كنت اتحدث مع احدى الصديقات عن الانتظار وما يسببه من استهلاك نفسي للانسان.. وقد يكون الانتظار لشيء واضح ومحدد وقد لا يكون كذلك وهذا هو الاقسى، لان هذا النوع من الانتظار يحاصرك باسئلة كالثعابين.. كيف؟ ولماذا؟ ومتى؟ وهي تتفرع بك الى مالا نهاية عندما تعرف فكيف بك عندما لا تعرف. (غودو) رمز لذاك المنتظر المجهول في مسرحية كتبها صمويل بيكيت وهو كاتب ايرلندي الاصل ولكنه كتب مسرحيته تلك وغيرها من اعماله بالفرنسية ومنها ترجمت الى لغات اخرى. وتدور فكرة المسرحية حول اثنين من الصعاليك في احوال مختلفة تنتهي دائما باكتشافهما ان كل حالة يمران بها تعلق في النهاية بغودو الذي ينتظرانه ولكنه لا يأتي، والأقسى أنهما لا يعرفان إن كانا ينتظرانه في الوقت المناسب، والمكان المناسب والاكثر قسوة انهما لا يعرفان لماذا ينتظرانه وتتلاحق الاحداث لزمن يطول ويقصر مع امتداد حالة الانتظار لغودو. هذه المسرحية من اهم مسرحيات العصر الحديث صاغها الكاتب بأسلوب ساخر بسيط ومع هذا ظل الرمز (غودو) مثار تساؤل الجمهور والنقاد فمنهم من قال ان (غودو) هو رمز للرحمة الالهية التي تفكك كل العقد وتقدم الحلول القدرية، ومنهم من اربكهم الرمز فلم يصلوا للمغزى او الاشارة التي رآها آخرون ورأوا فيها انفسهم فأسعدهم هذا التصوير. وانت عزيزي القارىء ماذا ترى في نفسك؟ وكيف مرت بك حالة الانتظار المتواصل المرهق لأمل يطول ويطول حتى يستهلك انتظاره قدرتك على العمل من اجله فتتآكل روحك وتتوقف حركتك المنتجة او على اقل تقدير تتباطأ. شخصيا اشعر كل يوم بأن غودو يضرب لي موعدا تلو الآخر وتؤجل تلك المواعيد لاجد نفسي قد كتبت اسمه على كل ورقة من وريقات (التقويم) ومازال غودو يواعدني ومازلت بانتظاره. ولو اخذنا بفكرة ان غودو رمز للرحمة الالهية فان انتظارنا له مقرون دائما بالدعاء ثم الدعاء.