هناك الكثير من الأفكار التي تدور في ذهني، وتُربك وعيي وإدراكي لكل ما يحدث من حولي، وفي العالم أجمع. وقد كان للبقاء في المنزل - استجابة لتعليمات وزارة الصحة للوقاية من فيروس كورونا الجديد (COVID-19) - الفضل في هذه التأملات البسيطة حول هذيان الذات السرية، تلك الذات التي نملكها جميعًا، التي لطالما كنا نعمل على إخفاء وجودها ودواعيها وتداعياتها، ولكن ليس في حالات الهلع الذي يصيب وعينا الجمعي؛ فيدعونا إلى ارتكاب الحماقات والممارسات الصبيانية، أو لاستثمار الرغبات الغريبة الكامنة منذ أمد بعيد في جذور التكوين الداخلي. ففي قمة تبلور الخوف الإنساني الأساسي والأولي والأكبر (وأعني الخوف من النهايات) سيكون من البداهة أن تتخلى بعض الأنفس عن قواعدها ومحاذيرها المفروضة اجتماعيًّا، بل لا أبالغ إن قُلت إنها قد تتخلى عن العقل نفسه، وبعض أشكال الممارسة الإنسانية بسبب الصراع الناشئ بفعل الأزمة ما بين الذات السرية الأنانية والأخلاقيات، واستعلاء الحالة الهذيانية لتلك الذات المقموعة في نهاية الأمر. خلال هذه الأزمة الصحية تذكرتُ وأنا أطالع التغريدات عبر Twitter المثل الشعبي القديم: (كل يحوش الضو لقريصه)، وهو مثل يُضرب لتبرير اتباع الفرد للمصلحة الشخصية. تذكرته حين رأيتُ السيطرة المحكمة من اللاوعي على تصرفات الإنسان وأقواله. تذكرته حين استفاق ذلك العقل المؤدلج، وراح يؤطر الفيروس في حدود تصوراته الأيديولوجية، فيؤسلمه مرة، وفي مرة أخرى يكفّره أو يعلمنه أو يثقفه أو يتاجر به. وفي حالة الهذيان الجماعية هذه يحاول كل امرئ إثبات حقيقة تدور في عقله وحده، هي أن الله قد أرسل هذا الكورونا ليؤكد دعوته، أو ليحقق نبوءته، أو ليفضح مؤامرات الآخرين ضدنا. هذه الحالة غير الطبيعية تؤكد أنه حري بنا أن نعمل بعد انفراج الأزمة على أمورٍ في غاية الأهمية، وهي تغذية الوعي لا تخديره أو تجاهله أو تجاوزه، وتوسعة المدارك لا طمرها بالتقدم الرقمي المتسارع، وتقدير الذات بدلاً من دمجها حد الإخفاء في عالمٍ كبير صغير متعولم.. بل إنه جدير بنا أن نمارس مع بعضنا المزيد من الحريات التي تتيح لكل فرد الإفصاح عن الآراء والأفكار، والتحاور حولها بكل أريحية عوضًا عن تركها منسية في غياهب الأنا. ** **