إنّ السياسة الخارجية لأي دولة لا بدّ أن تواجه ظروفاً وتحديات يجب التعاطي معها بشكل متزن فيه الدراية والحكمة بالمدخلات والمخرجات، لكن ممكنات السياسة الخارجية لا يتقنها إلاّ من يمتلك الخبرة الكافية والحكمة والانسجام السليم مع المتغيرات والأطراف السياسية اللاعبة، وهذا ما تبيّن منذ بداية حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - في 23 يناير 2015م، في خضم ظروف استثنائية ومتغيرات متسارعة وتداعيات خطيرة تعصف بالمنطقة، وضعت حكيم العرب الملك سلمان بن عبدالعزيز أمام تحديات جسيمة جعلته يغير أدوات السياسة الخارجية والوسائل الدبلوماسية على جميع المستويات الإقليمية والدولية دون أن يمس جوهر السياسة السعودية الخارجية وثوابتها ومرتكزاتها التي استندت عليها منذ عهد المؤسس - طيب الله ثراه -. حكيم العرب حوّل المملكة لفاعل حقيقي في السياسة العالمية ثوابت سعودية لا تتزحزح تميزت المملكة عن سواها من الدول بثبات المنهج في سياستها الخارجية ما انعكس على أولوياتها تجاه الأزمات العربية والدولية، وترسيخاً لهذه الرؤية الحضارية، ظلت السياسة السعودية الخارجية منذ عقود وحتى اليوم معتمدة في تحركاتها على مبادئ وثوابت ومرتكزات محددة تجسدت فيما يلي: أ. متابعة الواقع الدولي وقراءة أحداثه بشكل مستمر، ثم الاستفادة من التوازنات الدولية وتوظيفها لصالح المملكة دون إقحامها في قضايا سلبية مخالفة للموقف السياسي المعلن، إضافة إلى توثيق الصلة بالقوى السياسية الدولية المختلفة واستثمارها لصالح العرب والمسلمين. عهد خادم الحرمين شهد الانفتاح السياسي للمملكة وتنويع سلتها السياسية والاقتصادية ب. انتهاج سياسة عدم الانحياز، وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والالتزام التام بالتعهدات والاتفاقيات الثنائية، والاحترام المتبادل، والتعامل المتكافئ على أساس احترام مبدأ السيادة. ج. تعزيز العلاقات الخليجية والعربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة، ودعم قضاياها بكل السبل، والمشاركة في تنمية شعوبها وتطورها. د. العمل المستمر من أجل السلام والأمن الدوليين، وإدانة الإرهاب العالمي، وتبرئة الإسلام منه. ه. تطبيق سياسة متوازنة في مجال النفط، والعمل المتواصل على استقرار أسعاره دون الضرر بالمنتجين والمستهلكين على حدّ سواء. و. تأدية دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية، وتقديم الدعم المادي والمعنوي للجهود الدولية الرامية إلى تطوير الدول النامية، إضافة إلى مساندتها ضحايا الكوارث الطبيعية والحروب والنزاعات دون أن يتأثر المبدأ السعودي بأي خلاف سياسي. إن ما حققته سياسة المملكة الخارجية من نجاحات، وإن مثل نقطة ارتكاز رئيسة لتحركاتها في محيطها الإقليمي والدولي، ستظل في الوقت ذاته مرتكزاً في رؤية 2030 التي ساهمت في رسم سياسة المملكة الخارجية الراهنة لمواكبة التغيّر الحادث في العالم. وفي هذا الخصوص، برز مفهوم (خريطة الحضارات) الذي استخدمه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - في حديثه عن كيفية الاستفادة من مرتكزات القوة السعودية، إذ أكد على أن قوة المملكة وتاريخها لم يبدأا مع الإسلام، مع اعتزازها بالحضارة الإسلامية وعهدها الذي بدأ خلال أربعة عشر قرنًا، إلاّ أن ثمة ثقلاً آخر تحمله خريطة الحضارات تلك، وهي التي تشرف على أهم ثلاثة ممرات مائية في العالم، عبرت فوق رمالها وأنحائها الشاسعة قوافل الشعوب التي عاشت في العالم القديم. ووفقاً لهذا التأصيل الحضاري والذي يُعد جزءاً من رؤية 2030، إنما يستهدف تجاوز اختزال المملكة بالهوية الضيقة، إلى العالمية، ويضعها في موقعها الذي يجب أن تكون فيه، حتى تتمكن من القيام بدورها الاستراتيجي، حين يصبح العالم شريكًا لها، وتصبح هي شريكة له في مستقبل واحد. والتزاما بهذه المبادئ والثوابت، فقد سطّرت المملكة نجاحات كثيرة، جعلت دورها ريادياً في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، كما دعمت الأمن الإقليمي والدولي، ونصرة القضايا العربية والإسلامية. كما نجحت المملكة في استضافة ثلاث قمم في أكبر وأهم تجمع سياسي على مستوى