في حين كُنت أملأ عيني من شوارع الرياض الجميلة.. والتي لا تخفى على المُحبْ -حتى خلف ذرات غبار مُتناثرة أو هبوب حرارة.. يُزاحم عيني في تصيُّد مواطن الجمال- مرّ في مجالي البصري منظرٌ ذكرني بتراجيديا كوميدية لصامويل بيكيت إسمها: «في انتظارغودو»!. المسرحية من وحي مسرح العبث.. حيث الانتظار لشيءٍ لا وجود له ولا معنى ولا هيئة؛ هو البطل الحقيقي!.. غودو بالنسبة لبيكيت كان حلماً.. وأملاً.. وترقّباً وموتاً وفراغاً وكل المعاني التي تتناثر على جبهة المُنتَظِرْ! يتأرجح به ميزان الأمل واليأس.. لشيء مجهول!. المُنتظِرون ل«غودو» يمضغون أوقاتهم بالثرثرة.. بالمهاترة.. وربما -وهذا هو الحال الآن- «بالتوّترة».. حتى ينقضي هذا الوقت.. ويأتي أو لا يأتي.. غودو! فالصمت في حضرة الانتظار.. يحوّله لوحش مرعب..! تذكرتُ بيكيت.. و«غودُوه»! -القياس مع الفارق طبعاً- وأنا أرقُب قطعة حديدة بلا ملامح أو معالم.. يتكدّسُ فيها البشر يحملون هّم العيش وتتكدس على جبهاتهم قطرات معاناة في جو لا يرحم.. تُزاحم السيارات في أجمل شوارع الرياض وأبهاها.. وتنطلق بدون ضوابط أو قوانين أو أي معايير سلامة .. تقف أينما وحيثما وكيفما اتفق .. تقف فجأة دون أي حسابات أو تقدير لغيرها.. وتنطلق مرة أخرى في أي لحظة بدون أدنى قواعد القيادة الآمنة! لماذا.. مازال باص (اتوبيس) خط البلدة.. يسعى في شوارع الرياض فساداً؟. سأستخدم الجملة التي استخدمها بيكيت كثيراً في مسرحيته (أنا لا أعرف ياسيدى)! وربما هذا من حقه .. ف«غودو» المواصلات العامة المُنظمة والحضارية.. تباطأ في قدومه وربما هو الآن على وشك أن يقطع خيط الياس أخيراً، ويتهادى في شوارعنا -قريباً إن شاء الله- ولكن حتى حينها.. مازلنا ومنذ سنوات بانتظار أكثر من غودو!!.