لمعرفة الفرق بين (الطليعية والتقليدية) في السينما، يجب علينا فهم عميق للسياق للفيلم على مستوى الزمان والمكان، فمعرفة السياق يكون لنا تثقيف أفضل لمعرفة الفرق بين العمل التقليدي أو الطليعي، وفي السينما الفرنسية تأثر السينمائيون الطليعيون بمن قبلهم، خصوصا ب«الواقعية الإيطالية» وقبلها المونتاج السوفيتي، ومن معرفة ذلك يمكننا الاستنتاج: إن التمرد في السينما الفرنسية كان على السينما السائدة في ذلك الوقت، التي كانت تقدم من قبل صناع أفلام يستهدفون الطبقة البرجوازية بشكل كبير، وما حدث بعد ذلك فقد جاء مخرجون أمثال فرنسوا تروفو، جان لوك غودار، وغيرهما وأحدثوا فرقاً هائلاً في نمط صناعة الأفلام في فرنسا، وتمس حركتهم الموجة الجديدة في السينما الفرنسية. للموجة الجديدة في السينما الفرنسية عناصر مهمة، وأهمها: التحرير الذي يعتمد على عامل القطع في عامل الزمن أو ما يسمى «الجامب كات» وهو تأثر مباشر بحركة طليعية من السينما الروسية بدأت مع أفلام «Man With a Movie Camera». وفيلم «The Battleship Potemkin» إذ يعد عنصر (السرد القصصي) في الموجة الفرنسية يتناقض تماماً مع السائد في ذلك الوقت، حيث لا نجد بناءً قصصيًا يعتمد على مبدأ المراحل الثلاث في السيناريو. كما أن (الصدمة) في الأحداث، ووضعية الكاميرا – أيضاً- تختلف في الموجة عن السائد والمتعارف عليه في ذلك الوقت، فقد كان أبرز الأفلام التي اشتهرت في الموجة هو «Breathless» للمخرج جان لوك غودار، الذي يعد الأشهر مونتاجاً في الموجة، مع فيلم «The 400 Blows» للمخرج رنسوا تروفو، الذي استخدم أحداثًا صادمة مثل تدخين الأطفال وغير ذلك في الفيلم. وقد اعتبر عدد من النقاد أن نهوض موجة كهذه، كانت بسبب (الطليعية) في الفنون بشكل عام، التي بدأت في الولاياتالمتحدة بالذات مع الفنان مارسيل دوشامب، الذي كسر حاجز التقليدية بأكثر الحركات تمرداً في تاريخ الفنون وهي حركة (الدادا) التي خالفت الأعراف وقتها، وذلك عندما قدم هذا الفنان عملاً فنياً اعتبر في ذلك الوقت مخالفاً لجميع النظريات الفنية، عندما وجد صخرة في الشاطئ، واعتبرها عملاً فنياً وقدمها لأحد المتاحف على أساس أنها فن من فنونه!. أما جون كيج، فقد صدم الجميع عندما كان من المفترض أن يقدم سيمفونية موسيقية وسط حضور كبير، ولكنه بدلاً من ذلك، فتح البيانو وصمت لمدة أربع دقائق، ثم أغلق البيانو منهياً السيمفونية حسب وجهة نظره، بعد ذلك قدم نظرية بأن الموسيقى لا تعني سماع الآلات الموسيقية فحسب، إنما سماع أصوات الحضور أثناء صمته في تلك الليلة!. لم تصمد الموجة الفرنسية كثيراً وسط المتغيرات السريعة في السينما، ولكنها حتماً أثرت على صناعة السينما بشكل واضح، حيث نجد المونتاج الأمريكي الحديث متأثراً كثيراً بقطعات غودار، فيما تأثرت لاحقاً أفلام النوار والجريمة بالموجة الفرنسية، التي تعد حتى اليوم حدثاً مهماً في تاريخ السينما، ومن خلالها يمكن عمل مقارنة حقيقية بين (التقليدية) في السينما الفرنسية الكلاسيكية القديمة، وبين (الطليعية) التي برزت بشكل واضح في الستينيات مع الموجة الفرنسية.