العالم عُقد خارج مقر الأممالمتحدة: قمة سعودية - أميركية، وقمة خليجية - أميركية، وقمة عربية - إسلامية - أميركية، فأثبتت حكمة قياداتها، وريادتها العالمين العربي والإسلامي، وأنها ركيزة أساسية لترسيخ السلم العالمي. ونستنتج مما سبق أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - منذ توليه الحكم قد وضع نصب عينيه تحقيق عدد من الأهداف والإنجازات ضمن الدوائر الست التي تمثل أولويات سياسة المملكة الخارجية، وهي الدائرة الخليجية ثم العربية ثم الإسلامية ثم الدولية ثم الاقتصادية ثم محاربة الإرهاب، وهي على الشكل الآتي: أولاً: الدائرة الخليجية تعدّ الدائرة الخليجية من أهم دوائر السياسة الخارجية للمملكة، حيث سعت منذ تأسيسها إلى تقوية تلك العلاقات خصوصاً مع أواصر القربى والارتباط التاريخي والجوار الجغرافي المميز الذي يجمع المملكة بدول الخليج العربية، إضافة إلى جانب تماثل الأنظمة السياسية والاقتصادية القائمة فيها. لذلك ترتكز السياسة الخارجية السعودية في دائرتها الخليجية على مبادئ ومرتكزات عديدة، ومن أهمها: أ. تنسيق السياسات الخارجية، وتوحيد المواقف حيال الملفات الساخنة ومواجهة الأخطار، وإيجاد صيغ مقبولة لاتفاقيات أمنية تخدم دول الخليج، واستقرار شعوبها، وتصفية الخلافات وحل المشكلات الحدودية. ب. تعزيز التعاون، وتنمية العلاقات في مختلف المجالات، السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، والثقافية، واعتبار أمن واستقرار دول الخليج هما مسؤولية شعوبها لمواجهة أي تحديات خارجية كانت أم داخلية. ج. رفض التدخل في شؤونها الداخلية، والوقوف صفاً واحداً أمام أي اعتداء على أيّ من هذه الدول. د. تعزيز الروابط بين دول الخليج، وتقوية موقفها في مواجهة التحديات والتهديدات المتزايدة، والتكتلات الاقتصادية العالمية. لذلك ركز الملك سلمان - حفظه الله - على تدعيم أواصر البيت الخليجي كأولوية، وتبنى قادة دول مجلس التعاون الخليجي رؤية شاملة تقدم بها الملك سلمان للتكامل الخليجي، في قمة الرياض 10 ديسمبر 2015م. وقرّر قادة دول المجلس في لقائهم التشاوري السادس عشر بالرياض في 31 مايو 2016م، تشكيل هيئة عالية المستوى من الدول الأعضاء تسمى «هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية»، تهدف إلى بحث ومناقشة الموضوعات الاقتصادية والتنموية، التي تهم الدول الأعضاء، واتخاذ القرارات اللازمة حيالها. وعقدت الهيئة أول اجتماعاتها في10 نوفمبر 2016م، وخرجت بخمس أولويات أساسية تحظى بالاهتمام والمتابعة، لإحداث نقلة نوعية لمسيرة التنمية الاقتصادية في دول الخليج. وخلال الاجتماع، أكد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - أن دول الخليج أمامها فرصة أن تتكتل، وتصبح أكبر سادس اقتصاد في العالم. كما قام الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، بجولة خليجية في ديسمبر 2016م، برز من خلالها كثير من معاني الدبلوماسية، ومدى الرغبة الشعبية في التجدد والوثوب الحقيقي من مجلس تعاون إلى اتحاد. كذلك شهدت القمة التشاورية الخليجية التي عقدت في جدة في 31 مايو 2016م، ورأسها خادم الحرمين الشريفين، إصدار قرار تنموي خليجي بارز، تمثّل في إنشاء هيئة الشؤون التنموية والاقتصادية. وأيضاً وقعت المملكة والإمارات العربية المتحدة على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي - الإماراتي في مايو 2016م، بحضور خادم الحرمين الشريفين، والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، وهو مجلس تنسيقي وزاري. وعقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي - الإماراتي في جدة يوم 6 يونيو 2018م، برئاسة الأمير محمد بن سلمان، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وشهد الاجتماع الإعلان عن الهيكل التنظيمي للمجلس الذي ضم في عضويته 16 وزيراً من القطاعات ذات الأولوية في كلا البلدين. كما تم تشكيل لجنة تنفيذية للمجلس، وذلك لتكثيف التعاون الثنائي في الموضوعات ذات الأولوية، والوقوف على سير العمل في المبادرات والمشاريع المشتركة. وتوج الاجتماع بالإعلان عن «استراتيجية العزم» التي