المؤسس: أحب الأمور إلينا أن يجمع الله كلمة المسلمين فيؤلف بين قلوبهم أعمدة السياسة السعودية الخارجية: سيادة تامة.. علاقات شفافة.. دعم الاستقرار العالمي إنّ السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية مبنية على ثوابت محددة، وهي الانسجام مع مبادئ الشريعة الإسلامية، والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، والالتزام بقواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية واحترامها، وبناء علاقات ودية تخدم المصالح المشتركة مع دول العالم، تقوم على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وإعلاء شأن المملكة ومكانتها في العالم. ومنذ تأسيس المملكة على يد المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والمملكة تسير في سياستها الخارجية في نطاق أخلاقي أملاه عليها دينها الإسلامي، وثقافتها العربية، واستشعارها لأهميتها وثقلها على الصعيد الدولي. وورث الأبناء عن المؤسس - رحمه الله - صفات القيادة السعودية التي تتمثل بالحزم والعزم والحسم.. والملك سلمان، هو العنوان الأبرز لهذه الصفات للقائد الهمام، والنبيل الملهم. وسنستعرض ضمن هذه المساحة المحدودة بعض الثوابت الأخلاقية لسياسة المملكة العربية السعودية الخارجية..دولة ولدت عملاقة كان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بالإضافة إلى عبقريته العسكرية المعروفة ذا حسٍّ سياسي خارق، إذ إنه لم يتوقف عند مجرد التوحيد، بل أسس منهجاً لمجتمع جديد، وعن طريق هذا المنهج استمد المؤسس تصوره السليم للوحدة والقوة والتاريخ والعلاقات الدولية، وبمقتضى هذا الفهم وظّف تلك المرتكزات في مشروعه الكبير. ومنذ اللحظات الأولى التي وضع المؤسس ركابه في العاصمة الرياض يوم 5 شوال 1319ه فاتحاً ومنتصراً ومظفراً بدأت الحياة تتبدل وتتغير إلى الأجمل في إصرار من أجل تحقيق حلم الوحدة الذي ولد في العام 1351ه بعد نضال وكفاح استمر لأكثر من اثنين وثلاثين عاماً سطرت بمداد من ذهب، تخللتها التضحيات بكل غالٍ ونفيس من أجل تحقيق الأمن والرخاء والمكانة العالمية المرموقة التي يشار إليها بالبنان في كل المحافل، وكدليل على المكانة العالمية التي تحتلها بلادنا على المستوى العالمي هي انضمامها إلى عصبة الأممالمتحدة، إذ تعد المملكة عضواً مؤسساً في منظمة الأممالمتحدة وشاركت في مؤتمر سان فرانسيسكو الذي تم خلاله إقرار ميثاق منظمة الأممالمتحدة بوفد ترأسه الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- عندما كان وزيراً للخارجية، إلى لندن في 10 يناير 1946م بحضور ممثلي إحدى وخمسين دولة. إنّ العمل على بناء علاقات خارجية قوية ومتينة مع دول الجوار كان يجري على قدم وساق، بل تعدّى ذلك إلى بناء علاقات متينة مع جل دول العالم، خصوصاً التي كان لها اليد العليا في صنع القرار، ومن أجل ذلك تم دعم وزارة الخارجية عند تأسيسها بالرجال الأكفياء الذين مارسوا العمل بمهنية متفانية، بعد أن كان العمل يدار من قبل الملك بالاستئناس برأي المستشارين من حوله والذين يملكون الخبرة الكافية في المجالات كافة. فمسيرة المؤسس وعزيمته وإصراره على الوصول ببلادنا إلى مصاف الدول المتقدمة باتت محل إعجاب الكثيرين من السياسيين والمفكرين والمتتبعين لسير العظماء، مما حداهم إلى تسطير عبارات الثناء والإجلال للملك عبدالعزيز - رحمه الله - عبر تأليف عدة كتب ما زالت تستقى منها الحكمة والحنكة في تدبر الأمور. نصرة فلسطين.. قضية الملوك الأولى منذ عهد المؤسس حصافة سياسة المملكة جعلتها محل ثقة دولية وشريكاً عالمياً ولم يغفل المؤسس - طيب الله ثراه - عن تهيئة جيل فتي يحمل هم بلاده في مستقبل الأيام من بعده، فبدأ بتهيئة أنجاله لتحمّل المسؤولية، فهيأ لهم التعليم العالي، وأشركهم في صنع القرار، وكلّفهم بمهام تسبق أعمارهم، الأمر الذي أتى أكله بعد رحيله عن الدنيا، وذلك بقيام الملوك البررة من بعده بالسير على خطاه في بناء علاقات متينة مع دول العالم لما فيه مصلحة المملكة والأمتين العربية والإسلامية. وشكّلت المملكة بموقعها المتميز، وبامتلاكها أقدس بقعتين على وجه الأرض مكة المكرمة والمدينة المنورة، قوة إسلامية وعالمية باعتبارها قلب العالم الإسلامي، وكذلك بامتلاكها للثروات الطبيعية الكبيرة، مما جعلها دولة لها حضورها العالمي وثقلها السياسي وقدرتها على اتخاذ القرار المناسب في كل ما فيه مصلحتها، فأصبحت من القوى المؤثرة في العالم. ومن أبرز المحطات في تاريخها هو تزايد نفوذها السياسي ونموها الاقتصادي الذي