لا يمكن للسياحة السعودية أن تزدهر بمعزل عن مشروعات التنمية المدنية التي تسهم في تطوير المدن والقرى وتحولها إلى وجهات مفضلة للزائرين والمستثمرين؛ وتقدم المواقع الأثرية والوجهات السياحية في قالب حضاري متكامل يجذب السياح ويوفر لهم خدمات متكاملة ومنافسة لما تقدمه الوجهات السياحية الخارجية. تتميز المملكة بمواقعها الأثرية؛ وأجوائها المتميزة؛ وتضاريسها المتنوعة وبحارها المفتوحة وجزرها العذراء التي يمكن أن تكون؛ في حال تطويرها واستكمال خدماتها؛ وجهات سياحية مفضلة للسعوديين؛ الخليجيين؛ والأجانب؛ ومراكز جذب للاستثمارات المحلية والأجنبية على السواء. السياحة من مقومات التنمية الاقتصادية؛ والأكثر إسهامًا في تطوير المجتمعات؛ وخلق الوظائف؛ وزيادة حجم الناتج المحلي؛ وتنويع مصادر الدخل. قد تكون المشروعات السياحية أحد أهم برامج مكافحة الفقر في المجتمعات النائية التي لا توفر جذبًا للمستثمرين؛ ولا تحظى بمشروعات التنمية الاقتصادية؛ فتتحول السياحة فيها إلى أداة رئيسة للتنمية وجذب السياح وخلق الوظائف وتوفير الفرص الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة. أزعم أن «السياحة» من أهم القطاعات الاقتصادية التي يمكن أن تحقق أهداف رؤية المملكة 2030 وبخاصة ما ارتبط منها بحجم الوظائف المستهدفة والفرص الاستثمارية والتنوع الاقتصادي شريطة التعامل معها كقطاع اقتصادي رئيس وضخ مزيد من الاستثمارات النوعية وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات التي وضعت خلال السنوات الماضية. اعتماد برنامج التحول الوطني ل 13 مبادرة للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بتكلفة تقديرية تتجاوز 26 مليار ريال سيسهم بشكل مباشر في تطوير صناعة السياحة المحلية؛ وتنفيذ كثير من المشروعات المعطلة التي أثرت سلبًا على النهوض بالصناعة السياحية في المملكة. بالرغم من أهمية المبادرات المعتمدة دون استثناء؛ إلا أن التركيز على تطوير الوجهات السياحية وفق منظومة متكاملة ربما كان أجدى في المرحلة المقبلة. وأعني أن يكون التركيز الأكبر على إنشاء القرى السياحية المتكاملة في المناطق الثرية بمقوماتها السياحية الجاذبة. قد يكون مشروع العقير الذي جاء ضمن المبادرات المعتمدة أحد النماذج الجميلة للقرى السياحية المتكاملة؛ إضافة إلى تطوير جزيرة فرسان. كنت أتمنى أن تكون ضمن المبادرات إنشاء قرى سياحية عصرية في أبها والطائف؛ وجزر سياحية غير مأهولة في البحر الأحمر والخليج العربي يتم تحويلها إلى جزر متكاملة الخدمات. استثمار جزء من الاعتمادات المالية الضخمة لتحقيق ذلك الهدف لن يكون صعبًا؛ خاصة مع وجود المستثمرين الذين يبحثون عن فرص سياحية نوعية شريطة توفر البنى التحتية وتكاملها واعتماد المخططات السياحية؛ فتسهم الشراكة بين القطاعين الخاص والحكومي في إحداث نهضة سياحية عصرية في زمن قصير. إنشاء قرى سياحية متكاملة، وفق المواصفات العالمية، يمكن أن يختصر زمن تطوير القطاع السياحي الذي لا يمكن تحقيقه بمعزل عن تطوير كامل الخدمات المرتبطة بالوزارات الحكومية.. قرى سياحية تُصمم وفق التخطيط العالمي الحديث، تُخدم بشبكة قطارات داخلية، ويُراعى فيها وجود الحدائق والمتنزهات العامة، والفنادق بدرجاتها المختلفة، ومراكز التسوق الحديثة والأبراج الاستثمارية، ومراكز المؤتمرات والمتاحف والسينما، ومرافق رياضية، ومدن ألعاب عالمية، وحدائق بيئية مفتوحة. الأمر عينه ينطبق على بعض الجزر البحرية غير المأهولة التي يمكن تحويلها إلى جزر سياحية مكتملة الخدمات، تضم مراكز المؤتمرات والفنادق العالمية ومطارًا قادرًا على استقبال الوفود السياحية والرسمية التي تبحث عن البيئة المتكاملة خدميًا وأمنيًا. نجاح القطاع السياحي يعتمد في الأساس على التنافسية ومحاكات تجارب النجاح في الدول المتقدمة؛ وتحقيق رغبات السائحين وترجمة تطلعاتهم إلى واقع معيش؛ وهذا يتطلب من الجهات المسؤولة معرفة الاحتياجات الرئيسة قبل ضخ استثمارات ضخمة في مشروعات قد تكون مهمة؛ إلا أنها لا تسهم في تحقيق هدف الجذب السياحي؛ ورفع كفاءة القطاع ومساهمته في الناتج المحلي؛ وتنشيط اقتصاديات المناطق والمدن المستهدفة؛ وقبل كل ذلك تحقيق أهداف رؤية 2030. القرى والجزر السياحية يمكن أن تشكل قاعدة للمنظومة السياحية في المملكة؛ والعلاج الناجع لقصور الخدمات في الوجهات السياحية الحالية التي أشبه ما تكون بالزهور الجميلة في الأرض المهملة.