تضمنت رؤية مشتركة للتكامل بين البلدين اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً عبر 44 مشروعاً استراتيجياً مشتركاً، حيث وضع قادة البلدين مدة 60 شهراً لتنفيذ هذه المشاريع الاستراتيجية. واستضافت المملكة القمة الخليجية التاسعة والثلاثين في ديسمبر 2018م، وأبدى قادة دول الخليج في البيان الختامي ارتياحهم لما تم إحرازه من تقدم في تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين، لتعزيز العمل الخليجي المشترك، التي أقرها المجلس الأعلى في دورته السادسة والثلاثين. وشدد البيان الختامي على حرص قادة دول الخليج على قوة وتماسك ومنعة مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه. كما استضافت المملكة ثلاث قمم يومي في 30 -31 مايو 2019م، منها قمتان خليجية وعربية طارئتان صدر في ختامهما بيان ختامي، ثم قمة إسلامية عادية صدر في ختامها بيان ختامي مطول من 102 بند، إضافة إلى قرار بشأن فلسطين، وإعلان حمل اسم «إعلان مكة». إلاّ أن النظام القطري قد شذّ عن أشقائه الخليجيين من خلال دعمه الإرهاب، وزعزعة أمن المنطقة، ما دفع الدول الخليجية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر في يونيو 2017م. فقد اختارت قطر في سياستها أن تطور علاقات ثنائية مع إيران، وإطلاق محطة الجزيرة الفضائية للإساءة إلى دول الخليج، ثم تحويل قطر إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية، ودعمها مادياً ومعنوياً وعسكرياً وإعلامياً. وعلى الرغم من هذا الجنوح القطري إلاّ أن العلاقات بين المملكة وشقيقاتها الخليجية تمضي في طريقها لتحقيق نموذج تكامل خليجي استثنائي، محوره التعاون والتكاتف على جميع الصعد، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً، مستنداً إلى الإرث الحضاري والتاريخي ومقومات القوة المشتركة، ومدعوماً برؤى وطموحات قياداته، وسط إدراك مشترك أن دول الخليج يجمعها مصير واحد، ورؤية متكاملة مشتركة. ثانياً: الدائرة العربية سجلت السياسة السعودية الخارجية في منهجها العروبي مع الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - منذ تسنمه الحكم 2015م، كثيراً من الإنجازات، بانتهاجها الحزم ضد خطط كل ما يهدد استقرار المنطقة العربية، ووضع صياغة جديدة في تحقيق التوازنات الجيواستراتيجية، أعادت معها ترتيب الصفوف العربية من خلال جهودها السياسية القائمة على الأسس التالية: أ. الإيمان بشرعية الدول العربية القائمة، وبحقها الكامل في السيادة على أراضيها. ب. دعم تضامن الدول العربية، وتوحيد مواقفها، والتقريب فيما بينها، وتسخير الإمكانات كافة لتحقيق مصالحها. ج. الربط بين العروبة والإسلام، فالإسلام هو المحتوى الذي من دونه تفقد العروبة أهم ركائزها. وسنتطرق هنا إلى أهم الأزمات والأحداث العربية التي طرأت خلال حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وموقفه - حفظه الله - تجاهها. 1. الأزمة اليمنية تشمل الدائرة العربية كثيراً من القضايا والملفات التي أولتها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - اهتماماً خاصاً، ويأتي في مقدمتها الملف اليمني الذي بادر خادم الحرمين الشريفين منذ عام 2015م بالاستجابة لنداء السلطة الشرعية في اليمن في 24 مارس 2015م، استنادًا إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة، وميثاق جامعة الدول العربية، ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، فقادت الرياض تحالفاً عربياً في عمليتي (عاصفة الحزم)، و(إعادة الأمل) لمواجهة تمرد ميليشيات الحوثي الإرهابية، وإنقاذ المؤسسات اليمنية، انطلاقاً من حرص المملكة على أداء واجباتها تجاه الدول الشقيقة ونصرتها، مع التأكيد على الدور الواضح لبرامج الإغاثة والمساعدات الإنسانية للشعب اليمني عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، حتى يتجاوز اليمن ظروفه وأوضاعه، وليستعيد دوره الطبيعي إقليميًا ودوليًا، وينهض بوطنه في أجواء من الأمن والاستقرار. وعندما تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - الحكم، كان اليمن يعيش في حالة