جعلها تدخل في قائمة دول العشرين، حيث أعطت العضوية في هذه المجموعة للمملكة قوة ونفوذاً سياسياً واقتصادياً ومعنوياً كبيراً يجعلها طرفاً مؤثراً في صنع السياسات العالمية. وجاءت مشاركة المملكة في اجتماعات مجموعة العشرين بتاريخ 15 نوفمبر 2008م في واشنطن تأكيداً على مكانة المملكة السياسية والاقتصادية في المحفل الدولي، ودورها الفاعل، وشهدت قمة العشرين 2019م والتي شارك بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ضمن قادة العشرين تسليم رئاسة القمة من اليابان تحضيراً لاستضافة القمة المقبلة 2020م في العاصمة الرياض، وقد انطلقت من الرياض يوم الخميس 26 مارس 2020م أعمال القمة الافتراضية الاستثنائية لقادة دول مجموعة العشرين بقيادة المملكة. لذلك أسهمت بلادنا بثقلها السياسي في جل المحافل الدولية، ونافحت عن القضايا العربية والإسلامية، ويأتي في مقدمتها القضية الفلسطينية التي ما زالت ومنذ عهد المؤسس - طيب الله ثراه - وإلى عهد سلمان الحزم والعزم هي الشغل الشاغل والمؤيد والمناصر الأول للشعب الفلسطيني والقضايا العربية والإسلامية. العضيد الأمين عملت المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - حتى اليوم على دعم القضايا العربية والإسلامية، وهذا التزام أخلاقي سارت عليه على الرغم من إمكانية تبنيها لقضاياها الخاصة والتحرر من الالتزامات تجاه هذه القضايا مما سيوفر عليها الكثير من الجهد والمال. ويؤكد على أهمية التزام المملكة الأخلاقي ما جاء في المادة الخامسة والعشرين من النظام الأساسي للحكم: «تحرص الدولة على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة وعلى تقوية علاقتها بالدول الصديقة». كما كان المؤسس - طيب الله ثراه - قد دعا إلى أول مؤتمر إسلامي عام في تاريخ الإسلام، وذلك في عام 1345ه بحضور وفود من الدول الإسلامية. وبفضل السياسة الحكيمة والمبادرات الرائدة، بات العمل على وحدة صف المسلمين إحدى السمات المميزة لثوابت السياسة السعودية.. وقال في وقتها الملك عبدالعزيز: «إن أحب الأمور إلينا أن يجمع الله كلمة المسلمين فيؤلف بين قلوبهم، ثم بعد ذلك أن يجمع كلمة العرب فيوحد غاياتهم ومقاصدهم ليسيروا في طريق واحد يوردهم موارد الخير». وقال - طيب الله ثراه - في مقام آخر في عام 1936م: «خدمة الإسلام والعرب واجبة علينا بصفة عامة، وخدمة شعبنا وأمتنا واجبة علينا بصفة خاصة». كما قال في خطبة أخرى في عام 1941م: «والذي نشهد عليه أننا ما ننام ليلة إلا وأمر جميع المسلمين يهمنا، يهمنا أمر إخواننا السوريين، وأمر إخواننا الفلسطينيين، وأمر إخواننا العراقيين، وإخواننا المصريين، تهمنا حالهم ويهمنا أمرهم، ويزعجنا كل أمر يدخل عليهم منه ذل أو خذلان، لأننا نرى أنهم منا ونحن منهم، كما تهمنا بلاد المسلمين...» وأكد - طيب الله ثراه - في عام 1945م على أهمية القضية الفلسطينية سعودياً وعربياً وإسلامياً، فهي الثابت الأخلاقي عنده: «إن مسألة فلسطين هي أهم ما يشغل أفكار المسلمين والعرب هذه الأيام، وهي المسألة التي يجب أن تكون موضع عناية الجميع ومدار اهتمامهم. ومع أنني لا أحب كثرة الكلام وأفضل على الدعاية العمل الصامت المثمر، فإني أقول بصراحة: إن السكوت على قضية فلسطين لا يوافق المصلحة». وفي بدايات القضية الفلسطينية وتحديداً في أكتوبر عام 1929م، أرسل الملك عبدالعزيز استنكارًا للحكومة البريطانية عندما ألقت جماعة من اليهود القنابل على المسلمين أثناء صلاة الجمعة، وأرسل كتباً أخرى إلى هيئات عربية وإسلامية ودولية يندد فيها بالأعمال الإجرامية المرتكبة بحق الفلسطينيين، وواصل مساندته للثورة الفلسطينية متحدياً في ذلك الحكومة البريطانية عام 1936م، عندما قامت الثورة ضد الإنجليز في فلسطين وشملت البلاد، ونكل البريطانيون بالثوار الفلسطينيين، عندها أصدر الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - أمره في 5 يونيو 1936م، إلى وزارة الخارجية ووزارة المالية بإرسال مساعدة عاجلة من الأموال والمؤن والأرزاق إلى أهل فلسطين. وكان دائماً ما يغتنم مواسم الحج باستمرار لتبصير العرب والمسلمين بالقضية الفلسطينية. ولأولئك الذين يتذكرون اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - والرئيس الأميركي روزفلت، وكيف طرح القضية الفلسطينية يوم كان الغرب يبحث عن وطن لليهود في العالم، قال روزفلت عن نفسه بعد أن التقى الملك عبدالعزيز إنه تعلّم منه في خمس دقائق أكثر مما كان سوف يتعلمه عبر وسائل أخرى كالرسائل، ويعني بذلك وجهة نظر الملك