شاهدت مؤخرًا فيلمًا أمريكيًا ذاع صيته بعنوان (صندوق الطائر) Bird Box، كانت لديَّ فكرة مسبقة عنه، وبتساؤلات عن سبب هذا الإقبال عليه والجماهيريه رغم أن الفكرة بدت لي عميقة جدًا، وعادةً لا نجد رواجًا لمثل هذه الأفلام لدى الجماهير إلا أن أداء الممثلة المذهل وعنصر التشويق كانا سببًا لا نستطيع إغفاله. أما بالنسبة لي فوجدت بأن الأسباب كثيرة لكني استثنيتها كلها وغرقت في تأمل أحد المحاور والرسائل التي مررها هذا الفيلم من تحت الماء. حيث إن القصة دارت حول ظاهرة انتحار جماعي مجهولة السبب، ومن انتحر بدت عليه أعراض اندهاش عجيب وتحديق في مجهول ينقاد نحوه بجنون حتى يقتل نفسه. ومن خلال تلك الأحداث تقوم البطلة بعصب عينيها وأعين طفليها حتى لا ترى ما يرون ولا تُصاب بما أصيبوا به، ومن هنا تبدأ الرحلة نحو نهاية الفيلم. استطاعت النجاة وهي معصوبة العينين فمن قادها إذًا ما دام البصر غائبًا؟ كانت بصيرتها وحدسها وذاك اليقين بالنجاة. عندها تأملت أمر تلك البصيرة ومدى إهمالنا لها. فكم مرة تبعنا بصيرتنا وحيّدنا البصر؟ ففي حين يرى البصر ظاهر الأمور فإن البصيرة تسبر أغوارها، فالبصر لا يمكنه أن يرى غير ما يظهر للجميع بينما البصيرة حادة عميقة نقية للحد الذي يُمكنها من رؤية ما وراء الستار، هي لا تتخطى الغيب لكنها تُلهمك إن أنت أتقنت الاتساق مع إشاراتها وآمنت بها. إغفالنا للحدس يجعلنا فاقدين لحسن التقدير تائهين بأبصار قد تقودنا إلى متاهة لا خروج منها. قد لا يملك الجميع البصيرة ذاتها ويتفاوت البشر في مستوى عمق بصيرتهم وأحسب بأن القليل من الوعي والتأمل مع الكثير من الإيمان بالذات ومَنْطَقَة الأمور سيفضي بنا إلى صفاء البصيرة، بإمكاننا أن نجعل أعيننا نوافذَ لقلوبنا إن أتقنا التناغم بين عين ترى ما ظهر وقلب يُبصر ما بطن، فالعين مرآة للقلب. والقلب دليل الباحثين عن النجاة السابرين لدهاليز الحياة، والذين لا يكفيهم العيش العابر بل يبحثون عن الخلود. مخرج: لا يوجد اكتشاف عظيم تمَّ من دون حدس جريء. - اسحاق نيوتن ** ** - حنان القعود