فراغ، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014م، وتمددهم في البلاد. فأعطى - حفظه الله - في 26 مارس 2015م إشارة البدء ل(عاصفة الحزم) ضد الحوثيين، وتلتها عملية (إعادة الأمل) التي لا تزال مستمرة في دعم الجيش الوطني، الأمر الذي تكلل بتحرير مناطق واسعة من قبضة الحوثيين. ووضع خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - خطوطاً واضحة لسياسة المملكة في اليمن، وذلك في خطابه أمام مجلس الشورى، في 14 ديسمبر 2016م، حيث أكد أن «أمن اليمن الجار العزيز من أمن المملكة، ولن نقبل بأي تدخل في شؤونه الداخلية، أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقراً أو ممراً لأي دولة أو جهات تستهدف أمن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها.... ونأمل نجاح مساعي الأممالمتحدة في الوصول إلى حلّ سياسي باليمن وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم (2216)، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني». كما استمر الدور السعودي في دعم العمل السياسي لحلّ الأزمة اليمنية، وتكللت تلك الجهود بالنجاح بتوقيع الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي على اتفاق الرياض في 05 نوفمبر 2019م، وذلك بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية. ودان الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة الثامنة لمجلس الشورى في 11 نوفمبر 2020م الميليشيا الحوثية، قائلاً: «وتدين المملكة ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، بانتهاكها القوانين الدولية والقواعد العرفية بإطلاق طائرات مفخخة من دون طيار، وصواريخ باليستية باتجاه المدنيين في المملكة، بطريقة متعمدة وممنهجة.... ونؤكد في المملكة على دعم الشعب اليمني الشقيق حتى يستعيد اليمن من خلال سلطته الشرعية كامل سيادته واستقلاله من الهيمنة الإيرانية، وسنستمر في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني، كما سنواصل الدعم للجهود الدولية الرامية إلى حلّ الأزمة اليمنية التي يقودها المبعوث الأممي إلى اليمن، وفقاً للمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار اليمني الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن 2216». 1. الأزمة السورية حرصت المملكة منذ اندلاع الأزمة السورية على التأكيد على دورها الداعم للشعب السوري، لتخفيف معاناته الإنسانية، بداية من استقبال نحو مليوني مواطن سوري، وعدم التعامل معهم كلاجئين أو وضعهم في معسكرات لجوء، حفاظًا على كرامتهم وسلامتهم، ومنحتهم حرية الحركة التامة، ومنحت لمن أراد البقاء منهم في المملكة، وهم مئات الآلاف، الإقامة النظامية، وسمحت لهم بالدخول لسوق العمل والحصول على الرعاية الصحية المجانية والتعليم، كما أسهمت المملكة في دعم ورعاية ملايين السوريين اللاجئين في دول مجاورة بسبب استمرار الصراع. واستضافت الرياض المعارضة السورية في اجتماعات يومي 9 و10 ديسمبر 2015م، توجت بتشكيل الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية، التي تعد أبرز الكيانات الممثلة لها في المحافل الدولية حالياً. وأكد الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - وقوف المملكة إلى جانب الشعب السوري الشقيق في سبيل تحقيق تطلعاته، وتخفيف معاناته الإنسانية، وخروجه من أزمته الحالية، ودعم المملكة للحل السياسي في سورية وفقاً لبيان جنيف 1. وأعاد الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - خلال خطابه أمام مجلس الشورى في 20 نوفمبر 2019م، التأكيد على موقف المملكة من أن الحل السياسي هو الحل الوحيد، للحفاظ على سورية وطناً آمناً وموحداً لجميع السوريين، وأن ذلك لن يتحقق إلا بإخراج كل القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من الأراضي السورية. كما أعاد التأكيد على موقف السعودية الرافض للتدخل التركي العسكري في شمال شرق سورية، باعتباره تعدياً سافراً على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية، ومؤكداً أن المملكة ستواصل مدّ يد العون والمساعدات الإنسانية للشعب السوري الشقيق من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. كذلك أكد الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة الثامنة لمجلس الشورى في 11 نوفمبر 2020م، على «تأييد الحل السلمي بسورية وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، ومسار جنيف 1»، مشدداً على «وجوب خروج الميليشيات والمرتزقة منها والحفاظ على وحدة التراب السوري». 