عبدالعزيز حول فلسطين، وتفكير الغرب بتحويلها وطناً لليهود، هذه اللحظة التاريخية سجلتها الكتب والرسائل لتثبت للعالم أن مؤسس الدولة السعودية قد وضع القضية الفلسطينية الأولى كإحدى القيم الثابتة في سياسات المملكة على مر السنين. وقال الملك سعود - رحمه الله - في اجتماع لمجلس الوزراء عام 1373ه، واصفاً السياسة السعودية الخارجية: «أما سياستنا الخارجية فإننا نرتسم فيها خطى والدنا العظيم، وأول ما يهمنا فيها هو العمل على جمع كلمة العرب، وتأييد مصالحهم في جامعتهم، ضمن ميثاقها، وضمن معاهدة الدفاع المشترك. وقد أبلغنا الوفد الذي مثلنا في جامعة الدول العربية في أول اجتماع لها، بعد استلامنا الحكم، أن يعلن عزمنا الأكيد على مناصرة العرب،... ونحن سنسير بعون الله في دعوة البلاد العربية كافة لجمع كلمتها، وتوحيد قواها، لما يجمع شمل العرب ويحفظ استقلالهم ورد غائلة العدوان عنهم من أي جهة كانت». وأيضاً قال في عام 1373ه في خطبة أخرى: «... ونحن على أتم استعداد للسير فيما فيه عز العرب والمسلمين». وفي حديث له مع الكاتب الأميركي ألفريد ليلينتال عام 1954م، قال - رحمه الله - عن القضية الفلسطينية: «إن فلسطين عربية، هذا حجر الزاوية ...». وإبان العداون الثلاثي البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي على مصر وقطاع غزة عام 1956م، كانت المملكة في مقدمة الدول التي سارعت بعرض مساعداتها لمصر، كما قطعت النفط عن الحكومتين البريطانية والفرنسية وغيرها من السفن المتجهة بحمولتها الى هذين البلدين من النفط السعودي، وقطع العلاقات معهما، وبذلك يكون الملك سعود بن عبدالعزيز اول من استخدم سلاح النفط. ويعود الفضل إليه - رحمه الله - في تشكيل اللجان الشعبية لمساعدة مجاهدي وأسر شهداء فلسطين عقب نكسة يونيو 1967م، والتي عهد برئاستها إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عندما كان أميراً لمنطقة الرياض، عبر اثني عشر مكتباً غطت معظم مدن المملكة الرئيسة. كما كانت المملكة وراء الاقتراح الذي طرح في قمة الخرطوم في أغسطس 1967م، لدعم دول المواجهة الثلاث مصر وسورية والأردن بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية حتى إزالة آثار العدوان. ونادى الملك الفيصل - رحمه الله - في القمة العربية الثانية التي عقدت في الإسكندرية عام 1964م والتي كان يترأسها، بحتمية وإظهار الوجود الفلسطيني، ومده بكل وسائل الاستمرار، وقدم خمسة ملايين جنيه استرليني هبة منه لتكوين خمس كتائب فدائية تعمل لتحرير فلسطين. وأثناء افتتاح مؤتمر رابطة العالم الإسلامي في أبريل 1965م، بمكة المكرمة، قال الملك فيصل - رحمه الله -: «إن المملكة العربية السعودية شعباً وحكومة ستؤيد إخوانها في كل قطر من أقطار الأرض، وإننا لنأمل من إخواننا المسلمين أن يشد بعضهم أزر بعض لما فيه خير دينهم ودنياهم». وواصل - رحمه الله -: «أيها الإخوة، في هذا اليوم الذي نأمل - بحول الله وقوته - أن يكون بداية انطلاقة إسلامية أحب أن ألاحظ أو أبين لإخواني منهج سياسة المملكة العربية السعودية. إن سياستنا الإسلامية لا تخرج عمّا قدمت، ونحن مع إخواننا المسلمين في كل قطر، وفي كل مكان، ونسعى بكل ما أوتينا من قوة لتوحيد صفوف المسلمين، وزيادة التقارب بينهم، وإزالة كل ما يشوب علاقاتهم من خلافات أو مؤثرات...». وقال أيضاً في الخطبة نفسها: «أما سياستنا العربية فإنها سياسة أخوة ومحبة وتعاون في نطاق ميثاق الجامعة العربية. وإننا -أيها الإخوة- مع إخواننا العرب في كل ما يهمهم، وفي أي قضية أو مشكلة تعرض لهم، وسنكون بعون الله وقوته في المقدمة لا في المؤخرة...». وتابع خطبته واصفاً القضية الفلسطينية بأنها قضية كل المسلمين: «...لا أستطيع التغاضي عن قضية هي قضيتكم، وإنني لا أعرضها من ناحيتها السياسية، ولكنني أعرضها باعتبارها قضية كل المسلمين في الأرض، وهذه القضية -أيها الإخوة - هي قضية فلسطين السليبة». وقد بقيت القدس الحلم الأكبر يتحدث عنها الملك خالد - يرحمه الله - وكان يكرر دائماً القول في جلساته: إن تحرير فلسطين وفي مقدمتها القدس الشريف هي قضية الاسلام والمسلمين الأولى، وهي مسؤولية جميع الدول والشعوب الأخرى المحبة للسلام. وأمر الملك خالد - رحمه الله - عندما اجتاحت إسرائيل لبنان عام 1982م، بتزويد المقاتلين الفلسطينيين بالسلاح والذخيرة من مستودعات الحرس الوطني والجيش، ودفع خمسة ملايين دولار من حسابه الخاص لياسر عرفات عندما جاء طالباً المزيد من الدعم، وأكد الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في