المملكة تحتفل بمرور ثلاثة أعوام على مبايعة الملك سلمان بن عبدالعزيز ملكا سابعا لها. ثلاثة أعوام استثنائية في تاريخ المملكة لأن الملك سلمان أضاف إليها خمسة عقود ونيف وهو في قلب صناعة القرار، ما جعل فترته في الحكم متميزة ومختلفة. لقد دخل قصر اليمامة ولديه تصور بتفاصيل التفاصيل عن العمل المطلوب إنجازه، وعن طبيعة التحديات وكيفية مواجهتها، وهو مؤمن بأن التغيير الجوهري حان وقته ولا بد من اتخاذ قراره وتنفيذه مهما كان مؤلما، ذلك أن عدم الإقدام بجسارة سيعني ندما وألما أشد في المستقبل القريب جدا. لن أستفرغ الجهد فيما تحقق داخليا وإنما أتطرق في عجالة لشكل ومضامين السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية. منذ توحيد المملكة والسياسة الخارجية السعودية تميل إلى المهادنة على خطوط التماس الخارجية، لديها ثوابت لا تقبل المساس بها، وما دون ذلك قابل للتفاوض. الدين والسيادة والقضايا الإسلامية والعربية ومنها قضية فلسطين ثوابت تتمسك فيها السعودية بخط واضح بحيث إن ما تقوله خلف الكواليس هو ما تقوله أمام الإعلام. ويمكن لها أن تحقق ما تريد دون أن يعرف أحد حجم الجهد المبذول. ولأن لكل مرحلة ظروفها، وشروطها والقوى المؤثرة فيها، فإن طبيعة التفاعل بين القوى المؤثرة عالميا وبخاصة بريطانيا وروسيا وفرنسا فيما قبل عام 1945م تطلبت النأي بالنفس عن الصراعات والتركيز على التمكين لهذه الدولة الضخمة التي توحدت من معظم أرض شبه الجزيرة العربية واستحوذت على عاملي قوة مهمين هما الدين ممثلا بالحرمين الشريفين -وبذلك فهي قلب العالم الإسلامي بدون منازع- والنفط الذي تدفق بسخاء من باطن أرضها فكانت لاحقا صاحبة القول الفصل في سياسات الطاقة العالمية. أما المرحلة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية فقد شهدت تقهقر قوى ولاعبين وبروز الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبذلك تمسكت المملكة بعلاقات استراتيجية مع أمريكا واعتبرتها الحليف الأول في علاقاتها الدولية، ومعا خاض البلدان تحديات وخرجا منها منتصرين. لكن بداية القرن الوحد والعشرين شكل منعطفا خطيرا في العلاقات الدولية، فالثابت الأساس في السياسة الداخلية والخارجية السعودية وهو الدين أصبح موضع تساؤلات ومخاوف حقيقية عند الحليف الاستراتيجي الأهم. وكان الملك سلمان حاضرا في قلب المشهد منذئذ وقريبا من صناعة القرار. ومع تطور الأحداث وتسارعها وبلوغها الذروة بحلول عام باحتلال العراق عام 2003م على الرغم من النصائح السعودية بعدم فعل ذلك، وما تلاه من فوضى هيأت لولادة تنظيمات إرهابية أشد فتكاً من تنظيم القاعدة، ومناولة العراق لدولة راعية للإرهاب حيث سيطرت إيران على مقاليد القرار في هذا البلد العربي الشقيق، ثم فترة الرئيس باراك أوباما الذي ابتاع أمن أمريكا الداخلي من ملالي طهران بإطلاق العنان لعبثهم في المنطقة فاحتلوا أربع عواصم عربية وكوفئوا بتوقيع الاتفاق النووي مع طهران. هذه المرحلة لم تؤثر على المملكة فحسب وإنما استهدفت وجودها. لم يبق للملك سلمان والحالة هذه خيارات سهلة، وإنما وضعته الظروف الإقليمية والدولية أمام تحديات مصيرية، فإما أن تنتظر المملكة ما يقرره لها الآخرون، وإما أن تبادر بجسارة وتكون شريكا في تحديد مصير منطقتنا والعالم. وباختصار شديد أقول بأن السياسة الخارجية في عهد الملك سلمان مبادرة، حازمة، فاعلة تسمي الأمور بمسمياتها، ولا تجامل على حساب مصالحها وسيادتها وأمنها الوطني. سياسة تتصرف من خلال أربعة محاور أساسية هي السلام والأمن والاستقرار والتنمية، وقدمت في كل محور عددا من المبادرات الدولية. إنها سياسة لا تحبها الدول المارقة ولا المنافسة ولكنها مجبرة على احترام هيبة القرار السعودي.