1. الأزمة الفلسطينية ظل الموقف السعودي بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - ثابتاً وواضحاً ومعبراً عن حرص المملكة على حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإدانة ما تقوم به القوات الإسرائيلية من تصعيد وتصرفات غير مسؤولة، كما طالب بوضع حدّ لبناء المستوطنات الإسرائيلية وإزالة ما أنشئ منها، وأكد أن السلام الشامل والعادل والدائم لا يتحقق إلاّ بانسحاب إسرائيل الكامل من كلّ الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة طبقًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية. وقال الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة الثامنة لمجلس الشورى في 11 نوفمبر 2020م، إن «المملكة تؤكد استمرار وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، كما أننا نساند الجهود الرامية لإحلال السلام في الشرق الأوسط بالتفاوض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للوصول إلى اتفاق عادل ودائم». 1. الأزمة العراقية ازدادت الأزمة العراقية هشاشة بسبب ضعف العلاقة التشاركية بين المكونات الرئيسة للدولة العراقية، ونظراً لخطورة هذه الأوضاع وتأثيراتها على الأمن الخليجي، تحركت السياسة السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - لإنقاذ العراق من براثن الطائفية، وسارعت بمعاونة الأشقاء العراقيين للوصول إلى رؤية توافقية بشأن عقد اجتماعي جديد يحافظ على وحدة الدولة العراقية، ويفسح المجال للجميع للمشاركة. وأكد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة الثامنة لمجلس الشورى في 11 نوفمبر 2020م، على «الوقوف مع العراق وشعبه الشقيق»، وقال: «نساند جهود حكومة العراق في سبيل استقراره ونمائه وحفاظه على مكانته في محيطه العربي، وتعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين والتعاون في مختلف المجالات من خلال مجلس التنسيق السعودي - العراقي». 1. الأزمة الليبية استمر الموقف السعودي منذ بداية الأزمة الليبية متمسكاً بدعم الشرعية الليبية، وحثّ جميع الأطراف على استكمال البناء المؤسساتي الانتقالي، وتمكين مجلس النواب من القيام بدوره، وفق ما نص عليه الاتفاق السياسي الليبي، وضرورة تعزيز التنسيق بين القوات العسكرية والأمنية الليبية الشرعية، وحثّها على العمل بسرعة لوضع قيادة عسكرية وأمنية مشتركة في ليبيا، تضمن محاربة التنظيمات الإرهابية الموجودة على التراب الليبي كافة، والمصنفة من قبل الأممالمتحدة كتنظيمات إرهابية، فضلاً عن ضرورة مشاركة جميع فئات المجتمع الليبي المشاركة في العملية السياسية، مع تعزيز التواصل والتوعية داخل ليبيا والبحث عن آليات حوار فعالة لتعزيز المصالحة. وأكد ذلك الموقف ما جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة الثامنة لمجلس الشورى في 11 نوفمبر 2020م: «إننا نتابع باهتمام تطورات الأوضاع في ليبيا، مجددين ترحيب المملكة بتوقيع اللجان العسكرية الليبية المشتركة الاتفاق الدائم على وقف إطلاق النار برعاية الأممالمتحدة، متطلعين إلى أن يمهد الاتفاق الطريق لإنجاح التفاهمات الخاصة بالمسارين السياسي والاقتصادي، بما يسهم في تدشين عهد جديد يحقق الأمن والسلام والسيادة والاستقرار لليبيا وشعبها الشقيق، داعين إلى وقف التدخل الخارجي في الشأن الليبي». 