خطبته في حج عام 1407ه، على أهمية القضايا العربية والإسلامية للمملكة، وفي مقدمتها القضية الإسلامية: «نولي قضايا الأمة الإسلامية والعربية كل اهتمامنا من خلال العمل المشترك، وفي طليعتها القضية الفلسطينية». وقررت المملكة في عام 1989م، تقديم دعم شهري للانتفاضة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة بواقع ستة ملايين وعشرين ألف دولار، وذلك بناءً على ما اتخذ من قرارات في قمة الجزائر لدعم الانتفاضة. وخصصت المملكة في عهد الملك فهد - رحمه الله - مبلغ 72.5 مليون دولار للطرق وشبكات الصرف الصحي والصحة والتعليم، وقدمت مبلغ 9.972.000 دولار لنقل رجال الأمن الفلسطيني من أماكن وجودهم في العالم العربي إلى الأراضي الفلسطينية. وليس غريباً على المملكة التي وقفت بكل صلابة في مواجهة المؤامرات ضد مدينة القدس، ومحاولات طمس تاريخها الإسلامي، واغتصاب أرضها، وتهجير أهلها، ففي القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في الفترة من 21 - 22 أكتوبر 2000م، والتي أطلق عليها (قمة الأقصى)، أكد في القمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد أن «القدس الشرقية قضية عربية غير قابلة للتنازل والمساومة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التخلي عنها، ونعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة التي تسري عليها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأن المسؤولية في الحفاظ على القدس وتحرير الأراضي المحتلة تقع علينا جميعاً...». وفي قمة الألفية الثالثة التي نظمتها هيئة الأممالمتحدة بمقرها في نيويورك في شهر سبتمبر 2000م، أكد الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد: إن القدس الشريف جزء لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، وينطبق عليها قرار مجلس الأمن رقم 242». نهج ثابت استمر هذا النهج السياسي السعودي لملوك هذه البلاد البررة من حرص على العرب والمسلمين وخدمة لقضاياهم حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - حيث قال أثناء حفل الاستقبال السنوي لأصحاب الفخامة والدولة وكبار الشخصيات الإسلامية الذين أدوا فريضة الحج عام 1437ه: «إن الإسلام هو دين السلام والعدل، والإخاء والمحبة والإحسان، وما يشهده العالم الإسلامي اليوم في بعض أجزائه من نزاعات ومآسٍ وفرقة وتناحر يدعونا جميعاً إلى بذل قصارى الجهد لتوحيد الكلمة والصف، والعمل سوياً لحل تلك النزاعات وإنهاء الصراعات، والمملكة تؤكد حرصها الدائم على لم شمل المسلمين ومد يد العون لهم، والعمل على دعم كل الجهود الخيرة والساعية لما فيه خير بلداننا الإسلامية... وإن المملكة العربية السعودية منذ أسسها جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله رحمة واسعة - قد جعلت وحدة الأمة الإسلامية، والسعي في لم الشمل العربي والإسلامي هدفها الذي تسعى إليه دائماً، وتحرص على تحقيقه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وسنبقى حريصين على هذا الهدف النبيل قيادة وشعباً، نفرح لفرح إخواننا المسلمين، ونحزن لحزنهم، نواسيهم في ما ألم بهم، ونسهم في إصلاح ما تصدع من جدار الأمة وكيانها العزيز علينا، بوقوفنا معهم في الشدة والرخاء». كما وجّه خادم الحرمين الشريفين للحفاظ على استمرار اللجنة الشعبية بالمملكة للقيام بأداء رسالتها الخيرية في دعم صمود الشعب الفلسطيني. وكان - حفظه الله - ولا يزال في مقدمة الداعمين للقضية الفلسطينية، ولحق الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة في أن تكون له دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف. ويتجلى هذا الثابت الأخلاقي من ثوابت السياسة السعودية في عهد الملك سلمان - حفظه الله - في موقف المملكة من القضية الفلسطينية إذ يقول خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في كلمته أثناء افتتاحه أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى: «إن من أولويات سياسة المملكة ومبادئها السعي لإيجاد حلّ عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية، ومطالبتها الدائمة للمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية العدوانية والمتكررة ضد الشعب الفلسطيني، وستواصل المملكة جهودها دعماً لهذه القضية من أجل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وإعادة الحقوق للشعب الفلسطيني الشقيق». ويقول في نفس الكلمة عن القضية اليمنية: «وبالنسبة لليمن الشقيق، فنحن