لم يكن الفلسطينيون بأفضل حال من السيد فلاديمير والسيد إستراجون بطلي مسرحية الكاتب الإيرلندي صموئيل بيكيت «في انتظار غودو» والذي صور فيها رحلة عبثية طويلة قضاها أبطالها وهم تحت شجرة يتسامرون ويروون الحكايات الغامضة بطريقة فوضوية في انتظار السيد غودو، ذلك الشخص الغائب عن الأعين الذي سيأتي اليهم ممتطياً جواده المغوار ليخلصهم من عبث الانتظار وشوائبه. لقد أسدل الستار على المسرحية من دون أن يلتقي أبطال المسرحية بالسيد غودو ليكتشفا في النهاية وبعد طول انتظار أنه مجرد وهم من صنيع مخيلتهما اختلقوه وابتذلوه ليشيعوا ماضيهم على ضريح الأمل وأطلاله وليواصلوا مسيرة حياتهم على أوهام فوضوية لا تثمن ولا تغني من جوع. مسرحيتنا لم تختلف كثيراً عن تلك المسرحية التي حظيت بجمهور ضخم صفق بحرارة وهتف لأبطالها الشجعان الذين أدوا مهماتهم على أكمل وجه، فقد مر ثلاثة وستون عاماً على الفلسطينيين وهم غارقون في مسرحية الانتظار يسردون حكايات ماضيهم البطولية ويسترجعون تاريخ الأمجاد. ثلاثة وستون عاماً مرت وهم يحلمون في نهاية حاسمة لذلك المسار وأن يلتقوا بالسيد غودو الذي سيرفع لواء الانتصار ويرسو بهم في بر الأمان بعد طول انتظار. حكايات كثيرة سمعناها من آبائنا وأجدادنا وورثناها عنهم لنرويها للأجيال القادمة، فقد علمونا مسرحية أوسلو ودراما كامب ديفيد وغيرهما من المسلسلات التراجيدية العابرة التي تنص على حق العودة والتي كان آخرها طلب العضوية الذي تقدم به رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس في الأممالمتحدة. فعلى رغم أن العالم اعتبر هذه الخطوة نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفلسطينيين إلا أنها في الواقع سيناريو جديد أضيف إلى أجندة التاريخ وانضم إلى أرشيف الذكريات. شكراً لك سيدي الرئيس فقد نقلت الصورة واضحة تماماً كما الشمس لأنك ما أدليت إلا بواقعنا المرير ولقد صفق لك الجمهور بحرارة كما تستحق، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ماذا بعد تلك المسرحية ؟! هل سيعود الجميع إلى بيته يحكي قصة ذلك البطل المغوار الذي ألهب الحضور بكلماته المؤثرة ؟! أم هي مجرد مسرحية تراجيدية عابرة حيكت أحداثها عبثاً لتدغدغ مشاعر الآخرين لحظة الحدث ومن ثم ينتهي الأمر ويسدل الستار ويعود الأبطال من حيث أتوا. لقد انتهت المسرحية ولا زال الشعب الفلسطيني غارقاً في دوامة الانتظار وكله أمل بأن السيد غودو سيأتي يوماً ما ليكسر القيود ويواجه أعتى الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها المحتل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. سيأتي السيد غودو ليقلع المستوطنات المنتشرة في كل مكان ويحرر الأسرى الذين يقبعون خلف الزنازين. سيأتي السيد غودو ليحقق أحلام الفلسطينيين ولو بعد حين فمهما ارتشفوا من مرارة السنين، لابد أنهم سيتذوقون حلوها المكنون، حاملين على أكفهم أغصان الزيتون.