التعليم بالرس نقلة نوعية بكل المستويات كانت نتيجة خبرته الإدارية الفريدة التي امتدت لسنوات عديدة. وفي عام 1429ه ترجل أبو صالح بعد أن خدم التعليم بالرس بكل تفانٍ وإخلاص مستشعرًا بذلك ولاءه لهذه المحافظة التي بذل الكثير من أجلها. ولم ينته مشوار أبو صالح -رحمه الله- عند هذا الحد، فقد تم انتخابه في عام 1440ه رئيسًا لمجلس الأهالي بالرس بعد أن كان عضوًا فيه، فمنذ ذلك الحين حتى وفاته -رحمه الله- جنّد كل إمكاناته في متابعة المشاريع الجديدة ومناقشة المشاريع المتعثرة في محافظة الرس، فبالرغم من ظروفه الصحية فقد كان يقف ميدانيًا على تلك المشاريع ويذهب بنفسه إلى المسؤولين في العاصمة لتذليل جميع العراقيل التي قد تؤخر تلك المشروعات. وأخيراً، فإنني حينما أتحدث عن المربي محمد الغفيلي فإنني أتحدث عن حجم الوفاء الذي شاهدته في هذا الرجل. فلم أنس وفاءه لوالدي -رحمه الله- حينما أقعده المرض فكانت زياراته له بالمنزل لا تنقطع رغم مشاغله العديدة وسؤاله لي عن والدي المستمر، وحين علم بوفاة أبي -رحمه الله- أصر أن يسافر للرياض ويحضر جنازته ويودعه الوداع الأخير. رحم الله الفقيد وجعل منزلته مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، وعزائي لكل أهالي الرس المكلومين بفراقه وأخص بالعزاء أبناءه وزوجته وإخوته وكل زملائه ومحبيه، سائلاً الله العظيم أن يجمعهم به في جنات النعيم. ** **