في المملكة العربية السعودية نرى أن أمن اليمن الجار العزيز من أمن المملكة، ولن نقبل بأي تدخل في شؤونه الداخلية، أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقراً أو ممراً لأي دول أو جهات تستهدف أمن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها، ونأمل نجاح مساعي الأممالمتحدة في الوصول إلى حلّ سياسي باليمن وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني». وتقدمت المملكة عمليات عاصفة الحزم لردع العدوان الحوثي بالتعاون مع حلفائها في دول الخليج والدول العربية، لتؤكد استمرار مواقفها المشرفة والثابتة تجاه قضايا أمتيها العربية والاسلامية والسلام العالمي بإجماع وتأييد المجتمع الدولي لما تحمله أهداف تلك العملية من تحقيق الشرعية، وانطلاقاً من مسؤوليتها تجاه الشعب اليمني الشقيق، واستجابة لما تضمنته رسالة فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي من طلب لتقديم المساندة الفورية بالوسائل والتدابير اللازمة كافة لحماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية المدعومة من قوى إقليمية هدفها بسط هيمنتها على اليمن وجعلها قاعدة لنفوذها في المنطقة. وكان اجتماع الملك سلمان مع القيادات الخليجية تحديداً في قصر العوجا يوم السبت 21 مارس قد تمخض عنه انطلاق عاصفة الحزم في الساعة الثانية صباحاً بتوقيت المملكة الخميس 26 مارس 2015م، والتي شاركت فيها 10 دول لتحجيم عصابات الحوثيين، وإعادة الشرعية لليمن، ومقاومة التمدد الإيراني في جنوب الجزيرة العربية. وكان لعاصفة الحزم ومن ثم إعادة الأمل في اليمن قبول عالمي أوجد تحالفاً مهماً غير الكثير من الوقائع في منطقتنا. وواصل حفظه الله: «سعت المملكة وما زالت تسعى لمد يد العون والمساعدة الإنسانية للدول العربية والإسلامية والصديقة للإسهام في التخفيف من معاناتها، جراء الكوارث الطبيعية والصراعات، فهي لا تتوانى عن تقديم مساعداتها الإنسانية الداعمة للمتضررين شعوراً منها بالواجب وإعمالاً لمبادئ الدين الحنيف، وسجلت المملكة أولوية بمبادراتها المستمرة في المساعدات والأعمال الإنسانية على مستوى العالم. وفي هذا السياق وفي ظل ما يجري في الجمهورية اليمنية الشقيقة، بادرت المملكة وما زالت تقدم المساعدات تباعاً للأشقاء في اليمن، فيما قدمت الحملة السعودية لإغاثة النازحين السوريين الكثير من المساعدات الإنسانية للأشقاء المتضررين من وطأة الحروب وما تزال هذه المساعدات تتواصل لهذا الشعب المنكوب». فالمملكة سعت منذ بداية انتفاضة الشعب السوري في مارس 2011م على احتواء الاحتجاجات سلمياً، إلا أن النظام آثر التعنت وعدم الإنصات لصوت العقل وكثّف حملته العسكرية وشن حرب إبادة ضد الأهالي باستخدام كافة أنواع الأسلحة الثقيلة من دبابات وطائرات وصواريخ ثم استخدام الأسلحة الكيماوية وإلقاء البراميل المتفجرة على التجمعات السكنية للمدنيين العزل. ذلك وقفت المملكة إلى جانب الشعب السوري الشقيق لبلوغ أهدافه المشروعة في الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية، فكانت المملكة في مقدمة الدول الداعمة له والمتلمسة لمعاناته الإنسانية، ففتحت أبوابها للمواطنين السوريين، بالإضافة إلى الدعم الطبي والعيني والاهتمام الكامل بالملايين من السوريين اللاجئين في الدول المجاورة، وفي كل ذلك كان التعامل إنسانيا يليق بالأخوة والروابط المشتركة. ومن هنا نؤكد انحياز المملكة للشعوب العربية والإسلامية بعيداً عن المواقف والأجندات السياسية وتحركات الحكومات وسياسات الدول. فالسجل المشرِّف لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - لا يحوي إلا مواقف شجاعة ولفتات كريمة نابعة من صفات القيادة وتحمل المسؤولية، مواقف أصلها الشجاعة، وعنوانها الصدق، ومنبعها الإنسانية، تظهر عند الشدائد، وتتجلى في المواقف الصعبة، وتتصدر في أوقات الأزمات، لتزيد هذه الرؤية من احترام العالم ومحبة الشعوب وتقدير الإنسانية لسلمان بن عبدالعزيز. واستمرت القضايا الإسلامية والعربية عموماً، والقضية الفلسطينة خصوصاً، أحد أهم الأسس والقواعد المكونة للمملكة العربية السعودية وسياساتها الداخلية والخارجية، وعرّضت أمنها القومي مرات عدة للخطر في سبيل هذه القضية التي يؤمن بها كل ملوك المملكة منذ عهد المؤسس - طيب الله ثراه - وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -. التعاون الخليجي.. أولوية منذ تأسيس المملكة على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز ودول الخليج تعد على رأس أولويات