قليل جدا من الكوريين الجنوبيين سواء الموالين لأمريكا أو المناهضين لها، يمكن أن ينكروا حقيقة التأثير القوي للرؤساء الأمريكيين على السياسة والاقتصاد في كوريا الجنوبية. لا نحتاج إلى النظر أبعد من عام 2000، لكي نقول إنه لو كان الديمقراطي آل جور نائب الرئيس الأمريكي قد فاز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في ذلك العام على حساب جورج بوش الجمهوري ليخلف هو الرئيس بيل كلينتون في البيت الأبيض، لربما كانت كوريا الشمالية مختلفة جدا عما هي عليه الآن؟ إذا فاز مرشح جمهوري جديد في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة التي ستجرى بعد حوالي ستة أشهر من الآن وبدأ يطبق سياسته الخارجية فإن النظام السياسي والاقتصادي العالمي سينقلب رأسا على عقب. كما أن كوريا الجنوبية التي حققت ازدهارا كبيرا بفضل ضمانات الأمن الأمريكية وسياسة التجارة الحرة مع واشنطن ستعاني من خسائر لا حصر لها. ربما لن يصل المرشح الجمهوري دونالد ترامب في حالة فوزه بالرئاسة إلى سحب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية لكن من المحتمل أن يطلب ثمنا باهظا لبقاء هذه القوات. وهذا قد لا يعني فقط مجرد مضاعفة تكاليف استضافة القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية التي تبلغ حاليا 850 مليون دولار سنويا و تمثل نصف تكاليف وجود القوات الأمريكية وتتحمله الخزانة الكورية الجنوبية، وإنما قد يجبر كوريا الجنوبية على تحمل جزءا كبيرا من تكاليف عملية إحلال وتجديد القدرات القتالية للقوات الأمريكية في كوريا الجنوبية والتي تقدر بحوالي 36 تريليون وون بدون حساب تكاليف مظلة الحماية النووية. أيضا قد لا يصل إمبراطور صناعة العقارات الأمريكي الذي تحول إلى السياسة إلى حد إلغاء اتفاقية التجارة الحرة بين الولاياتالمتحدةوكوريا الجنوبية رغم أنه يهدد بذلك الآن. لكنه بالتأكيد سيحاول إعادة التفاوض على شروط هذه الاتفاقية حتى يضمن إنهاء الفائض التجاري لكوريا الجنوبية مع واشنطن. وسواء كان الأمر واقعيا أم لا فإن ترامب تعهد بفرض رسوم بنسبة 45% على واردات الولاياتالمتحدة من دولتين هما الصين والمكسيك وبنسبة 20% على الواردات من كل الدول الأخرى. وهنا ربما سيكون على سول أن تعتبر نفسها محظوظة لأنها لم تكن ضمن القائمة الأولى التي تضم الصين والمكسيك. بالطبع السياسات الخارجية والاقتصادية لترامب مليئة بالمفاهيم الخطأ والجهل الصريح والتناقض الذاتي. ولكن خبراتنا السابقة تقول إن الشبح يمكن أن يصبح واقعا حقيقيا بمجرد أن يبدأ فرسا السباق الركض نحو البيت الأبيض. وحتى لو جاءت ممارسات ترامب ترجمة لنصف تصريحاته الحالية، فإنه سيجعل من جورج بوش الابن يرى أنه لم يكن شجاعا بما يكفي فيما يتعلق بشبه الجزيرة الكورية. ورغم ازدراء ترامب للرئيس الكوري الشمالي كيم يونج أون، فإن الأخير ربما يفضل أن يرى شخصا من «الانعزاليين الجدد» في البيت الأبيض. فترامب لا يكترث حقيقة بما يحدث في شبه الجزيرة المقسمة. في المقابل لم يقدم أحد رؤية لسياسة المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون المنتظرة نحو كوريا الشمالية أفضل مما فعلت ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأمريكية سابقا والتي قد تتولى وزارة الخارجية إذا فازت كلينتون بالرئاسة. وخلال ورشة عمل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مطلع الشهر الحالي قالت شيرمان إنه على الولاياتالمتحدة بدء النقاش مع كوريا الجنوبيةوالصين واليابان للاستعداد لأي انهيار داخلي محتمل أو تمرد عسكري في كوريا الشمالية مستخدمة تعبيرات «التغيير المفاجئ» و»الانقلاب العسكري» ما لا يقل عن 5 مرات في حديثها. إذا كانت كوريا الجنوبية يمكن أن تكون نموذجا، فإن الولاياتالمتحدة يمكن أن تدفع في اتجاه إعادة توحيد شطري كوريا من خلال امتصاص الشطر الجنوبي للشطر الشمالي. ناهيك عن أن سياسة «السلاح النووي أولا» التي تتبناها كوريا الشمالية تحت قيادة كيم يونج أون زعيم حزب العمال الشيوعي الحاكم ستجبر شبه الجزيرة الكورية على الاستعداد لمواجهة موقف متفجر للغاية خلال السنوات القليلة المقبلة. كل هذا يعني أيضا أنه في هذه الحالة سيصبح لدينا كوريا جنوبية مختلفة دبلوماسيا. يمكن أن تظل الولاياتالمتحدة أهم شريك لنا، لكن سول لن تظل تضع كل البيض في سلة واحدة، ليس فقط فيما يتعلق بالاقتصاد وإنما أيضا فيما يتعلق بمسائل الأمن القومي. يجب أن تتوقع البلاد أسوأ السيناريوهات وأن تبذل أقصى جهد ممكن لمنعها بما في ذلك تبني دبلوماسية أكثر إبداعا في تعاملها مع كوريا الشماليةوالصين وروسيا. ** ** ** - تشوي سونج إن