1. الأزمة السودانية يعكس موقف المملكة السياسي تجاه السودان الشقيق ما ذكره وزير الدولة للشؤون الخارجية عضو مجلس الوزراء عادل الجبير في 17 أغسطس 2019م، أن اتفاق السودان هو اللبنة الأولى التي ستسهم في بناء دولة متمكنة أمنياً واقتصادياً، وأن هذا الاتفاق سيسهم في تحقيق تطلعات الشعب السوداني الشقيق، أن موقف المملكة والتزامها التاريخي بأمن وسلامة السودان والحفاظ على مكوناته الأمنية والاقتصادية هي مواقف ثابتة تزداد صلابة وقوة وحزماً مهما بلغت التحديات. وأكد على ذلك الموقف السعودي الراسخ تجاه السودان ما جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة الثامنة لمجلس الشورى في 11 نوفمبر 2020م: «بوصف المملكة رئيساً لمجموعة أصدقاء السودان فإنها تشدد على أهمية دعم السودان حالياً، وتؤكد الدعم السياسي الكامل لمحادثات جوبا للسلام». ثالثاً: الدائرة الإسلامية شهدت المملكة مزيداً من الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي، فضلاً عن حرصها على حشد وتكريس قدراتها ومواردها وتسخيرها لخدمة قضاياه، وتحقيق أسباب ترابطه وتضامنه، وليس أدلّ على هذا من مبادرة المملكة مع الدول الإسلامية بإقامة منظومة من المؤسسات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية، ومنها رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي، ودعم الأمن الجماعي للدول الإسلامية، والعمل على تسوية المنازعات بين الدول الإسلامية بالطرق السلمية، وتقديم المعونات الاقتصادية للدول والمجتمعات الإسلامية ذات الإمكانات المحدودة، وتقديم المساعدة والإغاثة العاجلة للدول الإسلامية المنكوبة، ومناصرة المسلمين والدفاع عن قضاياهم، وتوفير الدعم المادي والمعنوي للتجمعات الإسلامية التي تواجه تحديات وجودية على غرار ما يعاني منه الروهينغا في ميانمار. رابعاً: الدائرة الدولية استهدفت الاستراتيجية السعودية تنويع خياراتها مع مختلف دول العالم من أجل تحقيق التوازن الإقليمي، وتأكيداً على عدم انحياز المملكة لدولة دون سواها، ورغبة في الانفتاح السياسي، فالمملكة في هذه المرحلة وكما تسعى لتنويع سلتها السياسية والاقتصادية، فأصبح الحضور السعودي في المشهد السياسي يلفت إليه الأنظار، وقادر على تشكيل تحالفات سياسية ناجحة. وأكد خادم الحرمين الشريفين في 11 نوفمبر 2020م أثناء افتتاح أعمال السنة الأولى من دورة مجلس الشورى الثامنة على أن المملكة تحرص دائماً على التفاعل البناء مع المجتمع الدولي بالتزامها بميثاق الأممالمتحدة، والمعاهدات والاتفاقات الدولية المنضمة إليها، وانطلاقاً من هذه المبادئ فإن المملكة تؤكد على عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، وضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه من يتبنى سياسية التدخل في الشؤون الداخلية للغير، كما أنها تشجب جميع أشكال العنف والوسائل المخلة بالأمن والسلم الدوليين، وترفض أي محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية، وتنبذ الإرهاب والفكر المتطرف وتحارب تمويله، وتدعم الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وصوره، بما فيها دعمها المالي لمركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب بمبلغ (110) ملايين دولار، وإنشاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف اعتدال، كما استضافت المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب، وفي مجال المساعدات الإنسانية والتنموية قدمت المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية أكثر من 86 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، استفادت منها (81) دولة. وعدّ وزير الخارجية آنذاك عادل الجبير في تصريح له بمناسبة الذكرى الثانية لتولي الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - مقاليد الحكم أن هناك «نقلة نوعية في عهد عاهل البلاد في طريقة التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية... وأن حكومة خادم الحرمين الشريفين حرصت على انتهاج سياسة خارجية متزنة ورصينة تنهل من إرث الماضي في التعامل مع التحديات الأمنية، مع مواكبة مستمرة لمتطلبات ما يستجد من أحداث ومخاطر تجتاح المنطقة، ناجمة في معظم الأحوال من تضافر التطرف العنيف مع موجة الإرهاب المنتشرة، خاصة إذا اقترن ذلك بتدخل من أطراف خارجية». وترتبط المملكة بعلاقات استراتيجية مع الولاياتالمتحدة حكمتها ضوابط ومصالح متبادلة على مدار العقود الماضية منذ تأسيس المملكة، وإن شهدت مراحل للهبوط والصعود في مساراتها طبقاً