السياسة الخارجية السعودية، وذلك لأسباب عدة أهمها أواصر القربى، والارتباط التاريخي، والجوار الجغرافي الذي يجمع المملكة بدول الخليج العربية، إضافة إلى تماثل الأنظمة السياسية والاقتصادية القائمة فيها، ورغبة هذه الدول بالقواسم المشتركة بينها وتنسيق السياسات المشتركة، وأهمها الأمنية والدفاعية في خضم أزمات وصراعات تحيط بالمنطقة وتؤثر عليها. وسعت المملكة في سياستها الخارجية إلى تطوير التعاون مع جميع الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز وتنمية العلاقات في جميع المجالات فيما يعود بالنفع والخير على الجميع. كما نجد أن ملوك المملكة من المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، كانت لهم مواقف تاريخية خالدة ومشرفة في تقديم العون والمساعدة لدول الخليج على مر عقود مضت، وليسجل التاريخ لهم أنبل المواقف في صفحاته. وسجل التاريخ للملك فهد بن عبدالعزيز - يرحمه الله - وقفته الشجاعة، إبان احتلال العراق للكويت عام 1990م، وحرب التحرير، متذكرين كلمته الشهيرة: «يا تبقى الكويت والسعودية يا تنتهي الكويت والسعودية» والتي تؤكد على المصير المشترك. كذلك سجل التاريخ في مارس 2011م، للمملكة بقيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يرحمه الله - وقفة مشرفة حينما استجابت لطلب مملكة البحرين بإسنادها بقوات درع الجزيرة للحفاظ على أمنها واستقرارها طبقاً لاتفاقية الدفاع المشترك، وحماية أي دولة خليجية تتعرض لأي تهديد أمني أو خارجي. وسجل التاريخ لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله - توجيهه ببدء عاصفة الحزم لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة، ومد يد العون للسلطة الشرعية في البلاد، معززاً بقرارات أممية، ومواثيق عربية، ومعاهدات دفاعية مشتركة، إضافة إلى الطلب الرسمي من الرئيس الشرعي لليمن الرئيس عبد ربه منصور هادي، لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجاءت «عاصفة الحزم» لردع الأطماع الأجنبية المتمثلة في التدخل الإيراني السافر في الشأن اليمني. وبما أننا ما دمنا في حضرة التاريخ وسجلاته، فلا بد من الرجوع إلى الرسالة التي بعثها الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني (حاكم قطر ما بين 1331ه - 1368ه) إلى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في 8 جمادى الأولى 1339ه، ويطلب فيها المساعدة؛ حيث يقول فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم... من عبدالله بن قاسم آل ثاني إلى جناب الأجل الأمجد الأفخم حميد الشيم سنيّ الهمم الهمّام المكرم المعظم أمير المؤمنين عبدالعزيز بن الإمام المبجّل عبدالرحمن الفيصل المحترم، حرسه الله تعالى وتولاّه ووفقه لما يحبه ويرضاه. بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزيل برّه وهباته، والسؤال عن عزيز حالكم على الدوام، دمتم بحال العز والإقبال وبلوغ الآمال. وقد سبق إلى جلالتكم منا كتب أرجو أنها وصلتكم وأنتم بوافر السرور. ثم أدام الله وجودك لا بد أوصينا الوالد الشيخ محمد بن ناصر ببعض الكلام ليبلغكم إياه من الرأس. وتعرف سلّمك الله أني ما عاد لي عضد أو ذخر إلا الله ثم جلالتكم في جميع الحالات. هذا ما لزم. ومهما يبدُ من لازم نصبح ممنونين. ويبلغ سلامنا الوالد المبجّل وكافة المشايخ الأشبال الفخام والإخوة الكرام. ومنا الأولاد يسلمون عليكم ودم سالماً محروساً». لذلك جاء تأسيس مجلس التعاون الخليجي تعبيراً من القادة عن أسس الإخاء والمحبة والتعاون بين دولهم، وامتداداً لعلاقات أزلية بين أبناء هذه المنطقة. خدمة العالم الإسلامي لا تزال المملكة ومنذ نشأتها تعمل على حشد وتكريس قدراتها ومواردها وتسخيرها لخدمة قضايا العالم الإسلامي، وتحقيق ترابطه وتضامنه، استناداً إلى حقيقة الانتماء إلى عقيدة واحدة، وأن التكافل الإسلامي هو السبيل لاستعادة المسلمين لمكانتهم وعزتهم. وأقامت المملكة مع شقيقاتها الدول الإسلامية منظومة من المؤسسات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية، ومنها رابطة العالم الإسلامي في عام 1962م، ومنظمة المؤتمر الإسلامي في عام 1969م، واحتضنت مقرّيهما، حيث ينبع ذلك الجهد من التصور التكاملي للسياسة الخارجية السعودية لمعنى التضامن الإسلامي، والعمل على تسوية المنازعات بالطرق السلمية بين دوله، وتقديم المعونات والإغاثة للدول الإسلامية ذات الإمكانات المحدودة والمنكوبة، ومناصرة المسلمين والدفاع عن قضاياهم أينما كانت. كذلك التصدي للغزو الثقافي