مع أنه يمثل الجانب الفكري والنضالي للموجة الفرنسية الحديثة، إلا أن هذا لم يشغله عن استحداث قوالب سردية حديثة على نطاق الشكل أيضا، فكان جان لوك غودار. هو ليس مفكرا وناقدا سينمائيا فقط، بل أبرز التجريبيين الذين ألهموا بأساليبهم السينمائية جيل الشباب الأمريكي أو ما يعرفون ب(جيل الفيديو). مارس النقد وهو طالب في جامعه السوربون، وعشقه لماركس وتأثره بالفكر الوجودي تركا أثرا بارزا في سينماته، لأنه في النهاية ينتمي لسينما المؤلف، ليبدو أكثر المخرجين سينمائية، يعشق بيرغمان ونيكولاس راي، وأصبح ينظر لسينما فيسكونتي الأخيرة بعين من الرضا. عندما قال ريفيت بنظرية المخرج لم يتحمس لها ويصبح أمينا لها مثلما فعل غودار، وليس الأمر هكذا فقط، بل أسقط "الموضوع" من أفلامه، ليعلن عن موت الحبكة، فهذا هو مأخذه على السينما الأمريكية، فهي تهتم بالموضوع، بينما الموضوع في سينما غودار هي "السينما وكل السينما ولا شيء سوى السينما". ففي فيلمه "مذكر مؤنث" 1966يتابع غودار بلغة سينمائية تجريبية، وباستفزاز للطبقة البرجوازية (التي ينتمي لها) وإدانة لجيل الشباب اللإستهلاكي، بدون فرصة للمحاكمة، ومواضيع الحرب والفلسفة والموسيقى حضرت كتعليقات كتابية باللونين الأبيض والأسود. في أحد تعليقات الفلم تقول العبارة "هذا الفلم كان سيدعى أبناء ماركس والكوكا كولا" إنه استفزاز لسلوك التلقي لدينا، بوصف المشاهدة شكلا لمفهوم القراءة في النظرية النقدية الحديثة. وثورية الفلم لا تتوقف في إطار الشكل فقط، فتم تطعيم الحوارات بأبعاد فلسفية وراديكالية، فالسينما عند غودار "التعبير عن الأشياء الجميلة". بطل الفلم يدعى بول (جيان بيير ليوود) ويتعرف في أول مشاهد الفلم على مادلين (شانتال جويا)، بلقطات طويلة صامته وحوارات عفوية واقعية، وتركيز الكاميرا على شخصية المستمع وليس المتحدث، في تصوير مبتكر لمشاهد الحوارات التقليدية، تكون هذه افتتاحيه الفلم. تتطور القصة لتصبح مادلين مغنية بوب شهيرة ، بالإضافة إلى أن بول يعشق (باخ) سنكتفي بهذه الإشارتين الموسيقيتين التي لا بد لأفلام غودار أن تحملها. قام بول بتعريف أصدقائه على زميلات مادلين، ليصبح الفلم مليء بحوارات شباب باريس العصريين، وتصرفاتهم العبثية ، ليصبح بورتريه لشباب الستينيات. ومع عدم وجود شيء يذكر في قصة الفلم، فأصالة الفلم وسينمائيته تكمن في أسلوبه وشكله "الغوداري" فأحاديث الموسيقى والجنس والسياسة هي ما يحب غودار التعبير عنها. ليصبح العمل فيما بعد احد أكثر أعمال "غودار" تكاملا سينمائيا، وأحد أهم أفلام الموجة الفرنسية الحديثة. حضور المغنية شانتال غويا في الفلم كأول أداء سينمائي لها أعطى الفلم سمعة تجارية طيبة لدى شباب العالم، بينما الممثل جيان بيير ليس بالغريب على سينما الموجة الفرنسية الحديثة، بل يكاد يكون ابرز ممثليها، وكان أداؤه يخوله استحقاق أفضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي تلك السنة.