عرضت في الحلقتين السابقتين ثلاثة نصوص متدرجة زمنيًا من الكندي ثم الفارابي ثم ابن سينا في ملاحقتي لمصطلح (أرجل) العروضي. رأينا مصطلح (الأرجل) يتحرك, بل يتأرجح؛ فهو عند الكندي يقابل التفاعيل، ثم عند الفارابي يقابل الأسباب والأوتاد، ثم ابن سينا جعله مقابلاً للمقاطع . فإلى أين تمضي بنا رحلة مصطلح (أرجل) عبر النصوص؟ النص الرابع الذي أتوقف عنده هو للبيروني المتوفى سنة 440ه . ففي كتابه (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) يقول وهو يتحدث عن أوزان شعر الهنود ومصطلحاتهم للحركة والساكن في التقطيع العروضي: « كما أن أصحابنا عملوا من الأفاعيل [لعلها التفاعيل فالسياق يقتضيها] قوالب لأبنية الشعر وأرقامًا للمتحرك منها والساكن يعبرون بها عن الموزون فكذلك سمى الهند لما تركب من الخفيف والثقيل بالتقديم والتأخير وحفظ الوزان في التقدير دون تعديد الحروف ألقابًا يشيرون بها إلى الوزن المفروض وأعني بالتقدير أن (لَك) ماتر واحد أي مقدار، و(كر) ماتران فلا يلتفت إلى التعديد في الكتابة دون التقدير .» ثم يستطرد في الحديث عن الأوزان مع شرح وتمثيل مؤكدًا أكثر من مرة أنه لم يتحقق من قوانين عروض الهنود، وأن ما يقدمه في كتابه على سبيل التعريف والتمثيل ومما لا يجوز أن يخلو كتابه منه، وذلك من باب الإحالة إلى أن تتم له الإحاطة كما قال. وهذا التحوط العلمي مهم جدًا، لأن كثيرًا من الباحثين انتزعوا من كلام البيروني جملاً من غير سياقها وتأولوا فيها كلامًا على البيروني يثير الشبهة حول أن الخليل بن أحمد نظر في العروض الهندي وقوانينه ثم وضع علم العروض العربي، وتلك قضية تجادل حولها كثير من الدارسين والمهتمين، وسأناقشها في بحث مستقل. لكن وأنا أتتبع تطور وتلون مصطلح (أرجل) عند المؤلفين العرب القدامى أجد أنه من المهم أن أشير إلى مسألة التحوط المنهجي والعلمي الذي نبه إليه البيروني في هذا الجزء وهو يتحدث عن عروض الهنود. ولعل القارئ لاحظ في النص السابق تركيز البيروني على موازاة ما هو معروف في العروض العربي من استعمال مبدأ حركة وساكن في التقطيع الشعري بما سماه التقدير الوزني، واستعمل كلمة (ماتر)، ويلمح من كلامه أنه يميز أن ثمة فرقًا في طريقة الوزن والتقدير. وهذه نقطة مهمة سأعود إليها بعد الفراغ من تحديد معنى (رجل) و(أرجل) في النص التالي. - د.فاطمة بنت عبدالله الوهيبي