والفكري الذي يهدد العالم الإسلامي بأشكال وأساليب مختلفة، والعمل على تطوير منظمة المؤتمر الإسلامي ودعم أدائها لتحقيق المزيد من الفاعلية لمواجهة المشكلات التي يتعرض لها، إضافة إلى تفعيل دور الدول الإسلامية في ظل النظام العالمي الجديد، وتقديم الدعم والنصرة للأقليات المسلمة في جميع دول العالم. قوة ذكية لمواجهة التحديات الخارجية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - والمملكة تنطلق في سياستها مع المجتمع الدولي من مبدأ الالتزام بالحفاظ على العهود والمواثيق. وهذا المبدأ الأساسي في السياسة الخارجية السعودية لم يأتِ من فراغ، بل موثق في المادة الخامسة والعشرين من الدستور السعودي: «تحرص الدولة على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة وعلى تقوية علاقتها بالدول الصديقة». وقد بيّن الملك عبدالعزيز أسس السياسة السعودية الخارجية والمنطلقة من عمق ديننا الإسلامي، عندما قال في أحد خطبه عام 1926م: «إن للدول الأجنبية علينا حقوقاً، ولنا عليهم حقوق، لهم علينا أن نفي لهم بجميع ما يكون بيننا وبينهم من العهود. يقول تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً) وإن المسلم العربي ليشين بدينه وشرفه أن يخفر عهداً، أو ينقض وعداً. وإن الصدق أهم ما نحافظ عليه. إن علينا أن نحافظ على مصالح الأجانب، وهي مصالح ماسة باستقلال البلاد الديني والدنيوي. تلك حقوق يجب علينا مراعاتها واحترامها، وسنحافظ عليها ما حيينا إن شاء الله». وأيضاً عن السياسة السعودية الخارجية يقول الملك سعود - رحمه الله - في 02 رجب 1373ه في أول اجتماع لمجلس الوزراء في عهده: «إن سياستنا العامة خارج نطاق الدول العربية هي السعي الدائم لتحسين علاقتنا السياسية مع الجميع، وإننا بعون الله عاملون على تقوية هذه الصلات الودية مع كل الدول التي تظهر الصداقة وترغب فيها معنا». وقال - رحمه الله - في خطبة له في 16 ربيع الأول عام 1374ه، وذلك بعد مرور عام على حكمه: «أما سياستنا الخارجية فقد أقمنا أسسها على مسالمة جميع الأمم، والتعاون معهم على ما فيه إحقاق الحق، ومقاومة الظلم، وحفظ المصالح المتبادلة بالتعاون والإنصاف... فسياستنا سياسة سلم ومسالمة، وصدق ومصادقة،... وإن لنا علاقات دولية نحترمها..». ويقول في خطبة أخرى عام 1379ه، وذلك بعد مرور ستة أعوام على حكمه: «إن سياستنا الخارجية التي عرفتموها.... ما زالت هي السياسة القويمة القائمة على تحسين صلاتنا مع جميع الأمم». وأكد الملك فيصل - رحمه الله - أثناء افتتاح المؤتمر الإسلامي في 17 أبريل 1965م: «أما سياستنا الدولية فإننا عضو في هيئة الأممالمتحدة ونحترم ميثاقها، وننظر إلى العدل والحق فيما يعرض على الهيئة العامة، ونحن في موقف حيادي فيما تتعرض له الكتل الكبرى من مشكلات ومطاحنات واختلافات، ولكننا في الوقت نفسه نؤيد ما نراه ونعتقد أنه الحق، وعلى الأخص فيما يتعلق في مصلحة البشرية». ومن الثوابت الأخلاقية للسياسة السعودية الخارجية الالتزام بميثاق الأممالمتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، ونرى هذا الركن الثابت منذ عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - إلى اليوم. وفي احتفال أهالي الرياض بمناسبة مرور عشر سنوات على حكمه عام 1974م، قال الملك فيصل - رحمه الله -: «إخواني: ولسنا في حاجة إلى تكرار الأساس التقليدي الذي تسير عليه سياستنا الخارجية فنحن منذ أسس هذه الدولة بانيها وواضع أساس نهضتها المغفور له الملك عبدالعزيز قد أثبتنا في المجال الدولي إيماننا بالسلام العالمي ورغبتنا في تحقيقه وتقويته ونشره في ربوع العالم... ونحن نؤيد في سبيل ذلك نزع السلاح وتجنيب البشرية مخاطر الأسلحة الفتاكة، وندعو إلى حرية تقرير المصير لكل الشعوب، وحل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية المرتكزة على الحق والعدل». وقال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - أثناء افتتاحه أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى 13 ديسمبر 2017م: «للمملكة دور مؤثر في المنظمات الإقليمية والدولية، وتحظى بتقدير إقليمي وعالمي مكنها من عقد قمم تاريخية في توقيتها ومقرراتها، شارك فيها عدد كبير من قادة الدول الشقيقة والصديقة، وأسست لعمل مشترك يستهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. وقد واصلت المملكة دورها الريادي الفاعل في التصدي لظاهرة الإرهاب وتجفيف منابعه... ودعت المملكة إلى الحل السياسي للخروج من أزمات المنطقة وحل