على الطريق البري الطويل من الرياض إلى حدود المملكة الشمالية، وحين تتوقف على محطات الخدمة للتزود بالوقود والطعام، تتفاجأ بسيارة أو أكثر تحمل لوحات محلية أو خليجية وتستقلها أسر من جنسية عربية محددة تطلب منك مساعدة مالية. هذه الظاهرة موجودة أيضا على بعض الطرق البرية الطويلة الأخرى في المملكة، كما أنها موجودة في محطات الوقود داخل المدن، وفي الأسواق، بل أنها تتعدى ذلك إلى المنازل حيث يُفاجأ الإنسان بمن يطرق باب منزله في أوقات غير مناسبة ودون سابق إخطار ويطلب مساعدة مالية. هناك ملاحظتان بارزتان، وهما أن هؤلاء الأشخاص الذين يطلبون المساعدة لا تبدو عليهم مظاهر البؤس الحقيقي أو المصطنع التي نراها على وجوه وملابس المتسولين بل إن مظاهرهم أقرب إلى مظاهر الإنسان العادي، إن لم نقل الإنسان «المرتاح مادياً»، ويتجلى ذلك من أنواع السيارات التي يستقلونها ومن ملابسهم وملابس أطفالهم. والملاحظة الثانية هي إن سلوك ومنطق هؤلاء الناس يتسم بالجرأة، فهم يتحدثون بثقة وبنبرة تشبه الإملاء ويتوقعون مبالغ أكبر مما تدفعها لهم وقد يتفوهون بكلمات لا تدل على الامتنان والشكر. والفئة الأكثر خطورة، برأيي، بين هؤلاء الأشخاص فئة النساء اللاتي يقتحمن المنازل دون استئذان عندما يغفل الإنسان عن قفل باب منزله حتى لو لفترة بسيطة! فهؤلاء النسوة يسمحن لأنفسهن بالتوغل داخل المنزل، وعندما يفاجأ الإنسان بواحدة منهن تبدأ بشرح أوضاعها وأوضاع أسرتها وتطلب مساعدة مالية وليس طعاماً أو شراباً أو ملابس، وحين تتصدق عليها بمبلغ مالي تتفاوض معك على مبلغ أكبر بصرف النظر عن المبلغ الذي تتصدق به عليها. يشعر الإنسان برغبة حقيقة بتقديم المساعدة، فهؤلاء في النهاية هم أخواننا وقد جار عليهم الزمن، لكن الطريقة التي يتسولون بها ومظهرهم الذي لا يوحي بالعوز وإنما بالاستغلال وما نعرفه من أن هناك محتاجين من أبناء بلدنا يمكن إيصال المساعدة لهم عن طريق الجمعيات الخيرية الموثوقة وأن الأقربين أولى بالمعروف، كلها تجعل الإنسان في حيرة من أمره. فكلنا يود أن يتصدق، بحسب قدرته بالطبع، لكنه لا يريد أن يكون موضع استغلال. وهناك جانب أمني وجانب أخلاقي يتعلقان بالموضوع. فاقتحام المنازل بحجة طلب المساعدة قد يترتب عليه مشكلات أمنية وأخلاقية لا تحمد عقباها، كما أن بعض المتسولات اللاتي في الأسواق لوحظ عليهن سلوكيات وصفها مَنْ نَقَلَها بأنها مريبة وغير طيبة أخلاقياً. نتمنى من أي جهة رسمية ذات علاقة بالموضوع التصدي لهذه الظاهرة المقلقة مثلما فعلت شرطة القصيم في منتصف هذا الشهر عندما أوقفت عائلة عربية مكونة من واحد وعشرين شخصاً كانوا يتسولون في مواقع مختلفة من مدينة بريدة باستخدام خمس سيارات وُصفت إحداها بأنها «فارهة» وعثروا بحوزة الأسرة على مبالغ مالية بالريال وبعملات خليجية ومجوهرات وغير ذلك.