كان من سوء حظ الديمقراطيين، أن الرئيس ترمب فاز بالرئاسة، في الوقت الذي يسيطر فيه الجمهوريون على الكونجرس بشقيه -الشيوخ والنواب-، ومنذ ذلك التاريخ، وهم يتوعدونه بالملاحقة، ثم جاءت الانتخابات النصفية، وتمخض جبل الديمقراطيين عن فأر، إذ احتفظ الجمهوريون بأغلبية المجلس الأهم والأقوى، أي مجلس الشيوخ، وهو الذي يتكون من مائة عضو، كل ولاية يمثلها عضوان، سواء كانت ولاية كبرى مثل نيويورك، أو صغيرة جدا مثل فيرمونت، وفاز الديمقراطيون بأغلبية مجلس النواب، الذي يكون التمثيل فيه بالنسبة والتناسب بين الولايات، وهذا مؤشر على تأثير الرئيس ترمب، إذ فاز كل أعضاء مجلس الشيوخ، الذين دعم ترمب حملاتهم الانتخابية، سواء كان ذلك حضوريا، أو عن طريق حسابه الشخصي في تطبيق تويتر. تنشر وسائل الإعلام المعادية لترمب، خصوصا حسابات الخلايا القطرية والإيرانية على تطبيق تويتر، أن مجلس النواب، بأغلبيته الديمقراطية، قد يعزل ترمب، ولا يتوسعون في الحديث عن مسألة العزل، إما نتيجة جهلهم بآلية إجراءات العزل، أو لأنهم يتعمدون التضليل والتشويش، ولا أزعم هنا أن مجلس النواب لن يسعى لعزل ترمب، فالديمقراطيون انتظروا هذه الفرصة طويلا، وبإمكانهم بدء إجراءات العزل في مجلس النواب، وقد يهيئ لهم المحقق الخاص في قضية تدخل روسيا بالانتخابات الأمريكية، روبرت مولر، هذه الفرصة، فهو انتظر طويلا، ومدّد وتوسع في التحقيقات عمدا، لأنه يريد أن يقدم تقريره بعد الانتخابات النصفية، إذ هو من أشرس خصوم ترمب، فالأخير كان قد قابله، عندما كان يبحث عن مدير جديد لمكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي)، ولم يقتنع به، ويبدو أن مولر لم ينس هذه الإهانة من الرئيس، ويريد أن يردها له عبر تقريره القادم. نعم، قد يعزل مجلس النواب ترمب، لأن هذا يتطلب التصويت بالأغلبية فقط (النصف+ واحد)، ولكن لا يعني هذا أن ترمب سيغادر البيت الأبيض، بل إنه سيستمر في عمله رئيسًا، حتى بعد تصويت مجلس النواب على عزله، لأن عزل مجلس النواب للرئيس هو الخطوة الأولى فقط، في إجراءات العزل المعقدة، إذ بعد ذلك سينتقل أمر العزل إلى المجلس الأهم، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، أي مجلس الشيوخ، وحينها ستعقد محاكمة للرئيس، بعد أن يتحول المجلس إلى ساحة قضاء، ثم يصوت الأعضاء، ويتطلب عزل الرئيس أن يصوت ثلثا أعضاء المجلس على العزل، وهذا شبه مستحيل، إذ إن الديمقراطيين يحتاجون لأصوات 20 سيناتورا جمهوريا حتى يستطيعون عزل ترمب، وربما أن المطرب شعبان عبدالرحيم سيحصل على جائزة نوبل في الطب، قبل أن يحدث ذلك، والخلاصة هي أن مجلس النواب بأغلبيته الديمقراطية يستطيع التصويت على عزل ترمب، ولكن الديمقراطيون لن يستطيعوا حشد الأصوات اللازمة في مجلس الشيوخ لعزله فعليا، فلا تسمحوا لجاهل أن يخدعكم، سواء نتيجة عدم اطلاع ومعرفة بالنظام السياسي الأمريكي، أو نتيجة تظليل متعمد، فعزل رئيس أمريكا أمر في غاية الصعوبة والتعقيد.