قضاياها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة... من جانب آخر فإن المملكة تعمل مع حلفائها لمواجهة نزعة التدخل في شؤون الدول الداخلية وتأجيج الفتن الطائفية وزعزعة الأمن والاستقرار الإقليميين. وتسعى إلى ترسيخ قيم التسامح والتعايش، وتعمل على رفع المعاناة عن الشعوب». وهناك الكثير من الأمثلة، ولعل آخرها ما قام به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - من بذل الجهد الكبير في الإصلاح بين إثيوبيا وإريتريا، منهياً صراعاً تجاوزت مدته العشرين عاماً. ومثلما حرصت المملكة ولا تزال على السلم العالمي أحسنت إدارة ملف الطاقة العالمية والتي هي أحد أهم اللاعبين العالميين فيه، أكد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في إحدى كلماته: «المملكة ستواصل انتهاج سياسة متوازنة لتعزيز استقرار سوق النفط العالمية». كما أكد - حفظه الله - في كلمته أثناء افتتاحه أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى في ديسمبر 2016م: «في مجال السياسة الخارجية سنستمر بالأخذ بنهج التعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق السلام العالمي، وتعزيز التفاعل مع الشعوب لترسيخ قيم التسامح والتعايش المشترك، ونرى أن خيار الحل السياسي للأزمات الدولية هو الأمثل لتحقيق تطلعات الشعوب نحو السلام، وبما يفسح المجال لتحقيق التنمية». لذلك تعتز المملكة بكونها أحد الأعضاء المؤسسين لهيئة الأممالمتحدة في عام 1945م، وتؤمن أن السلام العالمي هدف من أهداف سياستها الخارجية، فهي تدعو باستمرار إلى أسس أكثر شفافية للعدالة في التعامل بين الدول في المجالات المختلفة، باعتبارها السبيل الوحيد إلى الازدهار والرخاء والاستقرار في العالم. وحرصت المملكة على دعم المنظمات الدولية بكل الوسائل والسبل المادية والمعنوية والمشاركة الفاعلة في أنشطتها، وحرصت على عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وشجب العنف، وجميع الوسائل التي تخل بالأمن والسلم الدوليين، والتأكيد على مبدأ التعايش السلمي بين دول العالم. كما أن السياسة السعودية الخارجية حثت على المحافظة على حياة النفس البشرية بصرف النظر عن دينها وعرقها ومذهبها طالما أنها نفس بشرية تمارس دورها الطبيعي في الحياة. وهذه الوقفة الإسلامية الأصيلة للسياسة السعودية الخارجية في دعم الجهود الإنسانية والمحافظة على كرامة الإنسان، أكدت عليها السيدة إرثارين كازين المدير التنفيذي لبرنامج الاغذية العالمي، بقولها: «إن دور المملكة المثمر على مر العقود الماضية وشراكتها الفعالة مع البرنامج ساعدا على إنقاذ حياة الملايين في جميع أنحاء العالم مشيرة بأنه بناء على طلب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سوف يعمل البرنامج مع مركز الملك سلمان للإغاثة الذي أنشئ حديثا مما يمكننا من تلبية الاحتياجات الغذائية للفقراء في جميع أنحاء العالم... وأن المملكة هي واحدة من أكبر الجهات المانحة لبرنامج الأغذية العالمي التي تساهم في مكافحة الجوع». فالمملكة العربية السعودية وقفت إلى جانب دول العالم أجمع، إنسانياً واقتصادياً وإغاثياً، واستحدثت لأجل ذلك مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والذي يعنى بإغاثة الدول المنكوبة والمحتاجة دون تمييز. ختاماً.. لم تحتل المملكة العربية السعودية واجهة العالم العربي والإسلامي والدولي من فراغ، بل كانت سياساتها الخارجية دليلاً على أهمية مسؤوليتها وموقعها الإقليمي، حتى أصبحت لدى المجتمع الدولي محل ثقة، متصدرة الصورة في أيّ مسعى سياسي عالمي. ولقد أحدث سمو الأمير محمد بن سلمان نقلة نوعية في السياسة السعودية الخارجية، وتغييراً نوعياً في شبكة العلاقات والمصالح، فبادر إلى تبني استراتيجية القوة الذكية لمواجهة التحديات الخارجية، تقوم على تفعيل الدبلوماسية على أعلى المستويات، وإقامة التحالفات، والاتصال الاستراتيجي ضد مصادر التهديد الإقليمي، لتدعيم قدرة المملكة على القيام بدورها وتحقيق مصالحها. الملك سعود: نعمل على جمع كلمة العرب، وتأييد مصالحهم الملك فيصل: نسعى بكل ما أوتينا لتوحيد صفوف المسلمين وإزالة أي شائبة الملك خالد: إن تحرير فلسطين وفي مقدمتها القدس هي قضية المسلمين الأولى الملك فهد: نولي قضايا الأمة كل اهتمامنا وفي طليعتها القضية الفلسطينية الملك عبدالله: المسؤولية في الحفاظ على القدس وتحرير الأراضي المحتلة تقع علينا جميعاً الملك سلمان: المملكة جعلت وحدة الأمة ولمّ الشمل العربي والإسلامي هدفها الذي تسعى إليه دائماً