لتباين مواقف البلدين ومصالحهما، فإن انفتاح المملكة على روسيا وتعزيز العلاقات خصوصاً في ظل الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى روسيا في أكتوبر 2017م، مثلت تحولاً مهماً في مسار السياسة الخارجية السعودية على المستوى الدولي، وسعيها لتحقيق التوازن في علاقتها الدولية، إذ انتقلت علاقاتها مع روسيا من مجرد علاقات عادية دون وجود أي روابط سياسية إلى علاقات استراتيجية تدعمها حجم الصفقات والشراكات الاقتصادية المتبادلة، فضلاً عن الرؤية الروسية لأمن منطقة الخليج والمتمثل في إقرار موسكو بأن المملكة باتت الطرف الأساسي الذي يقود الوجهة العربية والإسلامية في ملفات ساخنة متعددة، لا سيما أمن الطاقة، واستقرار المنطقة. في الوقت نفسه شهدت العلاقات السعودية - الصينية، خصوصاً في ظل تتويج المملكة لشراكاتها معها منذ 20 يناير 2016م، توقيع بيان مشترك لإقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين. كما أن تحرّك المملكة دولياً لا يقتصر على مجرد علاقاتها مع القوى الكبرى فحسب، بل ترسّخت مكانة المملكة ودورها عبر تكثيف جهودها في حلّ النزاعات، توافقاً مع ميثاق الأممالمتحدة، وتوظيف الدبلوماسية الاستباقية لمنع تفاقم هذه الأزمات وتحوّلها إلى صراعات عسكرية ينتج عنها كوارث. وشاركت المنظمات الدولية والدول المؤمنة بالعمل الجماعي في تحقيق السلم والأمن الدوليين، بحس المسؤولية والاعتدال، وازداد دورها في إرساء قواعد العمل الإنساني من خلال إنشاء مركز الملك سلمان بن عبدالعزيز للإغاثة والأعمال الإنسانية، ليعكس الدور الإنساني المشرق للمملكة على مستوى العالم، حيث أتت المملكة في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث حجم المعونات الإغاثية والإنسانية والتنموية، وهناك ما يزيد على 35 دولة تستفيد من المساعدات التي يقدمها المركز، والتي تتنوع ما بين مشروعات تعليم، وصحة، وأمن غذائي، وخدمات لوجستية، وحماية، وإيواء...، وذلك على الرغم من حداثة المركز الذي يرجع تاريخ تأسيسه إلى مايو 2015م. لذلك تتمثل الدائرة الدولية في علاقات المملكة مع القوى العالمية، وفق معادلة سعودية حاذقة قائمة على التوازن البناء في إنشاء علاقات تحالف مع القوى الدولية المتعددة مع المحافظة على استدامة وتطوير العلاقات الاستراتيجية القائمة مع الولاياتالمتحدة المبنية على الاحترام المتبادل، مما مكن المملكة من تعديد سلسلة تحالفاتها وتخطيها سياسة الحليف الأوحد مما منحها سرعة التحرك وقوة القرار والاختيار. خامساً: الدائرة الاقتصادية تمتلك المملكة أضخم احتياطي نفطي عالمي، ما رتّب عليها مسؤولية إقليمية ودولية، وهذا ما أكده خادم الحرمين الشريفين في 11 نوفمبر 2020م أثناء افتتاح أعمال السنة الأولى من دورة مجلس الشورى الثامنة، عندما قال إن «المملكة العربية السعودية حرصت منذ تأسيس منظمة أوبك على استقرار أسواق البترول العالمية، وليس أدلّ على ذلك من الدور المحوري الذي قامت به في تأسيس واستمرار اتفاق مجموعة أوبك بلس، وذلك نتيجة مبادرات المملكة الرامية إلى تسريع استقرار الأسواق واستدامة إمداداتها.... كما عملت المملكة، ولا تزال تعمل لضمان استقرار إمدادات البترول للعالم بما يخدم المنتجين والمستهلكين على حدّ سواء، على الرغم من الظروف الاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم بسبب جائحة كورونا وانعكاساتها على أسواق البترول العالمية». واتضحت السياسة السعودية النفطية وأهميتها للعالم من خلال الجوانب التالية: أ. تلعب المملكة دوراً مهماً في استمرارية نمو الاقتصاد العالمي، واقتصاديات الدول النامية، كونها تمتلك ربع الاحتياطي العالمي من النفط، والمحافظة على الإنتاجية القصوى. ب. تعدّ المملكة ضمن الاقتصاديات العشرين الأكبر عالمياً، والأولى في الشرق الأوسط، والعالم العربي، وحازت على ربع إجمالي ناتجه القومي. ج. دخول المملكة إلى مجموعة العشرين الدولية شكّل زيادة في دورها المؤثر الذي تقوم به في الاقتصاد العالمي، إضافة إلى ارتفاع حجم تجارتها الدولية وتأثيرها في التجارة العالمية. كما تسلّمت المملكة رئاسة مجموعة العشرين هذا