التنمية والسياحة وجهان لعملة واحدة؛ وطرفان لا يمكن فصلهما؛ وجسران يُوصِل كلٍ منهما إلى الآخر. فالتنمية المدنية تسهم في تطوير المدن والقرى وتحولها إلى وجهات مفضلة للزائرين والمستثمرين؛ وتقدم المواقع الأثرية والسياحية في قالب حضاري رائع يحقق التكامل المنشود؛ في الوقت الذي توفر فيه مقومات السياحة؛ والبرامج السياحية المتخصصة جذبا للسائحين؛ والمستثمرين؛ وتنمية اقتصادية من الدرجة الأولى. بل أزعم أن التنمية السياحية تمثل المدخل الرئيس لتحقيق التنمية الشاملة؛ والمستدامة؛ فتحقيقها يضمن بإذن الله تحقيق التنمية المنشودة. أعتقد أن المفاضلة في الإنفاق الحكومي بين مشروعات التنمية؛ وعلى رأسها البنى التحتية؛ وبين مشروعات التنمية السياحية؛ ومنها تطوير المناطق السياحية ودعم الهيئة العامة للسياحة والآثار؛ بناء على أولويات الحاجة؛ لا يخلو من الخطأ غير المقصود؛ فأولويات المشروعات التنموية؛ ومنها مشروعات السياحة؛ يجب أن تقاس بالعائد المتوقع على الإنفاق؛ إضافة إلى حجم انعكاسات المشروعات المنفذة على المدن والقرى المستهدفة والمجتمع بشكل عام. الاستثمار الحكومي في قطاع السياحة قد يحقق عوائد استثمارية متنوعة؛ ويسهم في استكمال البنى التحتية؛ ودعم اقتصادات المناطق المستهدفة؛ ويزيد من دخل الفرد؛ ويوفر فرص استثمارية صغيرة ومتوسطة؛ ووظائف لا حصر لها؛ وهي انعكاسات إيجابية لا يمكن توفيرها من خلال مشروعات البنى التحتية ذات الأولوية الحالية؛ وحجم الإنفاق الأكبر. أضرب مثلا ب«مشروع العقير» الذي دخلت الحكومة كشريك رئيس فيه؛ حيث من المتوقع أن تحدث ميزانية المشروع المحدودة مقارنة بمشروعات أخرى أقل أهمية وأكثر استنزافا للمال العام؛ عوائد استثمارية لا حصر لها. فالمشروع حين انتهائه سيحقق أهدافا تنموية متنوعة؛ بدأ من التنمية السكانية؛ والتطوير العقاري؛ واستكمال البنى التحتية؛ وتوفير منطقة سياحية متكاملة من الدرجة الأولى؛ تتحول مع مرور الوقت إلى منطقة جذب سياحي محققة عوائد مالية ضخمة؛ وتوفر الفرص الوظيفية والاستثمارية المتنوعة وتدعم اقتصاديات المنطقة. مشروع العقير سيسهم في جعل الإنفاق الحكومي أكثر كفاءة وتحقيقا للأهداف التنموية الشاملة؛ فبدلا من التركيز على الطرق والخدمات بشكل عشوائي؛ ومتفرق؛ كما يحدث في جميع مدن المملكة؛ ستوجه الأموال لإنجاز مدينة سياحية متكاملة تحقق أهداف تطوير البنى التحتية؛ وإنشاء المدن المتخصصة؛ وأهداف التنمية السياحية في آن. أضرب مثلا أكثر وضوحا؛ فالإنفاق على التنمية الصناعية في الجبيل أحدث تنمية مدنية موازية؛ انعكست إيجابياتها على التعليم؛ الصحة؛ الطرق؛ الخدمات البلدية؛ الترفيهية؛ والمجتمع بشكل عام. صناعة السياحة قد تحقق الأثر نفسه إذا ما حظيت بالاهتمام والدعم المالي الحكومي؛ أسوة بالدعم المقدم للصناعة والقطاعات الأخرى. يفترض أن تكون التنمية السياحية في مقدمة أولويات الإنفاق الحكومي وليس العكس. النظرة الشمولية الفاحصة والمتعمقة لمخرجات السياحة تكشف عن أهميتها لإحداث التغيير الأمثل في التنمية والاقتصاد والمجتمع. كفاءة الإنفاق باتت أكثر تحققا في السياحة منها في قطاعات خدمية تسيطر اليوم على أولويات المخصصات المالية المعتمدة من الحكومة؛ وهو أمر في حاجة ماسة إلى إعادة نظر وبما يساعد على تحويل السياحة إلى صناعة تدعم الاقتصاد الوطني؛ وتسهم في تحقيق التنمية الشاملة. البطء في التعامل مع «التنمية السياحية»؛ والتقتير المالي على مشروعاتها؛ ورفض إنشاء صندوق دعم حكومي لمستثمريها؛ أسوة بصناديق الدعم الحكومية الأخرى؛ إضافة إلى البيروقراطية القاتلة في بعض الوزارات المرتبطة بالسياحة؛ سيفقدنا الفرص المتميزة؛ التي باتت تتسرب منا إلى دول الجوار؛ مستنزفة أموال السائحين السعوديين؛ ومحدثة تذمرا غير مسبوق من الواطنين، لقصور التنمية المحلية التي أعتقد أن معالجتها ستكون أكثر سهولة من خلال «التنمية السياحية» كما حدث في بعض الدول المجاورة. الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز؛ رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار؛ أكد على أن «السياحة في المملكة لم تعد ترفا بل حاجة ملحة» وهو أمر لا يحتاج إلى مزيد من الإيضاح و التفصيل؛ ولكن يبدو أن مراكز اتخاذ القرار ما زالت تعتقد أن السياحة ترفا؛ ما يجعلها في آخر قائمة أولوياتها المالية!.. الصناعة هي خيار المملكة الأول؛ في الوقت الذي تحتل فيه السياحة المركز الثاني في خياراتنا الإستراتيجية. إذا لم تتعامل الحكومة وفق هذه الرؤية فسنفقد قطاعا نؤمل منه معالجة بعض أزماتنا الاقتصادية؛ وعلى رأسها البطالة؛ تدني مستوى الدخل؛ ضعف اقتصادات بعض المناطق؛ الإسكان؛ والتنمية المدنية؛ ونرجو منه ترسيخ قاعدة التنمية الشاملة؛ وفي مقدمها التنمية المدنية والاقتصادية؛ في جميع مناطق المملكة.