العام 2020م في زمن يحدث فيه تحوّل كبير في المشهد العالمي نتيجة التغيرات الاجتماعية والبيئية والتقنية والديموغرافية. ولطالما كان التعاون والعمل الجماعي الدولي السمة الأبرز لمجموعة العشرين، حيث أظهرت السعودية تميزاً في قيادتها أعمال المجموعة خلال رئاستها مجموعة العشرين هذا العام، في أكثر الظروف تحدياً واختباراً ممثلة في جائحة كوفيد - 19 التي عصفت بالعالم أجمع. كذلك ستركز قمة قادة مجموعة العشرين في 21 و 22 نوفمبر الجاري على حماية الأرواح واستعادة النمو الاقتصادي. سادساً: دائرة الإرهاب الإقليمي على الرغم من سجل إيران الحافل بزرع الفتن والاضطرابات ونشر الإرهاب في المنطقة العربية بهدف زعزعة أمنها واستقرارها، والضرب بعرض الحائط بكل القوانين والاتفاقات الدولية منذ قيام ثورتها 1979م، إلا أن المملكة حرصت على ممارسة سياسة ضبط النفس طوال هذه الفترة، رغم معاناتها ودول المنطقة والعالم المستمرة من هذه السياسات العدوانية. لكن مع تزايد هذه التدخلات بشكل مباشر وعبر وكلائها من الميليشيات المجندة في العراق ولبنان وسورية واليمن، وكذلك دعمها المستمر للإرهاب من خلال توفير ملاذات آمنة له على أراضيها، وزرع الخلايا الإرهابية في عدد من الدول العربية، واغتيال المعارضين في الخارج، وانتهاكاتها المستمرة للبعثات الدبلوماسية، إضافة إلى برنامجها النووي ذي التأثير السلبي على البيئة وأمن واستقرار المنطقة، فمن غير المقبول أن تظل السياسة السعودية على منهجيتها في ضبط النفس دون ممارسة المزيد من التصعيد حيال هذه التجاوزات الإيرانية، فاتخذت المملكة قرارها في مواجهة هذا الإرهاب المتزايد، كما باركت انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وبالتالي عودة العقوبات الاقتصادية القاسية على طهران. وأشار خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - أثناء افتتاح أعمال السنة الأولى من دورة مجلس الشورى الثامنة، في 11 نوفمبر 2020م، إلى سعي بعض دول المنطقة إلى فرض نفوذها السياسي وأيديولوجيتها المتطرفة. وقال: «تواجه دول منطقتنا محاولات عديدة من قوى إقليمية، تسعى لفرض نفوذها السياسي، وأيديولوجيتها المتطرفة، خدمة لمصالحها الخاصة، غير عابئة بأعراف دولية أو مراعية لحقوق الجوار، وهذا النهج العدواني المتعنت مسؤول عما آلت إليه الأوضاع في بعض دول منطقتنا، كما هو مسؤول كذلك عما خلفه من مآسٍ في تلك الدول يندى لها جبين الإنسانية، وإن المملكة لتؤكد على خطورة مشروع النظام الإيراني الإقليمي، وتدخله في الدول ودعمه للإرهاب والتطرف وتأجيج نيران الطائفية، من خلال أذرعه المختلفة، وتنادي بضرورة اتخاذ موقف حازم من قبل المجتمع الدولي تجاهه، يضمن معالجة جذرية لسعي النظام الإيراني للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وتطوير برنامج الصواريخ الباليستية، وتدخلاته في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ورعايته للإرهاب، وتهديده للسلم والأمن الدوليين». لذلك استمرت المملكة في التصدي لخطط النظام الإيراني الإجرامية، والهادفة لزعزعة استقرار المنطقة العربية، ونجحت في تحجيم نفوذه وكبح أطماعه عبر العمل القوي والصادق مع المجتمع الدولي، والتنسيق مع الولاياتالمتحدة لفرض العقوبات الأقوى عليه، وخنق اقتصاده الذي يغذي من خلاله الميليشيات الإرهابية. ختاماً.. يمكننا أن نجزم أن السياسة السعودية الخارجية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - تحوّلت من المرونة والتغاضي عن بعض المواقف والسياسات إلى المواجهة والتصدي لها، والتأقلم مع الظروف، والتعاطي مع التحوّلات الخطيرة على المستوى الإقليمي والدولي، من خلال إجراءات أرغمت قوى إقليمية ودولية على إعادة حساباتها وسياساتها وتغيير مواقفها تجاه المملكة والمنطقة العربية، كون المملكة قلب النظام العربي، ومركز قيادة العالم الإسلامي، ومحرّك الاقتصاد العالمي. لذلك من الواضح للمتابع أن السياسية السعودية الخارجية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - أخذت بعداً إضافياً وجديداً، لم يكن مسبوقاً في فضاء السياسات الخارجية للمملكة والمنطقة العربية.